تمدد إيران جنوب سوريا يشعل «حرب اغتيالات» تصل إلى أطراف دمشق

TT

تمدد إيران جنوب سوريا يشعل «حرب اغتيالات» تصل إلى أطراف دمشق

تفاقمت حالة عدم الاستقرار في جنوب سوريا، مع تزايد عمليات الاغتيال التي تستهدف ضباطاً وعناصر في الجيش النظامي ومسلحي «التسويات»، وسط توقعات بأن يكون السبب في ذلك التمدد الإيراني، وفشل روسيا في إجبار دمشق على تنفيذ بنود «اتفاقات التسوية».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة الماضي، بمقتل أحد المتعاونين مع فرع «الأمن العسكري» التابع للاستخبارات العسكرية الحكومية في مدينة نوى بريف درعا الغربي، ذلك من خلال إطلاق النار عليه من قبل مسلحين مجهولين، ما أدى لمقتله على الفور.
وذكر «المرصد» لاحقاً، أن اشتباكات عنيفة دارت بين مجموعات مسلحة مجهولة وعناصر من القوات الحكومية في حاجز السوق العسكري بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، وترافقت مع إطلاق قذائف «آر بي جي»، دون ورود معلومات عن خسائر بشرية.
ومع نهاية الأسبوع الماضي، تحدث «المرصد» عن مقتل عنصر من «الشرطة العسكرية» التابعة للجيش النظامي، ذلك بعد إطلاق النار عليه من مجهولين في بلدة خان أربنة بريف القنيطرة، بعد يوم من هجوم مسلح نفذه مجهولون على حاجز قيطة والمربع الأمني بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، دون معلومات عن خسائر بشرية حتى اللحظة.
كما تبنى تنظيم داعش مقتل عنصرين من الشرطة العسكرية الروسية قرب مدينة نوى بريف درعا الشمالي، بينما قال تجمع «أحرار حوران» إن جنديين روسيين قُتِلا بطلق ناري من قبل مجهولين مساء الأحد أثناء وجودهما في مدينة نوى. وفي الأسبوع الماضي أيضاً، تحدث نشطاء على موقع «فيسبوك» عن مقتل العقيد في الجيش النظامي مجدي أبو زين الدين باستهداف سيارته على قوس بلدة بصر الحرير بريف درعا الشرقي أثناء توجهه إلى عمله في مدينة إزرع، بعد يوم من مقتل خمسة عناصر من الميليشيات التابعة للجيش النظامي، في هجوم مسلح على أحد الحواجز التابعة لها، في سد سحم الجولان بريف درعا الغربي، بينما أطلق مجهولون النار على عنصر في الأمن السياسي، في مدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، ما أدى لإصابته بجراح، على ما ذكر «المرصد».
«المرصد» ذكر أيضاً أن مسلحين مجهولين أقدموا على إطلاق النار على عنصر في الجيش النظامي في بلدة صما بريف محافظة السويداء الغربي، ما أسفر عن مقتله على الفور.
كما قتل يوم السبت ما قبل الماضي عنصرين في «الفرقة الرابعة» التابعة للجيش النظامي على الطريق الواصل بين بلدتي سملين وزمرين بمنطقة الجيدور بريف درعا الغربي، في وقت قتل فيه أحد المتطوعين في ميليشيا «حزب الله» في بصر الحرير، بعد نحو أسبوعين من مقتل أحد المتعاونين مع الميليشيا في بلدة طفس بريف درعا الغربي.
ومنذ سيطرة الحكومة على محافظتي القنيطرة ودرعا، صيف العام الماضي، بموجب اتفاقات تسوية مع عدد من فصائل المعارضة بضمانة روسية، تشهد كثير من مدن وبلدات وقرى درعا حالة انفلات أمني تتفاقم يوماً بعد يوم، من جراء عمليات الاغتيالات التي تطال ضباطاً وعناصر من الجيش النظامي وميليشياته ومسلحي التسويات وشخصيات مقربة من الحكومة، وأخرى تروج لإيران و«حزب الله» في المنطقة.
