تركيا... رفاق إردوغان القدامى ينقلبون عليه

الأزمات مع أوروبا وأميركا و«الناتو» مرشحة للتصعيد في 2020... والتقارب مع روسيا رهن برؤية موسكو

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لأعضاء حزبه {العدالة والتنمية} في البرلمان في المؤتمر الوطني العام بأنقرة في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لأعضاء حزبه {العدالة والتنمية} في البرلمان في المؤتمر الوطني العام بأنقرة في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

تركيا... رفاق إردوغان القدامى ينقلبون عليه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لأعضاء حزبه {العدالة والتنمية} في البرلمان في المؤتمر الوطني العام بأنقرة في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلوح لأعضاء حزبه {العدالة والتنمية} في البرلمان في المؤتمر الوطني العام بأنقرة في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

يحل عام 2020 على تركيا حاملاً ملامح مرحلة سياسية جديدة عنوانها «التغيير» و«تعديل المسار»... أبطال هذه المرحلة هم مجموعة من رفاق الطريق الذين صاحبوا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في رحلة بناء وصعود حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، لكنهم اضطروا للافتراق عنه بعد أن بدا لهم أن كل شيء لم يعد كما كان، وأن التغيير وتعديل المسار أصبحا حتمية تفرضها حالة النكوص عن المبادئ الأساسية التي بني عليها الحزب، فضلاً عن قيم الجمهورية التركية كدولة قانون وديمقراطية.
كانت الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا في نهاية مارس (آذار) 2019 نقطة فاصلة في تفجير حالة الغضب التي بدأت تتفاعل في صفوف حزب «العدالة والتنمية» قبل الاستفتاء على تعديل الدستور في 16 أبريل (نيسان) 2017 والانقسام على تغيير النظام البرلماني الذي حُكمت به الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك، إلى النظام الرئاسي الذي تمسك به إردوغان وكان سبباً رئيسياً للخلافات الحادة بينه وبين رفاقه من مؤسسي الحزب، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية السابق عبد الله غل ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو ونائب رئيس الوزراء الأسبق علي بابا جان ومجموعة كبيرة من القيادات التي رفضت النظام الرئاسي ورأت أنه محاولة لتكريس حكم الفرد والقضاء على ما تبقى من ديمقراطية وحريات.
جاءت النتائج غير المسبوقة في تراجعها بالنسبة إلى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في الانتخابات المحلية وخسارته أكبر المعاقل التقليدية في إسطنبول ومعها أنقرة وإزمير وأضنة ومرسين لتؤكد أن رفاق إردوغان القدامى كانوا على حق. فبدأت أصواتهم تتعالى في انتقاده وتحميله المسؤولية عن الانسداد الذي وصلت إليه البلاد على جميع الأصعدة، سواء من إشاعة مناخ الاستقطاب وخنق الحريات والتناحر الاجتماعي إلى تردي الوضع الاقتصادي، إلى التخبط في السياسة الخارجية، أو بتعبير نائب رئيس الوزراء علي بابا جان، الذي يستعد لإطلاق حزب سياسي جديد منافس لحزبه الأصلي (العدالة والتنمية) بدعم من رئيس الجمهورية السابق عبد الله غل، «دخول البلاد في نفق مظلم بسبب تعاظم الأزمات في كل المجالات كل يوم».
يُجمع رفاق إردوغان القدامى على أن تركيا باتت في حاجة إلى روح جديدة وفكر جديد ورؤية جديدة تقودها إلى المستقبل بعد أن أثبت حزب «العدالة والتنمية» عجزه عن التعامل مع مشكلات البلاد وشعبها.
بين وقت وآخر كان رفاق إردوغان القدامى يرفعون أصواتهم بانتقاد بعض سياساته وقراراته في السياسة الداخلية والخارجية وبالنسبة للوضع الاقتصادي أو لحملات الاعتقالات التي لم تتوقف منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016، ولكن عقب الانتخابات المحلية، تحولت هذه الانتقادات إلى تحركات في إطار مسيرة جديدة يخوضها رفاق إردوغان لإنقاذ البلاد وإعادتها إلى مسارها تحت شعار التغيير.
تُرجمت هذه التحركات في انشقاق كل من نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأسبق ومهندس الطفرة الاقتصادية في تركيا في عهد «العدالة والتنمية» قبل بدء مرحلة التراجع الأخيرة، علي بابا جان، الذي استقال من الحزب الحاكم في 9 يوليو الماضي، معلناً أن البلاد باتت بحاجة إلى رؤية جديدة تلبي طموحات الأجيال الجديدة إلى التغيير وإلى مستقبل أفضل.
أعقب ذلك، في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي، استقالة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، مهندس السياسة الخارجية في مرحلة «صفر المشاكل مع دول الجوار»، ثم اتخذ الخطوة الأولى الأكبر في تحدي إردوغان، بإطلاقه حزباً سياسياً جديداً باسم «حزب المستقبل»، في 13 ديسمبر (كانون الأول)، ليحسم الجدل الذي تصاعد في الأشهر الأخيرة حول نيته إطلاق هذا الحزب بعد استقالته من «العدالة والتنمية».
