تسعى تركيا جاهدة، عبر مسارات مختلفة، للاستفادة «قدر الإمكان» من أجواء الحرب الليبية، للخروج بحزمة مكاسب تمكنها من رسم خريطة البلد الغني بالنفط، على نحو يخدم مصالحها. وهي إذ تعلل بحماية «جغرافيتها وإرثها القديم»، تتزايد المخاوف من أن تشرع «الانتهازية التركية» الباب أمام حرب إقليمية ربما تطول، سيكون الخاسر فيها الشعب الليبي بكل أطيافه ومناطقه.
وبعد مضي أكثر من ثلاثة قرون من الاستعمار العثماني لليبيا، تتهيأ أنقرة الآن للعودة رسمياً إلى البلاد، لكن هذه المرة تود دخولها بعدتها وعتادها، بغطاء من المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، وتحت عباءة قوى وتيارات بعضها «إرهابية». وهذا تحرك وصفه سياسيون وأكاديميون لـ«الشرق الأوسط» بأنه «براغماتية تستهدف توسيع النفوذ، وبيع وتجريب السلاح، والاستحواذ على أكبر قدر من «كعكة» النفط الليبي مستقبلاً»!
لئن كانت تركيا قد ادعت أنها تبتغي من تحركها دعم اتفاق «الصخيرات» حول ليبيا، فإنها سارعت مبكراً بإرسال إمدادات عسكرية إلى حكومة «الوفاق» المدعومة أممياً، في مواجهة «الجيش الوطني». وهي خطوة تتجاهل الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، وهذا، فضلاً عن تقارير تترى عن «الدفع بمقاتلين إلى ليبيا عبر خطوط طيران يمتلكها أصولي ليبي موال لأنقرة والدوحة».
بدأت أنقرة التخطيط لوضع أقدامها في ليبيا عبر توقيع مذكرتي تفاهم بين رئيس حكومة «الوفاق» فائز السراج والرئيس رجب طيب إردوغان في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية في البحر المتوسط، إلا أنها عملياً تحضّر لهذه الخطوة منذ أتى «الربيع العربي» على ليبيا، وأسقط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. وحقاً، صادق البرلمان التركي، نهاية الأسبوع الماضي، على مشروع قرار يسمح بإرسال قوات عسكرية مدة عام لمساندة حكومة «الوفاق» التي تعترف بها الأمم المتحدة في مواجهة «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر.
- طريق الإخوان
على غرار ما فعلته أنقرة بالانفتاح على «الحالة المصرية» عقب «ثورة» 25 يناير عام 2011. بالتقارب مع تنظيم الإخوان، قبل أن تتحول إلى «عدو» للدولة المصرية حالياً، فإنها اتبعت الأسلوب ذاته مع ليبيا. وهكذا استقطبت جل القيادات والكوادر المحسوبة على الإخوان، و«الجماعة الليبية المقاتلة»، وجعلت من أراضيها ملاذا لمنتسبي تيار «الإسلام السياسي»، بل كل مُدرج على قوائم الإرهاب. وبالتالي، أضحى الطريق من مصراتة إلى إسطنبول محبباً إلى قلوبهم.
أول ترجمة لهذا التقارب، كانت استعجال إخوان ليبيا للدعم العسكري التركي، وفقاً لـ«مذكرة التفاهم الأولى»، بهدف التصدي لضربات «الجيش الوطني». وهذا ما وصفه عارف النايض، رئيس مجمع ليبيا للدراسات، والسفير الليبي السابق في دولة الإمارات، «بأننا نشهد الآن لعبة مصالح كبيرة بين قيادات غرب ليبيا وإردوغان، جعلت من الأخير يظن أنه السلطان عبد الحميد، (أحد خلفاء الدولة العثمانية) وأن طرابلس الغرب، لا تزال تعيش تحت سطوة الاستعمار العثماني لبلادنا».
وحول عمق التقارب الحاصل، تحدث النايض عما سمّاهم «شرذمة في غرب ليبيا وضعوا مليارات الدنانير في بنوك تركية... وكأن الخزائن الليبية تحولت إلى بيت مال لولي طرابلس تُجبى للسلطان العثماني». في إِشارة إلى ما كان يحدث في الماضي.