وذكر «المرصد»، أن أعداد الهجمات ومحاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة، عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار، ارتفعت خلال الفترة الممتدة من يونيو (حزيران) الماضي، وحتى يوم الجمعة الماضي، إلى أكثر من 228، فيما وصل عدد الذين قُتِلوا إثر تلك المحاولات خلال الفترة ذاتها إلى نحو 160، وهم: 24 مدنيا بينهم 3 مواطنات وطفلان، إضافة إلى 84 من القوات الحكومية والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و29 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا «تسويات ومصالحات»، وباتوا في صفوف أجهزة الحكومة الأمنية، من بينهم قادة سابقون، و16 من الميليشيات السورية التابعة لـ«حزب الله» اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 6 مما يُعرف بـ«الفيلق الخامس» الذي أنشأته روسيا.
وأشارت مصادر محلية من محافظة درعا، ذكرت لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن السبب في حال عدم الاستقرار التي تشهدها المحافظة، ربما يعود إلى عدم التزام إيران و«حزب الله» بما يـعرف «اتفاق الجنوب»، وتقول: «بموجب الاتفاق يفترض أن ينسحبوا من المنطقة، ولكن على الأرض يُلاحَظ العكس، إذ لم يكفّ الجانبان عن محاولات البقاء في المنطقة والتمدد أكثر عبر تشكيل مجموعات مسلحة تابعة لهم وتروج لأفكارهم من الشباب السوري، وذلك بعد أغرائهم بالمال مستغلين حالة الفقر السائدة».
المصادر استدلّت على ما ذهبت إليه بأن كثيراً من المناطق في ريف المحافظة الغربي شهدت، ولا تزال، خروج مظاهرات ضد وجود الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» ومحاولات تمددها في المنطقة.
وتعتبر المصادر أن ما يجري يشير إلى «فشل روسي» في إجبار إيران و«حزب الله» على تنفيذ «اتفاق الجنوب» الروسي - الأميركي - الأردني الذي تم في يونيو (حزيران) 2018 وينص على انسحاب إيران وميليشياتها من جنوب سوريا إلى مسافة 80 كلم.
وترجح المصادر أن تكون خلايا نائمة تتبع لفصائل المعارضة، هي مَن يقف وراء عمليات الاستهداف التي تطال ضباطاً وعناصر في الجيش النظامي والميليشيات التابعة له والمتعاونة معه ومسلحي «التسويات»، إضافة إلى وجود خلايا نائمة تتبع لتنظيم «داعش»، بينما ربط البعض بين تلك العمليات وصراع النفوذ الحاصل بين روسيا وإيران.
وتوضح المصادر أن من أسباب حالة عدم الاستقرار السائدة أيضا يعود إلى عدم التزام دمشق بتنفيذ بنود اتفاقات «التسوية»، وعدم الإفراج عن المعتقلين، بل تزايد حالات الاعتقال، واستمرار محاولات تشديد القبضة الأمنية على المحافظة.
ولم تقتصر حالة عدم الاستقرار على جنوب سوريا، فقد طالت ريف العاصمة الغربي، إذ ذكر «المرصد» أن مسلحين مجهولين أقدموا على إطلاق النار على أحد عناصر «الفرقة الرابعة» في مدينة معضمية الشام، الجمعة الماضي، أثناء سلوكه أحد الطرق الفرعية في المدينة ليلاً، ما أدى لمقتله على الفور، بعد أن قتل في جنوب العاصمة دمشق، الأسبوع الماضي، القيادي في ميليشيا «الدفاع الوطني» أحمد إسماعيل بانفجار سيارته في حي نهر عيشة بعد تفخيخها.
محاولات إيران و«حزب الله» توسيع تمددهما في سوريا، وتعنُّت النظام بالإفراج عن المعتقلين بموجب اتفاقات التسوية، أشعلت أيضاً بلدة كناكر بريف دمشق الغربي، حيث خرج الأهالي قبل أكثر من أسبوع بمظاهرة حاشدة في البلدة طالبوا خلالها بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، وذلك بعد أيام من استهداف حاجز للجيش، وتنفيذ أكثر من «حملة بخّ على الجدران»، طالبت بالمعتقلين وخروج القوات الإيرانية من سوريا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.