جدل حول «المال السياسي» في الحملة الانتخابية في تونس

من اتهامات بتجاوز سقف الإنفاق إلى ادعاءات بمحاولات شراء لأصوات الناخبين

رئيس الوزراء الأسبق زعيم حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي يتوسط أعضاء حزبه أثناء إلقاء كلمته أمام مناصريه في منطقة حمام الأنف بتونس أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الأسبق زعيم حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي يتوسط أعضاء حزبه أثناء إلقاء كلمته أمام مناصريه في منطقة حمام الأنف بتونس أمس (أ.ف.ب)
TT

جدل حول «المال السياسي» في الحملة الانتخابية في تونس

رئيس الوزراء الأسبق زعيم حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي يتوسط أعضاء حزبه أثناء إلقاء كلمته أمام مناصريه في منطقة حمام الأنف بتونس أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الأسبق زعيم حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي يتوسط أعضاء حزبه أثناء إلقاء كلمته أمام مناصريه في منطقة حمام الأنف بتونس أمس (أ.ف.ب)

أكد شفيق صرصار، رئيس الهيئة المستقلة العليا للانتخابات في تونس «تسجيل الهيئة للكثير من التجاوزات، بعضها ذو طابع مالي في الحملة الانتخابية استعدادا لانتخابات مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي) التي تجري الأحد المقبل في تونس». وجاء حديث صرصار خلال جلسة جمعته الأول من أمس (الاثنين) مع عدد من قادة الأحزاب السياسية في إطار جلسات الحوار الوطني الذي ترعاه 4 منظمات تونسية هي نقابة العمال ومنظمة الأعراف وعمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان.
وقال عدد من قيادات الأحزاب المشاركة في هذه الجلسة تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن «النقطة الرئيسة التي تمت إثارتها أمام رئيس هيئة الانتخابات هي المال السياسي وتجاوز بعض الأحزاب لسقف الإنفاق الذي يخوله القانون الانتخابي، وحتى محاولات إغراء الناخبين بقوة المال».
ووفق مصدر من الرباعي للحوار حضر هذه الجلسة تحدثت إليه «الشرق الأوسط» فإن شفيق صرصار أكد للحاضرين أن «عملية مراقبة إنفاق الأحزاب على حملاتها الانتخابية هي من مشمولات الهيئة الوطنية العليا لمراقبة الحسابات»، مبينا أن «هيئة الانتخابات تتدخل فيما بعد لتسليط عقوبات على القوائم المخالفة للقانون إما بتسليط خطايا مالية أو بإسقاط القائمة في صورة ثبوت تجاوزها بنسبة 75 في المائة لسقف الإنفاق الذي يسمح به القانون الانتخابي».
وقد أثيرت خلال هذه الجلسة كثير المسائل المتعلقة بالعملية الانتخابية، وخصوصا في مدى حياد المشرفين على مكاتب الاقتراع وتنظيم حضور المراقبين والملاحظين وممثلي الأحزاب في فضاءات التصويت وكذلك نجاعة المنظومة الإعلامية، وطمأن شفيق صرصار الأحزاب الحاضرة أن كل الاحتياطات قد اتخذت لتجري عمليات الاقتراع في أحسن الظروف معترفا بوجود نقص في عدد الملاحظين خاصة في الجهات الداخلية.
وبخصوص مختلف التجاوزات المسجلة خلال الحملة الانتخابية قال صرصار لممثلي الأحزاب الحاضرة في جلسة الحوار، إن هيئة الانتخابات قامت بتحرير 4500 محضر، وتوجيه 1000 تنبيه وإحالة عدد من الملفات لم يحددها إلى النيابة العمومية. ورجحت بعض المصادر المطلعة أن تكون الملفات التي تم توجيهها للنيابة العمومية تتصل بقضايا رشوة فضل رئيس الهيئة عدم تقديم تفاصيل بشأنها احتراما لواجب التحفظ.
