الحكم بالإعدام شنقاً لـ29 من أفراد جهاز المخابرات السوداني

عذّبوا «مُدرّساً» حتى الموت لمشاركته في الاحتجاجات الشعبية

حشود من المواطنين أمام المحكمة التي أدانت عناصر جهاز الأمن بقتل مدرّس خلال الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السابق في أم درمان أمس (رويترز)
حشود من المواطنين أمام المحكمة التي أدانت عناصر جهاز الأمن بقتل مدرّس خلال الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السابق في أم درمان أمس (رويترز)
TT

الحكم بالإعدام شنقاً لـ29 من أفراد جهاز المخابرات السوداني

حشود من المواطنين أمام المحكمة التي أدانت عناصر جهاز الأمن بقتل مدرّس خلال الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السابق في أم درمان أمس (رويترز)
حشود من المواطنين أمام المحكمة التي أدانت عناصر جهاز الأمن بقتل مدرّس خلال الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السابق في أم درمان أمس (رويترز)

حكمت محكمة سودانية بالإعدام شنقاً على 29 من ضباط وأفراد جهاز الأمن والمخابرات، وأمرت بسجن آخرين بعدما أدانتهم بقتل مدّرس تحت التعذيب أثناء احتجازه في معتقل أمني بشرق البلاد. وبرّأت المحكمة سبعة من جملة المتهمين البالغ عددهم 41 بين ضابط وصف ضابط.
وألقى رجال تابعون لجهاز المخابرات السوداني القبض على المعلّم أحمد الخير في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي بمدينة خشم القربة التابعة لولاية كسلا بشرق البلاد، على خلفية اشتراكه في المظاهرات الشعبية التي اندلعت في البلاد منذ ديسمبر (كانون الأول) 2018، وتحولت لثورة شعبية أطاحت بنظام الإسلاميين برئاسة عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي.
وتعرض الخير لتعذيب وضرب مبرح أدى إلى وفاته أثناء نقله من خشم القربة إلى مستشفى كسلا، حاضرة الولاية. وقال الطبيب الشرعي إن الرجل وصل إلى المستشفى وهو ميت، وحينها زعم «قتلته» من رجال الأمن أن الوفاة ناتجة عن التسمم. بيد أن التحريات والتقارير الطبية الشرعية أثبتت للمحكمة أن الرجل توفي نتيجة لتعرضه للضرب والتعذيب المبرح.
وأنهت محكمة القاضي الصادق عبد الرحمن بأم درمان، أمس، قضية «اغتيال المعلّم» داخل معتقلات جهاز المخابرات، وأصدرت حكمها بالإعدام على 29 من أفراد المخابرات بينهم ثلاثة ضباط، وقضت على اثنين آخرين بالسجن ثلاث سنوات، والسجن 3 أشهر على ثلاثة يطلق سراحهم بانقضاء المدة، وبرأت 7 من المتهمين البالغ عددهم 41 متهماً جميعهم يتبعون لجهاز الأمن والمخابرات.
وشهدت جلسة النطق بالحكم إجراءات أمنية غير مسبوقة، في محيط منطقة المحكمة وداخل القاعة، فيما احتشد آلاف الأشخاص القادمين من مدن السودان المختلفة في الشوارع المحيطة بالمحكمة، مطالبين بالقصاص من الجناة وتنفيذ الأحكام عليهم في الشوارع.
وأدان القاضي عبد الرحمن المتهمين الـ(29) تحت المواد (21 - 130) من القانون الجنائي السوداني بتهمة «الاشتراك الجنائي والقتل العمد»، وقال أثبتت تقارير الطب الشرعي والتشريح لجثمان القتيل وشهادة الشهود بما لا يدع مجالاً للشك أن الوفاة نتجت عن التعذيب والعنف الجنائي الذي تعرض له القتيل.
وأوضح القاضي أن هيئة الاتهام التي ترأسها النائب العام تاج السر الحبر عن الحق العام، والنائب العام الأسبق المحامي عمر عبد العاطي عن الحق الخاص، فنّدت دفوع المتهمين، وإنكارهم ارتكاب الجريمة، وأفشلت خططهم بتنفيذهم لقانون الأمن الوطني، وقانون حالة الطوارئ المفروضة في الولاية.
وخير القاضي أولياء الدم بين القصاص والعفو، بعد إدانته للمتهمين، وقبل صدور حكمه النهائي، فاختار شقيق القتيل، سعد، باسم العائلة: «القصاص»، منهياً بذلك أحداث الجريمة التي هزت المجتمع السوداني.
