وزير الاقتصاد والمالية المغربي: الحكومة تعمل من أجل إعادة التوازن لماليتها العمومية ولكن ليس عبر التقشف

قال محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية المغربي إن أفريقيا الآن تنبثق كقطب جديد للنمو في العالم، مشيرا إلى أن نسبة النمو لهذه السنة فيها يوازي 5 في المائة، مع العلم أن بعض البلدان المتقدمة لا تعرف هذه النسبة.
وذكر بوسعيد في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» أخيرا في الرباط، أنه في السنين المقبلة «ستساهم أفريقيا أكثر في النمو العالمي».
وقال بوسعيد إن المغرب من خلال القطب المالي للدار البيضاء، يريد أن يصبح قطبا ماليا قاريا وجهويا من أجل جذب كل هذه التمويلات والاستثمارات إلى القارة الأفريقية، مشيرا إلى أن القطب المالي للدار البيضاء استقبل حتى الآن أكثر من ستين شركة منها مصارف وشركات تأمين وصناديق للاستثمار وصناديق للمشاركة والمساهمة. وأضاف أن آخر ما استقبله هذا القطب هو صندوق «أفريقيا 50»، المحتضن من طرف البنك الأفريقي للتنمية، والذي ستكون بداية رأسماله 3 مليارات دولار وسيصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار على المدى المتوسط بمشاركة دول أفريقية ومؤسسات مالية دولية.
من جهة أخرى، قال الوزير المغربي إن الوضع المالي في بلاده يعرف تحسنا مطردا. وأوضح «هذه السنة (2014) فيما يخص نسبة النمو، من المنتظر أن تكون في حدود 3.5 في المائة، بينما ستكون نسبة التضخم في حدود 0.7 في المائة، فهناك تحكم كبير في التضخم، كما أن نسبة البطالة ظلت مستقرة في حدود 9.3 في المائة. هذا من ناحية المؤشرات الاقتصادية، أما من ناحية المؤشرات المالية فإن المغرب الآن أخذ من بين أولوياته إعادة التوازن التدريجي للإطار الماكرو - اقتصادي، وإطار المالية العمومية».
وفيما يلي نص الحوار:
* احتضن المغرب أخيرا المنتدى الأفريقي التاسع للتنمية، الذي نظمته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية بأفريقيا لأول مرة خارج مقرها في أديس بابا، لبحث الطرق المبتكرة للتمويل من أجل النهوض بأفريقيا، هل وجدتم خارطة طريق لتمويل هذه المبادرة؟
- عرف هذا المنتدى الذي يعقد لأول مرة خارج مقر اللجنة الاقتصادية الأفريقية، مشاركة جد مهمة لأكثر من ألف مشارك، وحضور رؤساء دول أفريقية. فالموضوع يشكل موضوع الساعة لأن الكل يعلم أن أفريقيا الآن تنبثق كقطب جديد للنمو في العالم. فنسبة النمو لهذه السنة فيها يوازي 5 في المائة مع العلم أن بعض البلدان المتقدمة لا تعرف هذه النسبة، وأعتقد أنه في السنوات المقبلة ستساهم أفريقيا أكثر في النمو العالمي، وحين نقول النمو فنحن نتحدث عن برامج اقتصادية واجتماعية لتنمية أفريقيا، من أجل حل كل المعضلات وسد كل الحاجيات التي تعرفها هذه القارة، فهي حاجيات كبيرة في ميادين متعددة من بينها التجهيزات، ومشكلة الأمن الغذائي، ومعضلة الطاقة والاستثمارات الهائلة التي يجب أن توجه إليها، من دون أن ننسى المجهود الاعتباري الذي يجب أن تقوم به كل البلدان الأفريقية من أجل تنميتها الاجتماعية في قطاعات مثل الصحة والتعليم. فهذا النموذج الذي تحتاجه أفريقيا هو نموذج للتنمية مدمج لكل سكان القارة، يجب أن يواكبه تفكير جديد في التمويلات بطريقة جديدة. طبعا