قيادات تنظيم الإخوان من جانبهم لم يدخروا جهداً في تبرير مجيء القوات العسكرية التركية إلى بلادهم، ورأوا أنها «تستهدف حماية مصالح أنقرة البحرية في البحر المتوسط من جهة، وصد (العدوان) على طرابلس من جعة ثانية»، وهو التبرير الذي تبناه سعد الجازوي القيادي بالتنظيم، وعضو مجلس النواب (المقاطع). وفي مقابل ذلك، توعّد الشيخ جمال أبو فرنة أحد مشايخ مدينة سلوق (جنوبي مدينة بنغازي) في حديث إلى «الشرق الأوسط» بأنهم حال دخول القوات التركية إلى ليبيا فإنهم «سيعلنون حالة الجهاد في عموم البلاد لمقاتلتها، كما فعل أجدادنا مع الطليان». ورأى أبو فرنة أن هذه «التحركات التركية المقصود منها حصار مصر أولاً، ثم الاستحواذ على ثروات ليبيا النفطية، بالإضافة إلى تجريب وبيع السلاح لحكومة غرب البلاد».
- مصر والجامعة العربية
جامعة الدول العربية، من جهتها، سارعت عقب قرار البرلمان التركي، واعتبرت هذه الخطوة «إذكاءً للصراع» الدائر في ليبيا. وقالت إن هذا التصعيد العسكري «سيفاقم الوضع المتأزم هناك»، كما «يهدد أمن واستقرار دول الجوار الليبي والمنطقة ككل بما فيها المتوسط». ولفتت إلى أن التسوية السياسية تظل هي الحل الوحيد لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، وهو ما نظر إليه عضو مجلس النواب الليبي علي الصول، بأن الأيام المقبلة ستشهد تغيراً على المستوى العسكري على الأرض، قبل أن يؤكد أن «الجيش الوطني سيحسم المعركة في طرابلس، خاصة، بعد تقدمه في كثير من المناطق والمحاور القتالية».
من ناحية أخرى، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اجتماعاً بـ«مجلس الأمن القومي» نهاية الأسبوع الماضي، «تناول التطورات الراهنة المتصلة بالأزمة الليبية، والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا». ونقل السفير بسام راضي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، أنه تم تحديد مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة، لم يكشف عنها، للتصدي «لأي تهديد للأمن القومي المصري».
أيضاً رأت وزارة الخارجية المصرية أن تمرير البرلمان التركي للمذكرة المقدمة من إردوغان بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، «جاء تأسيساً على مذكرة التفاهم الباطلة الموقعة بين السراج، والحكومة التركية». وحذرت من مغبة «أي تدخل عسكري تركي في ليبيا»، وقالت إن «مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمّل المسؤولية».
على إثر ذلك، اعتبر المتحدث باسم البرلمان الليبي عبد الله بليحق في تصريح لـ«الشرق الأوسط» القرار التركي «غزواً استعمارياً لليبيا، وانتهاكاً صارخاً لسيادتها»، وتابع «سنواجهه بكل قوة، وقواتنا المسلحة ستستهدف أي تواجد عسكري تركي على أراضينا».
وكان مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق (شرقي ليبيا) قد دعا جميع أعضائه لحضور جلسة بعد غد (الاثنين)؛ لمناقشة مذكرتي التفاهم اللتين أبرمهما السراج وإردوغان. لكنه عقب موافقة البرلماني التركي على إرسال قوات إلى ليبيا، عجّل من أدائه ودعاهم إلى جلسة طارئة بمدينة بنغازي لمناقشة تداعيات ما سماه «التدخل التركي السافر في ليبيا، بالموفقة على إرسال قوات غازية» إلى البلاد.
- تصعيد تركي
الجانب التركي لم يأبه بهذه التخوّفات، وذهب فؤاد أوقطاي، نائب الرئيس التركي، إلى أن اتفاق بلاده مع حكومة «الوفاق» الذي وصفه بأنه مشروع سلام يصب في مصلحة المنطقة، لكنه في الوقت ذاته قال من قبيل الطمأنة، إن مذكرة التفويض حول إرسال جنود إلى ليبيا «تسري لعام واحد، ويجري إرسال القوات في التوقيت وبالقدر اللازم».
ونوّه أوقطاي بأن محتوى المذكرة يتيح كل شيء لبلاده، بدءا من المساعدات الإنسانية وحتى الدعم العسكري. وفي لهجة لم تخل من تهديد، قال «نأمل أن يؤدي ذلك دوراً رادعاً، وأن تفهم الأطراف هذه الرسالة بشكل صحيح». وتابع أن «هدف أنقرة في ليبيا وقبرص، يتمثل في إحباط المكائد التي تستهدف بلادنا»، مستطرداً «أفشلنا مؤامرة حبسنا في مياهنا الإقليمية عبر الاتفاق مع ليبيا» و«أي خطة دون تركيا في المنطقة لا فرصة لها للنجاح مهما كان الطرف الذي يقف وراءها».