ووصف النائب العام تاج السر الحبر المحاكمة بأنها «عادلة»، وقال: «أنا سعيد جداً بالحكم الذي صدر، لأنه أتاح لكل الأطراف لتقديم بياناتهم ودفوعهم، وكانت محاكمة عادلة بحق». وتابع: «هذه الجريمة هزت الوجدان للبشاعة التي مورست بها، والتي لم يشهدها المجتمع السوداني من قبل، شخص يعذب ويقتل داخل المعتقل».
ودعا الحبر للمصادقة على العهد الدولي الخاص بمنع التعذيب والمعاملة التي تحط من كرامة الإنسان. وأضاف «للمتهمين حق الاستئناف، لكني أعتقد أن الحكم قد بني على أسس وحجج قانونية واضحة، فندت كل ادعاءات الدفاع، وأثبت قرار الإدانة تحت المادة 21 - 130 في حق 29 من المحكوم عليهم، والمادة 165 في حق 5 من المحكومين، وأتمنى أن يسعد الشعب السوداني بهذا النصر».
بدوره، قال رئيس هيئة الاتهام عن الحق الخاص عمر عبد العاطي، إن كل طرف قدم كل ما لديه من أدلة، وإن المحكمة أتاحت للمتهمين كل الحقوق اللازمة، استوجبوا وقدموا شهود دفاع ومرافعات، ولم تنتقص من أي من حقوقهم، ولم تكن محكمة خاصة كما كان يحدث في الماضي. وتابع: «في الآخر وصلت الحقيقة والمعلومات والوثائق، خاصة شهادة التشريح والضرب العنيف غير المبرر وغير الأخلاقي الذي مورس على رجل مسكين ومعتقل، تواجه بقوة هائلة من منطقة خشم القربة».
ووصف عبد العاطي قرار المحكمة بأنه «نتيجة واقعية» انتهت ببراءة عدد من المتهمين منذ الجلسات الأولى، وبراءة سبعة منهم لحظة اتخاذ القرار، فيما تمت إدانة العدد الأكبر بالإعدام (29). وتابع: «بعد قراءة القرار، سنقرر ما إن كنا سنستأنف الحكم أم لا لتشديد العقوبة وإدانة من تمت تبرئتهم».
ووصف المحامي عادل عبد الغني القضية بأنها «علامة فارقة» في تاريخ القضاء السوداني ونقطة تحول في تاريخه، لأن المؤسسات في النظام السابق أمنية أو عدلية، كانت تتستر على جرائم منسوبي الأجهزة الأمنية، بحسب ما قال. وأضاف «هذه أول قضية في تاريخ السودان يحاكم فيها منسوبو الأجهزة الأمنية في قضية قتل بسبب التعذيب، وأول مرة يصدر فيها حكم على عدد كبير من مرتكبي مثل هذه الجريمة». واستطرد: «كان جهاز الأمن والمخابرات قلعة حصينة، لا يستطيع العدل أن يطرق بابها، ناهيك عن أن يقتحم قلاعها، وقد انتزعت هيئة الدفاع انتزاعاً من براثن جهاز الأمن الذي كان قد شكل لها محكمة تدار جلساتها في الأروقة المظلمة لجهاز الأمن، ودون أن يستدعى لها أولياء الدم أو الشهود».
ووصف عبد الغني الحكم بأنه «كبسولة عالية التركيز من مكونات القانون الجنائي، وقانون الإثبات، وقانون الإجراءات الجنائية، وبعض المكونات هنا وهناك من قوانين أخرى».
وقال سعد، شقيق القتيل، للصحافيين، إن الحكم ليس انتصاراً لأسرته وحدها، بل هو «انتصار للعدالة ولكل السودانيين والثورة السودانية»، وللمعلمين أيضاً. وتابع: «لولا المدنية وسقوط المخلوع، لما كانت هذه المحاكمة». وأضاف أن القصاص حياة ولا يمكن تحقيقه في المحاكم العسكرية، لكن «جاء للجهاز القضائي وتم لنا المراد والحمد لله رب العالمين». أما والد الضحية فقال إن المحامين قاموا بالواجب تجاه ابنه، معتبراً الحكم مصيباً وأنهم سعداء بالحكم، وأن العدالة أدت دورها. وقال إن «القاضي أصاب» في حكمه.
وعقب صدور الحكم، شوهدت شقيقات المجني عليه وهن يذرفن الدموع، فيما انهالت الدموع مدرارة من بعض الحاضرين، فرحاً بما سموها «عودة العدالة»، فيما استقبلت جموع في الشوارع المحيطة بمقر المحكمة فريق المحامين بالهتاف والتهليل، مطالبين بالقصاص من بقية «قتلة شهداء الثورة».



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.