هناك الآن حاجة إلى تغيير المسلك أو الطريق الذي اختارته أفريقيا لحد الآن، والذي كان عبارة عن استيعاب المساعدات وتمويلات على شكل مساعدات من دول غنية أو دول أوروبية، والتي تكون عادة مقرونة بظروف وشروط تحد من قدرة هذه القارة على التحرك. فللخروج الآن من منظور المساعدات إلى منظور آخر للتمويل يعتمد على تعبئة التمويلات الداخلية والادخار الداخلي، يجب التركيز على الاستثمارات في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتوجيه الاستثمارات إلى البلدان التي تحتاجه، ويجب أيضا إعادة النظر في المنظومة الجبائية من أجل إدماج القطاع غير المهيكل. ومن أجل تقوية المنظومة المصرفية في القارة، يجب أيضا تشجيع كل الأفارقة الذين يعملون في الخارج على تحويل أموالهم إلى قارتهم، والبحث عن منظور جديد ومبتكر من أجل أن تواكب هذه القارة كل حاجياتها، طبعا جلالة الملك الذي أرسل رسالة بليغة لهذا المنتدى ركز على أشياء مهمة من بينها قوله إن القارة الأفريقية لا تحتاج إلى المساعدات والدعم المباشر، بل محتاجة إلى شراكات رابح - رابح، وأن أفريقيا يجب أن تعتمد على نفسها، وعوض أن ننظر فقط إلى الأسواق المالية الدولية التي تحتاج هذه القارة بالفعل في إطار منظور جديد، يجب أيضا أن تثق هذه القارة في نفسها، وأن تعتمد على الشراكات والتعاون جنوب - جنوب بمنظور جديد، منظور متضامن تعم فيه الفائدة على كل البلدان. لقد نبه جلالة الملك إلى أن المشكلة التي تعيق أكثر القارة الأفريقية تكمن في غياب نموذج تنموي، وغياب التمويلات والارتباط أو تبعية هذه الاقتصاديات لبلدان أخرى. أعتقد أن أفريقيا تعرف الآن نهضة بكل معنى الكلمة في المجال الاقتصادي، وأن مستقبل العالم سوف يرتبط لا محالة بمستقبلها.
* هل هناك محاولات من المغرب لإقناع بعض الدول العربية الغنية وخاصة دول الخليج للمشاركة في هذا المسار، أي مسار الاستثمار في أفريقيا وتمويل هذه المبادرات؟
- المغرب يريد أن يلعب دوره كاملا في هذه القارة، أولا كبلد أفريقي تربطه علاقات قوية مع عدة بلدان بالقارة، ثانيا، لنظرة جلالة الملك لمفهوم التعاون جنوب - جنوب المبني على التكافؤ والتضامن والتآزر وتبادل الخبرات والتجارب في ميادين متعددة تحتاجها هذه القارة. ففي العشرية الأخيرة وقع المغرب أكثر من 300 اتفاقية تعاون في ميادين متعددة منها أكثر من 14 اتفاقية في ميدان التجارة و17 في ميدان تشجيع وحماية الاستثمارات.
إن المغرب من خلال القطب المالي للدار البيضاء، يريد أن يصبح قطبا ماليا قاريا وجهويا من أجل جذب كل هذه التمويلات والاستثمارات إلى القارة الأفريقية. وحتى الآن استقبل القطب المالي للدار البيضاء أكثر من ستين شركة منها مصارف وشركات تأمين وصناديق للاستثمار وصناديق للمشاركة والمساهمة، وآخر ما استقبله هذا القطب هو صندوق «أفريقيا 50»، المحتضن من طرف البنك الأفريقي للتنمية، والذي ستكون بداية رأسماله 3 مليارات دولار وسيصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار على المدى المتوسط بمشاركة دول أفريقية ومؤسسات مالية دولية. إن الهدف من هذا الصندوق هو جذب التمويلات من أجل المساهمة وتمويل التجهيزات الأساسية، بالإضافة إلى التعاون جنوب - جنوب، وقد ذكر جلالة الملك ذلك في خطابه بأبيدجان.