تبريرات أوقطاي كشفت عن رغبة بلاده في التمدد في مياه البحر المتوسط، وهو ما حذرت منه قوى محلية وعربية قبل ذلك. من أن أنقرة تريد السيطرة على ثروات الغاز هناك، والبحث عن استفادة مستقبلية حال ما انتهت الحرب، تتمثل في المشاركة بإعمار ليبيا. ولكن، في مواجهة التصعيد التركي، رأى صالح أفحيمة عضو مجلس النواب الليبي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الأمر محسوب لقوات (الجيش الوطني) التي قال إنها «اقتربت من قلب العاصمة». وشدد على «عجز القوات التركية للوصول المطارات والموانئ الليبية... هذا غير ممكن، وهذه خطوة غير محسوبة». وقلل أفحيمة من إمكانية وقوع حرب في المنطقة، واصفاً إردوغان بأنه «مجرد تاجر سلاح»، والأمر بالنسبة له «تحقيق مكاسب لبلاده وحزبه».
- «الاستسلام أو الانتحار»
فور موافقة البرلمان التركي على نشر قوات في ليبيا، صعّدت حكومة «الوفاق» من لهجتها باتجاه من أسمتهم بـ«الأعداء» واستهل فتحي باش أغا وزير داخليتها، المنتمي إلى مدينة مصراتة، حديثه بأن «المسؤول عن قرار الهجوم على طرابلس لم يعد لديه إلا واحد من خيارين الاستسلام أو الانتحار».
ورغم اللهجة التي تعكس نوعاً من الثقة، شرعت الوزارة في إنشاء بوابات أمنية داخل العاصمة، تاجوراء، والقربوللي بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار، وصد أي هجوم قادم. ودافع باش أغا عن حكومته «في بيان نشرته صفحة الوزارة على «فيسبوك»، فقال «إن لها كامل الحق في الدفاع عن شرعيتها، وحماية المدنيين من (عدوان غاشم) تقوده ثلة من الانقلابيين مدعومة من بعض الجهات الخارجية». واستطرد «نحن ندافع عن شرعية سياسية تنبثق من حق مقدس كفلته كافة الشرائع وهو حق الدفاع عن النفس». وانتهى إلى توقيع «مذكرات التفاهم مع الجمهورية التركية جاء بالطرق القانونية وبشكل معلن ودون مواربة عكس الذين يستجلبون المرتزقة من جميع الملل بتسهيلات من بعض الدول التي تعترف بحكومة (الوفاق) في العلن وتدعم العدوان في جنح الظلام».
هذا، ورحبت جميع المؤسسات التابعة لحكومة «الوفاق» بالخطوة التركية، وقال مجلس الدولة إن الحكومة اضطرت إلى «الاستعانة بشكل شرعي بالأصدقاء الأتراك للدفاع عن الشعب وحماية المدنيين» لـ«مواجهة العدوان الخارجي الداعم للانقلاب على السلطة الشرعية والراغب في السيطرة على الحكم».
غير أن مجلس النواب الليبي ورئيسه عقيلة صالح، سارعوا فور توقيع السراج - إردوغان على الاتفاق للتأكيد على عدم شرعيته، ووجه صالح خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تضمن تفنيداً لـ«مذكرة التفاهم»، بأنها تمثل خطورة على الدولة الليبية. كذلك وجه صالح خطاباً لأمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، وطالب بعرض الموضوع على مجلس الجامعة، كي يصدر قراراً بسحب اعتماده لحكومة الوفاق، واعتماد الجسم الشرعي الوحيد وهو مجلس النواب.
- تحركات داخليا وخارجيا
وفي رد فعل طبيعي، تحركت كل المؤسسات والهيئات التابعة للحكومة المؤقتة في (شرق ليبيا)، ودعت إلى اجتماعات عاجلة لتدارس الموقف، وتعهدت الحكومة في اجتماع لها أنها «ستسخّر كل إمكاناتها لدعم المجهود الحربي للقوات المسلحة، لصد (الغزو التركي)».
وأكد النائب إفحيمة لـ«الشرق الأوسط» أن كل إمكانيات الدولة سيُدفع بها خلف القوات المسلحة، «لردع أي تواجد تركي على أراضينا»، بينما ذهب النائب سعيد امغيب إلى القول إن برلمان أنقرة بموافقته على نشر قوات في أراضينا «منحنا الحق في الدفاع عن أنفسنا باستهداف كل تواجد تركي على الأراضي الليبية أو في مياهنا الإقليمية... هذا البرلمان يدعم السياسة الاستعمارية لإردوغان». ونوه أمغيب إلى أن الأمر الآن لم يعد يهمّ الشعب الليبي فقط، «بل أن العالم كله معني بهذه الموافقة التي ستهدد الأمن القومي لدول الجوار وكل الدول المطلة على البحر المتوسط».