وأعلن داود أوغلو أن «حزب المستقبل» سيعمل على تعزيز القوة الدبلوماسية لتركيا في كل المحافل الدولية، وسيتبع سياسة الانفتاح على جميع قارات العالم، وسيكافح سياسة الانغلاق على الداخل التي تتبعها معظم بلدان العالم في الوقت الراهن، مشيراً إلى ضرورة إقامة علاقات بناءة مع جميع القوى الفاعلة.
بلورة رؤية جديدة للتغيير تلبي مطالب قطاعات واسعة من الشعب التركي ترى أن البلاد باتت رهينة لحكم الفرد الواحد والحزب الواحد لما يقرب من عقدين من الزمان، هو الدافع الحقيقي لهذا التحرك، ولتحرك بابا جان الذي أعلن أن حزبه الجديد الذي سيكون الحزب الثاني الذي يولد من رحم «العدالة والتنمية»، سيرى النور في بدايات عام 2020.
ظهر بابا جان مؤخراً، للمرة الأولى منذ ما يقرب من 5 سنوات، ليؤكد أن جهود إطلاق حزبه بلغت أمتارها الأخيرة، من المنطلق ذاته الذي تحرك في إطاره داود أوغلو رغم اختلاف المنهج بينهما.
قال بابا جان إنه استقال من «العدالة والتنمية» بعد خلافات عميقة «عندما وجد انحرافاً من الحزب في القيم، وليس في المبادئ فقط، فضلاً عن التعسف في اتخاذ القرارات داخل الحزب»، تماماً كما قال داود أوغلو من قبله. وأضاف أن «الأزمات تعاظمت في كل المجالات، وشعرنا أن البلاد دخلت نفقاً مظلماً مع تزايد مشاكلها في كل قضية كل يوم... وبالتالي بدأنا جهودنا لإنشاء حزب جديد».
ويرى مراقبون أن كل هذه التطورات - سواءً الداخلية أو الخارجية - ترتبط في الأساس بسياسات إردوغان وخطابه التصعيدي الحاد، الذي يتجاوز في كثير من المناسبات القواعد الدبلوماسية المتعارف عليها في علاقات الدول. بل إن هذا الخطاب يكلّف تركيا خسائر كبيرة سواء لناحية عزلتها في محيطيها الإقليمي والدولي أو لناحية استمرار الهزّات التي تعصف باقتصادها.
لم تستطع حكومة إردوغان فك عقد السياسة الخارجية، بل زادتها تعقيداً، فالتقارب مع روسيا من أجل الضغط على أميركا لم يقد سوى إلى مزيد من الأزمات، التي تجلت بشكل واضح في تبني لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون لفرض عقوبات على تركيا بسبب اقتنائها منظومة «إس 400» الصاروخية الروسية التي تثير الخلافات بين أنقرة وواشنطن وحلفاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بسبب عدم التوافق بينها وبين الأنظمة الدفاعية للحلف، وكذلك بسبب العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا المسماة «نبع السلام» التي قبلت بها واشنطن في بدايتها ثم ضغطت بعد أسبوع واحد لإنهائها.
وتصاعد التوتر أكثر وأكثر مع موافقة مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع في 13 ديسمبر (كانون الأول) على مشروع قرار تعترف فيه الولايات المتحدة، للمرة الأولى، بالأحداث التي شهدتها منطقة شرق الأناضول في عام 1915 في زمن الحرب العالمية الأولى على أنها «إبادة جماعية» للأرمن على أيدي العثمانيين.
وإذا كانت تركيا تتقارب اقتصاديا، وكذلك في الملف السوري، مع روسيا، فإن الواضح أن روسيا تتحرك في سوريا بأجندتها الخاصة، وتضغط على تركيا بملف الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها «جبهة النصرة» في إدلب، فضلاً عما يبدو من أنه محاولة روسية غير معلنة لسحب تركيا بعيداً عن حلف «الناتو»، وهو ما أثمر في الأشهر الماضية على شكل دعوات من العديد من دول «الناتو» لإخراج تركيا من الحلف عقاباً لها على التقارب مع روسيا، وكذلك على التحرك المنفرد في سوريا.
ومن أزمة إلى أخرى، تتنقل السياسة التركية بما يشبه الإصرار على إبقاء التوتر مشتعلاً على جبهات مختلفة، فيما يشبه - في نظر بعض المراقبين - استعراضا للعضلات من جانب تركيا التي اهتز اقتصادها بعنف بسبب التوتر مع واشنطن في 2018، لكنها تصر على استمرار التوتر، ملوحة بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في قاعدتي إنجرليك وكورجيك.
كما تلتزم تركيا نهج التصعيد في منطقة شرق البحر المتوسط، بعد أن أطلقت في مايو (أيار) الماضي عمليات بحث وتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص أدت إلى توتر مع دول المنطقة والاتحاد الأوروبي، الذي أقر عقوبات «تحذيرية» على تركيا بسبب ما اعتبره انتهاكاً للقانون الدولي بالتنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص الدولة العضو فيه.
وفي خطوة أخرى تصعيدية، أغضبت الاتحاد الأوروبي وأثارت توتراً إقليمياً ودولياً، وقّعت تركيا قبل أسابيع مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج إحداهما في مجال التعاون العسكري والأمني والثانية في مجال تحديد مناطق السيادة البحرية. وصبّت المذكرتان مزيداً من الزيت على النار المشتعلة في شرق المتوسط، وتسببت في مزيد من العقبات في طريق مساعي تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي والتي لم تشهد تقدماً منذ سنين ولا يتوقع أن تشهد أي جديد خلال عام 2020.


مقالات ذات صلة

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».