هناك أيضا توجه للتعاون الثلاثي، يعني كيف يمكن بفضل التمويلات في بعض الدول العربية، وبفضل التكنولوجيا الموجودة في بعض دول الشمال، وبفضل التجربة والدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب عبر تجاربه الخاصة في ميادين وقطاعات متعددة، والتي كانت تجارب ناجحة في قطاعات مثل الفلاحة عبر مخطط المغرب الأخضر، وسياسة السدود لتعبئة الموارد المائية، وأيضا المخطط الجديد لتسريع التصنيع، إلى جانب المخططات القطاعية الأخرى التي أثبتت نجاعتها. بحيث تكون هناك استفادة أكثر لهذه الدول من هذه التجارب، وطبعا سوف يكون الحضور أيضا للمستثمرين المغاربة الذين بدأ يكون لهم دور فعال في بعض البلدان بقطاعات متعددة كالاتصالات والتأمين والبنوك والعقار في إطار السكن الاقتصادي. فهذا الحضور المتميز للقطاع الخاص المغربي في بعض البلدان الأفريقية سوف يركز عليه أكثر فأكثر من أجل تنمية ونهضة أفريقية شاملة.
* قبل عام كانت الوضعية المالية للمغرب صعبة. هناك ارتفاع في عجز الموازنة وتدهور في الميزان التجاري، وفي احتياطي العملات كذلك، كيف هو الوضع المالي الآن في المغرب؟
- الوضع في تحسن مطرد. هذه السنة (2014) فيما يخص نسبة النمو، من المنتظر أن تكون في حدود 3.5 في المائة، بينما ستكون نسبة التضخم في حدود 0.7 في المائة، فهناك تحكم كبير في التضخم، كما أن نسبة البطالة ظلت مستقرة في حدود 9.3 في المائة. هذا من ناحية المؤشرات الاقتصادية، أما من ناحية المؤشرات المالية فإن المغرب الآن أخذ من بين أولوياته إعادة التوازن التدريجي للإطار الماكرو - اقتصادي، وإطار المالية العمومية. فالعجز في تقلص مستمر فقد بلغ 7.3 في المائة في 2012، و5.2 في المائة في 2013، ومن المرتقب أن يكون في حدود 4.9 في المائة هذه السنة، وقانون المالية الجديد (موازنة 2015) بني على أساس عجز الموازنات في حدود 4.3 في المائة. إن ضبط التحكم في التوازن المالي الذي نعده أساسا لمواصلة التنمية في بلادنا، وضبط المديونية يواكبه مجهود لتحريك الاقتصاد ومواكبة المجهودات لتنمية الاستثمار العمومي وتنمية الاستثمار الخاص وتنمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، طبعا هذا جرى بفضل الإصلاحات التي بدأت منذ نحو سنة فيما يتعلق بدعم بعض المواد الأساسية الذي ستواصله الحكومة في هذا المجال، بفضل أيضا كل هذه الإصلاحات في مجال صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية)، وفي الميدان الجبائي، والآن هناك الملف الكبير المتعلق بالتقاعد الذي يشكل موضوع الساعة في بلادنا. أيضا ستعرف السنة المقبلة بداية تفعيل إصلاح كبير يتعلق بالجهوية المتقدمة (المناطق) من أجل أن تكون المناطق المغربية فاعلة في التنمية الاقتصادية ولديها حلول فاعلة وفعالة من أجل حل المشاكل المرتبطة بالمواطنين المغاربة في مجالات متعددة، هذا هو المنظور العام الذي تسير فيه بلادنا، وطبعا المهم والأساس هو أن يكون هناك تطوير أكثر للاستثمار وخلق فرص الشغل من أجل محاربة وتقليص البطالة التي تعاني منها الكثير من الدول في المنطقة، وأن تكون هناك مواصلة للإصلاحات الكبرى التي انطلقت منذ سنتين، والتي ستتواصل، وأن يكون هناك تركيز على تحسين مناخ الأعمال، وتشجيع وتحفيز الاستثمار، وتشجيع المقاولة، وأن يكون هناك مجهود أكثر في القطاعات الاجتماعية، وفي أولوية هذه القطاعات طبعا خلق مناصب الشغل.