التحذيرات الدولية جاءت تترى للتأكيد على خطورة «التدخل الأجنبي» في ليبيا، وهو ما ترجمه اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإردوغان، وقال الناطق باسم البيت الأبيض، هوغان جيدلي، إن ترمب أشار «إلى أن التدخل الأجنبي يعقد الوضع في ليبيا»، كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن «قلقه البالغ» بشأن قرار تركيا بالتدخل عسكريا في الحرب الأهلية المتصاعدة في ليبيا، ويأتي هذا التحذير إضافة إلى تحذيرات مشابهة أعربت عنها الولايات المتحدة وروسيا. وقال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي «لا يوجد حل عسكري للأزمة الليبية. الإجراءات التي تدعم هؤلاء الذين يقاتلون في الصراع ستزيد من زعزعة استقرار البلاد والمنطقة ككل».
وفي هذه الأثناء، زادت مصر من اتصالاتها بالأطراف الدولية، وأجرى وزير خارجيتها سامح شكري، عدداً من الاتصالات الهاتفية مع روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأميركي ونظرائه في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة واليونان وقبرص، لتباحث تداعيات القرار التركي. وقال المستشار أحمد حافظ الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، إن مجمل الاتصالات «شهدت توافقاً في الآراء حول خطورة هذا التطور على الأمن القومي العربي والأمن الإقليمي وأمن البحر المتوسط وعلى استقرار المنطقة بأسرها». بينما طالب الدكتور مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي، المجتمع الدولي بـ«التحرك الفوري والعاجل لإلزام الجمهورية التركية بقرارات مجلس الأمن الدولي وإيقاف تدخلها العسكري في دولة ليبيا»، مُعتبراً أن هذا التدخل «يُعد تهديداً مباشرا للأمن القومي العربي، ويُعرض أمن واستقرار المنطقة والأمن والسلم الدوليين للمخاطر».
- الإرث القديم
على صعيد آخر، العلاقة الجديدة، التي عمقتها حرب طرابلس بين حكومة «الوفاق» وأنقرة سمحت للأخيرة بالتفتيش في دفاترها القديمة، لتتذكّر أنها كانت يوماً تحتل ليبيا مدة قرابة 360 سنة تحت راية «الغزو العثماني». وهذا ما أشار إليه إردوغان نهاية ديسمبر (كانون الأول) بكلامه عن وجود مليون تركي يعيشون في ليبيا، وقوله إن «الزعيم كمال أتاتورك كان مقاتلاً بالجيش العثماني في ليبيا، وكان يكافح هناك في الجبهات، لذا يجب علينا اليوم أن نوجد هناك ونقاتل أيضاً، لدينا مليون تركي يعيشون في ليبيا».
مغردون كثيرون استقبلوا تصريحات إردوغان بحالة من السخرية، ودشنوا هاشتاغ، «أنا ليبي ولست من ضمن المليون» على موقع التغريدات القصيرة «تويتر»، معتبرين تصريحاته امتدادا للاحتلال العثماني لليبيا. وقرأ الأكاديمي الليبي أستاذ التاريخ عثمان البدري فترة الاحتلال العثماني لبلاده، وقال إن النظام العثماني لم یهتم بالشؤون الاقتصادية والثقافية في ولاية طرابلس الغرب، التي كان يحتلها، مركزاً فقط على جمع الضرائب (المیري) من المواطنين. وأفاد البدري في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن «العثمانیین ضربوا حاجزاً بینهم وبین الأهالي ما أدی إلی انعدام الاختلاط بين الثقافتين، وهو ما انعكس في أن المصطلحات العثمانية لم تنتشر رغم بقائهم فی هذه الولایة لمدة طویلة زادت عن ثلاثة قرون».
كذلك، ونتيجة لسياسة القمع التي اتبعها العثمانیون إبان وجودهم في ليبيا، سادت حالة من السخط والتذمر بين المواطنين، نتج عنها اندلاع ثورات عديدة، كما يوضح أستاذ التاريخ الليبي، منها ثوره یحيی بن یحيی السویدي في الجبل الغربي، وثوره عبد الجلیل سیف النصر في فزّان (جنوب ليبيا) وثوره غومة المحمودي في طرابلس وثوره قبیلة العواقیر في بنغازي وثورة قبیلة الجوازي التي هجّروها إلی مصر؛ وانتهى إلى أنه في عام 1912 تنازلت الدولة العثمانیة عن لیبیا لإیطالیا مقابل بعض الجزر بموجب اتفاقیة (أوشي لوزان).
ومع اقتراب إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا لمواجهة «الجيش الوطني» ومنعه من دخول طرابلس، تتباين مخاوف الليبيين مما هو قادم، بين من يرى ذلك «فتحاً مبيناً»، ومن ينظر إليه على أنه «عودة إلى الاستعباد، يجب التصدي له».