ماكرون يتطلع إلى رد جميل لندن خلال الحرب العالمية الثانية

منتقدون يقولون إن نابليون {سيتعذب في قبره} إذا مُنحت العاصمة البريطانية {وسام الشرف} الفرنسي

الجنرال ديغول في لندن عام 1940
الجنرال ديغول في لندن عام 1940
TT

ماكرون يتطلع إلى رد جميل لندن خلال الحرب العالمية الثانية

الجنرال ديغول في لندن عام 1940
الجنرال ديغول في لندن عام 1940

من المقرر أن يشهد التاريخ المضطرب للعلاقات الفرنسية البريطانية تطوراً غير مسبوق بعد ورود تقارير تفيد بأن الرئيس إيمانويل ماكرون يتطلع إلى منح لندن «وسام جوقة الشرف» «الليجيون دونور»، الذي يعد أرفع وسام فرنسي.
ويقال إن ماكرون يرى التكريم وسيلة لإحياء الدور الذي لعبته المدينة خلال الحرب العالمية الثانية عندما وفرت قاعدة لانطلاق الزعيم الفرنسي المنفي شارل ديغول.
وأفادت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية بأن ماكرون كان يخطط للإعلان عن الجائزة في 18 يونيو (حزيران)، وهي الذكرى الثمانين للخطاب الذي دعا فيه الجنرال ديغول الفرنسيين إلى مقاومة الغزو النازي لبلادهم. أذيع النداء في 18 يونيو، وهو التاريخ الذي اعتبر الخطوة التأسيسية للمقاومة، عبر هيئة الإذاعة البريطانية وأذيع مجدداً باللغة الإنجليزية في اليوم التالي في صحيفة «ذا تايمز» اللندنية.
لكن خطوة كهذه ستكون مثيرة للجدل، خاصة إذا حكمنا من خلال الموقع الإلكتروني لصحيفة «لو فيغارو»، حيث ظهر جلياً أن الفرنسيين ساخطين على الاقتراح الذي يرون أنه تكريم لأناس طالما اعتبروهم «أعداء بالوراثة».
وقال عدد كبير من القراء عبر موقع الصحيفة إن «الليجيون دونور»، وتعني «وسام جوقة الشرف، كان فكرة نابليون عام 1802 خلال الفترة التي عاشت فيها فرنسا وبريطانيا سلسلة من الصراعات. وكتب أحدهم يقول: إن «نابليون سيعاني في قبره، فهو من استحدث هذه الميدالية قبل أن يُنفى إلى جزيرة سانت هيلينا البريطانية».
ورغم ذلك، قال إريك بوكيه، رئيس لجنة الصداقة الفرنسية البريطانية في مجلس الشيوخ الفرنسي، إن الميدالية ستكون «وسيلة لنمد يدنا إلى المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي». وأضاف: «قد يكون ذلك وسيلة لإظهار أن المملكة المتحدة لا تزال جزءاً من أوروبا وأن العلاقات بين بريطانيا وفرنسا، وبين بريطانيا وأوروبا ستظل قوية. لا يزال القنال الإنجليزي بعرض 21 ميلاً ولن يتغير».
وقال مسؤول فرنسي إن الجائزة لم تكن مغمورة وسبق أن منحت للجزائر عام 2004 وللكونغو برازافيل عام 2006. وأن كلتا المدينتين قد كرمتا لكونهما قواعد للمقاومة خلال الحرب العالمية الثانية. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنه «لن يكون مستغرباً تكريم لندن بنفس المنطق».
وقد فر شارل ديغول، الذي كان آنذاك وزيراً صغيراً وعميداً في الجيش، إلى لندن في يونيو 1940. بينما كانت الحكومة الفرنسية تستعد لتوقيع اتفاقية هدنة مع النازيين بعد الغزو الألماني.
وكان ديغول بمفرده ولم يكن يرافقه سوى مساعده في المخيم، وأراد بعض أعضاء مجلس الوزراء البريطاني تجنبه وعدم التعامل معه، لكن ونستون تشرشل أثر أن يقدم له قاعدة لانطلاق المقاومة.
وصل هذا الكلام إلى مسامع عدد ضئيل من الفرنسيين، ولكن الرسالة تسربت وكانت بمثابة دعوة لحشد جميع أولئك الذين رفضوا قبول الاستسلام لهتلر. وأصبح التاريخ ينظر إلى النداء على أنه قد أنقذ شرف الأمة ومكانتها في عالم ما بعد الحرب.
بالإضافة إلى أنشطة حرب العصابات، نشرت المقاومة صحفاً تحت الأرض وقدمت معلومات استخبارية وأمنت شبكات للهروب ساعدت قوات الحلفاء المحاصرين خلف خطوط العدو.
لم تكن العلاقة بين تشرشل وديغول سهلة بحال، فقد اعترف تشرشل بمكانة ديغول، لكنه رآه فظاً ويفتقر إلى الجدارة والثقة.
وكانت علاقة ديغول أسوأ مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ولم يكن ينظر إلى البريطانيين نظرة احترام. وفي عام 1943. نقل مقر المقاومة إلى الجزائر العاصمة من دون أن يشكر تشرشل على استضافته في بلاده.
قال تشرشل وقتها، إن ديغول كان «وقحاً في تعامله مع البريطانيين ليثبت للفرنسيين أنه ليس عميلاً بريطانياً». وأضاف: «بالتأكيد نفذ هذه السياسة بحذافيرها».
ويحرص ماكرون اليوم، على تسليط الضوء على دور ديغول في تأسيس فرنسا الحديثة العام المقبل، الذي سيصادف الذكرى الـ130 لميلاده والذكرى الخمسين لوفاته.
من جانبه، رفض قصر الإليزيه التعليق على التقارير.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».