* بالنسبة لاحتياطي العملات الصعبة، ما تقييمك للمستوى الحالي لهذا الاحتياطي من حيث المعايير الدولية، وما هي آفاق تطوره؟
- بالنسبة لميزان الأداءات واحتياطات العملة الصعبة كان قد تراجع بالفعل تراجعا مقلقا إذ وصل إلى نحو 4 أشهر من قيمة الواردات السنوية، بفضل تحسن الميزان التجاري لهذه السنة بأكثر من 5 في المائة، بينما حققت القطاعات المصدرة في بلادنا منذ بداية السنة الحالية أداء جيدا جدا، إذ ارتفعت صادرات قطاع السيارات بنسبة 31 في المائة، وارتفعت صادرات قطاع الطائرات بنسبة 22 في المائة، حتى قطاع النسيج الذي هو قطاع تقليدي في بلادنا ارتفعت صادراته بنسبة 2 في المائة. فالأداء المتميز لهذه القطاعات المصدرة حسن من الميزان التجاري، وحسن من تغطية الصادرات بالواردات من 48 في المائة إلى 51 في المائة، أي بزيادة 3 نقاط، هذا كله كان لديه انعكاس إيجابي على مخزون بلادنا من العملة الصعبة التي ارتفعت من 4 أشهر إلى 5 أشهر الآن، والذي نعده تحسنا معتبرا ومهما في هذا المجال.
* إلى أي حد ساهم التعاون بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي في تحسين الوضعية المالية في المغرب، وهل يمكن للمبادلات البينية أن تشكل بديلا للارتباط التقليدي للمغرب بأسواق أخرى خاصة أوروبا التي تجتاز أزمة مالية واقتصادية صعبة؟
- بالنسبة للتعاون مع بلدان الخليج هو تعاون تاريخي، تعاون أخوي ومهم يرعاه جلالة الملك مع قادة بلدان مجلس التعاون الخليجي، وهو تعاون مثمر ويتواصل. وكما تعلمون هناك منحة من هذه البلدان على مدى 5 سنوات لبلادنا من أجل تمويل التجهيزات الأساسية، وتمويل الاستثمارات العمومية التي تأخذ طريقها في ظروف جد جيدة، طبعا هناك رغبة يعبر عنها خلال كل اللقاءات التي تجري مع دول مجلس التعاون الخليجي، من أجل تطوير المبادلات التجارية في قطاعات مهمة مثل المنتوجات الفلاحية، إذ هناك طلب من هذه البلدان من أجل استيراد المنتوجات الفلاحية المغربية، هناك أيضا طلب لتطوير المواصلات عبر إقامة خطوط بحرية من أجل إيصال كل المنتجات المغربية، فلاحية كانت أم تتعلق بقطاع النسيج، لهذه البلدان. أعتقد أن المغرب استطاع مقاومة الأزمة التي انطلقت في 2008 بشيئين أساسيين: أولا، تنويع اقتصاده قطاعيا، المغرب لا يعتمد فقط على الفلاحة وإن كانت الفلاحة متطورة، فهو يعتمد أيضا على قطاع الخدمات، وعلى المهن الجديدة للمغرب، والسيارات والطائرات، يعتمد أيضا، وهذا من بين المحاور الأساسية التي نشتغل عليها، على تفعيل الاستراتيجية المتعلقة بتطوير التصنيع من أجل رفع قيمة القطاع الصناعي من 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام إلى 23 في المائة، في أفق 2020 وخلق 500 ألف منصب شغل عبر أداة هي صندوق التنمية الصناعية، تبلغ موازنته 3 مليارات درهم لدعم القطاع الصناعي، التنويع القطاعي واكبه تنويع جغرافي للتعاون والمبادلات المغربية طبعا بالإضافة إلى شركائنا في أوروبا وأميركا، هناك أيضا توجه، وهذا معروف، من أجل تطوير هذه الشراكات مع بلدان مجلس التعاون ومع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، هذا التنوع الجغرافي ساهم ويساهم في التقليل من التقلبات التي يمكن أن يعرفها الاقتصاد العالمي.