وسيطرت قضية المال السياسي سواء على أجواء الحملة للانتخابات التشريعية أو على عمليات التزكية للمرشحين للانتخابات الرئاسية التي ستجري في 23 نوفمبر (تشرين الثاني).
فبخصوص الحملة للانتخابات التشريعية أكدت الكثير من الأحزاب في مناسبات متعددة أن «تفاوت الإمكانيات المالية بين الأحزاب، والإنفاق بشكل يفوق ما يسمح به القانون على الحملة سيؤثر بالتأكيد على نتائج الانتخابات». ويبقى أخطر ما في الأمر على الإطلاق حسب بعض هذه الأحزاب التأكيد أن «بعض القوى السياسية تحصل على تمويلات من الخارج» أو «قيام بعض الأحزاب أو الشخصيات بإغراء الناخبين ومحاولة شراء أصواتهم»«وهو ما لم يتم إثباته إلى حد الآن ولم تقدم بشأنه أي شكاوى إلى القضاء التونسي.
ووفق عدد من المراقبين التونسيين للحملات الانتخابية فإن الكثير من المؤشرات تؤكد فعلا تجاوز بعض القوائم لسقف الإنفاق المسموح به قانونيا وذلك بالنظر حسب قول بعضهم إلى «ضخامة الاجتماعات التي نظمتها والتجهيزات التي استخدمتها في نشاطها الدعائي خلال الحملة الانتخابية». ويسلط القانون الانتخابي المعمول به خطايا بشكل تدريجي على القوائم التي تتجاوز سقف الإنفاق المسموح به وتصل العقوبة إلى حد إسقاط القوائم الفائزة في صورة ثبوت تجاوز الإنفاق بنسبة 75 في المائة من السقف المحدد للإنفاق. وتعود مهمة الرقابة المالية على الأحزاب لهيئة مراقبة الحسابات وهي هيئة حكومية دائمة. وقد اعترف بعض المشرفين على هيئة المحاسبات في ندوة انتظمت الأحد بتونس بـ«صعوبة مراقبة إنفاق الأحزاب بشكل دقيق».
أحد المراقبين للساحة السياسية التونسية قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك مستويات مختلفة ومتفاوتة الخطورة للحديث عن حضور المال في الساحة السياسية التونسية» وهو ما يفسر حسب قوله «استخدام تعبيرين للحديث عن الظاهرة هما (المال السياسي) و(المال السياسي الفاسد)»، مضيفا قوله إن «أول المستويات يتعلق بتفاوت الإمكانيات المالية الذاتية بين الأحزاب وانعكاس ذلك على أنشطة هذه الأحزاب وضخامة اجتماعاتها وحملاتها الدعائية، أما المستوى الثاني فهو استخدام المال في تجاوز القانون في ما هو أخطر كمحاولات شراء أصولات الناخبين وهو ما لم يثبت قضائيا على أي حزب أو أي شخصية مرشحة لمنصب رسمي».
كما أشار إلى «الحديث المتواصل عن حصول بعض الأحزاب على تمويلات خارجية وهو أيضا ما لم يثبت حتى الآن بشكل قضائي على أي من الأحزاب رغم الاتهامات الكثيرة»، حسب قوله.
وتجدر الإشارة أن ترشح عدد من رجال الأعمال كرؤساء على قوائم في عدد من الأحزاب رأت فيه بعض الجهات محاولة من أصحاب النفوذ المالي لدخول الساحة السياسية وافتكاك مواقع فيها، مقابل استفادة هذه الأحزاب من أموال هؤلاء.
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية وفي علاقة بالمال السياسي فقد شهدت الساحة السياسية التونسية جدلا كبيرا حول وجود شبهات لقيام عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية بدفع أموال لقاء الحصول على تزكية من المواطنين علما بأن القانون الانتخابي التونسي يفرض على المرشحين لرئاسة الجمهورية جمع 10 آلاف تزكية من مواطنين عاديين أو تزكية 10 نواب من المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي). وقد ترشح للانتخابات الرئاسية 70 مرشحا لم يبق منهم سوى 27 مرشحا بعد أن قامت هيئة الانتخابات بإسقاط 41 ملفا لعدم استجابتهم للشروط القانونية وانسحاب مرشحين اثنين. ومن بين المرشحين رجال أعمال لم يعرف لهم سابقا نشاط سياسي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.