* ما هي السمات الأساسية للموازنة الجديدة، وهل ستواصل الحكومة نهج التقشف الذي بدأته؟
- الحكومة لم تنتهج لحد الآن أي تقشف، فهي طبعا تعمل من أجل إعادة التوازن لماليتها العمومية ولكن ليس عبر التقشف، ولكن عبر ضبط هذه الميزانية والإصلاحات التي تقوم بها في الميادين التي ذكرتها أي تلك المتعقلة بدعم المواد الأساسية، وبفضل أيضا تطوير المداخيل، جبائية كانت أم مداخيل أخرى في إطار الموازنة العامة، لا أعتقد أن موازنة 2015 يمكن أن تنعت بالتقشف، هي موازنة واقعية تأخذ بعين الاعتبار الأولويات، والدليل على أنها ليست موازنة تقشف هو أنه ليس من المرتقب زيادة الضرائب أو النقص من الاعتمادات الموجهة إلى القطاع الاجتماعي؛ هي موازنة واقعية تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الضرورية لمواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا عبر أساليب وطرق مبتكرة لإعادة هذا التوازن.
* خلال السنوات الماضية تميزت الموازنات المتعاقبة بتخصيص حصة الأسد للاستثمارات الحكومية في البنى التحتية والمشاريع الكبرى، ما هي حصيلة هذا التوجه وهل حقق أهدافه المرجوة؟
- طبعا لما بدأت الشرارة الأولى للأزمة الاقتصادية كانت هناك سياسة توسعية للموازنة عبر تطوير الاستهلاك للرفع من الأجور وتحسينها بصفة عامة، وعبر تشجيع الاستثمار العمومي، هذا التوسع الموازناتي لم يعد الآن ممكنا لأننا استهلكنا كل الهوامش المتعلقة بالموازنة وكان لا بد من الرجوع إلى سياسة منضبطة تضبط الموازنة العامة، لكن في المقابل هذا الرجوع لم يكن بالقساوة التي يمكن أن نتصورها إذ أنه بالنسبة للاستثمارات العمومية بصفة عامة، أكانت ميزانية الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية (البلديات)، في هذا العام 2014 هي في حدود 186 مليار درهم (22.7 مليار دولار)، مقارنة مع سنة 2013 التي كانت في حدود 180 مليار درهم (22 مليار دولار)، ومن المرتقب أنه في السنة المقبلة ستتحسن هذه الاستثمارات العمومية لأنها ضرورية من أجل تقليص الفوارق الاجتماعية، وتقليص الفوارق المجالية ومواصلة كل الأوراش الكبرى التي انطلقت بالمغرب في مجال النقل والطرق السيارة والمطارات والصحة عبر بناء مراكز استشفائية كبيرة، وفي مجال الدعم الموجه إلى التعليم، لأننا نعتبر أن التجهيزات الأساسية هي الأرضية الأولية لبناء اقتصاد قوي.
* اتخذت الحكومة خلال العام الحالي إجراءات جديدة لتمكين المغاربة الذي يتوفرون على أموال وممتلكات غير مصرح بها في الخارج من تسوية وضعيتهم القانونية، أين وصل تنفيذ أو تطبيق هذا الإجراء، وما هي نتائجه حتى الآن؟
- نلاحظ أن البداية كانت بطيئة ولكن في الأسابيع الماضية هناك تسريع لهذه العملية، واستجابة أكبر من طرف المواطنين المغاربة المعنيين بهذه المبادرة التي فهموها بشكل جيد واستوعبوا فلسفتها باعتبارها مبادرة من أجل المصالحة مع المواطنين الذين يوجدون في وضعية مخالفة تجاه مكتب الصرف (مكتب تحويل العملات) وتجاه الإدارة الجبائية، لاحظنا بالفعل أن هناك تسريعا في الأسابيع الماضية، ونأمل بفضل تعبئة المنظومة المصرفية التي تشتغل بشكل جيد في هذا الميدان، أن تحقق الأهداف التي سطرت لهذه المبادرة من أجل حل مشكلة المعنيين بالأمر أنفسهم لأن الآن هناك ضغطا في الدول الأجنبية من طرف البنوك الأجنبية على زبائنهم غير المقيمين من أجل أن يسارعوا إلى المشاركة في هذه المبادرة.
* في السنة الماضية مكن الإعفاء الضريبي الكثير من الشركات من تسوية وضعيتها اتجاه إدارة الضرائب إضافة إلى تمكين الحكومة من تحصيل أموال مهمة ساهمت في التخفيف من أزمتها المالية. هل تفكر الحكومة في تكرار هذه التجربة؟
- هو لم يكن إعفاء ضريبيا، كان إعفاء من الجزاءات الضريبية ومن فوائد التأخير وفوائد التحصيل، أي أن الذين تأخروا عن أداء الضريبة يعفون من كل الجزاءات، وكانت فعلا مبادرة جد طيبة، وحصلت الموازنة على أكثر من 5 مليارات درهم (الدولار يساوي 8.46 درهم) من المداخيل الجبائية المتأخرة، وأعتقد أن هذه المبادرة أيضا حققت المبتغى المرجو منها، وكانت فعلا مبادرة جد مهمة من أجل تحصيل هذه الموازنة.
* بالنسبة للمديونية الخارجية، هل ستقدمون على طلب قروض أو تسهيلات مالية كما جرى في السنوات الماضية، وقبل أشهر، هل هذه الآلية استنفدت دورها؟
- المديونية أولا مرتبطة بنسب العجز، فكلما زاد عجز الموازنة ارتفعت المديونية وارتفعت حاجيات الاستدانة، أعتقد أن الطريق الذي سلكته المالية العمومية من أجل ضبط العجز ستقلص من ارتفاع المديونية وتقلص أيضا الحاجة إلى الاستدانة أكثر وهذا ما نلاحظه في المؤشرات هذه السنة. الآن في مجال التمويلات أو مديونية المغرب هي مرتبطة في إطار سياسة متكاملة، ترتبط بالمديونية الداخلية والمديونية الخارجية. بالنسبة للمديونية الخارجية هناك طبعا تمويلات من طرف المؤسسات الدولية الشريكة للمغرب كالبنك الدولي والبنك الأوروبي للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية وهناك السوق المالية الدولية، والتي جرت هذه السنة، ولاقت نجاحا كبيرا جدا كما جرى التطرق إليها في وقتها من ناحية نسبة الفائدة، ومن ناحية نسبة الاكتتاب، وأيضا من ناحية تنويع المستثمرين المشاركين في هذه العملية، طبعا بالنسبة للسنة المقبلة، كما ذكرت، سوف تكون الحاجيات لتمويل الخزينة أقل بما أن العجز سوف يكون أقل، ولكن سنواصل نفس المنهجية التي اتخذناها أو نتخذها منذ سنوات أي سياسة استدانة متنوعة وحذرة من ناحية تنويع مصادر التمويل، ومن ناحية نوعية أو العملة الصعبة التي تجري الاستدانة بها، ومن ناحية المدى القريب والمتوسط والبعيد. فهذه السياسة التي أثبتت نجاعتها سنواصلها في السنوات المقبلة.