«إغلاق المراكز» يسيطر على حركات أسواق العالم

هدوء في التعاملات بأسبوع نهاية العام

أسواق المال حول العالم شهدت تعاملات هادئة في أغلب البورصات ترقباً لمزيد من الوضوح بشأن تفاصيل اتفاق التجارة (أ.ب)
أسواق المال حول العالم شهدت تعاملات هادئة في أغلب البورصات ترقباً لمزيد من الوضوح بشأن تفاصيل اتفاق التجارة (أ.ب)
TT

«إغلاق المراكز» يسيطر على حركات أسواق العالم

أسواق المال حول العالم شهدت تعاملات هادئة في أغلب البورصات ترقباً لمزيد من الوضوح بشأن تفاصيل اتفاق التجارة (أ.ب)
أسواق المال حول العالم شهدت تعاملات هادئة في أغلب البورصات ترقباً لمزيد من الوضوح بشأن تفاصيل اتفاق التجارة (أ.ب)

بعد موجة صعود قياسية على مدار نحو أسبوع، فتحت الأسواق تعاملات الأسبوع الذي تقطعه عطلة بداية العام على تراجع هامشي نتيجة لما يعرف فنيا باسم «إغلاق المراكز» وجني الأرباح، وذلك خلال تعاملات هادئة في أغلب البورصات، ترقبا لمزيد من الوضوح بشأن تفاصيل اتفاق التجارة الأولي بين الولايات المتحدة والصين.
وفتحت الأسهم الأميركية مستقرة الاثنين، لتظل قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق، مع اتجاه المؤشر ستاندرد آند بورز 500 صوب أفضل أداء سنوي له منذ 2013، وارتفع المؤشر داو جونز الصناعي 9.50 نقطة بما يعادل 0.03 في المائة ليصل إلى 28654.76 نقطة، وزاد ستاندرد آند بورز 0.07 نقطة مسجلا 3240.09 نقطة، بينما هبط المؤشر ناسداك المجمع 2.17 نقطة أو 0.02 في المائة إلى 9004.45 نقطة.
وفي أوروبا، تراجعت الأسهم الاثنين بعد موجة ارتفاع قياسي غذاها تراجع المخاوف بشأن ركود عالمي والتفاؤل حيال هدنة تجارية بين الولايات المتحدة والصين، مع تطلع المستثمرين حاليا لتفاصيل ملموسة بشأن اتفاق المرحلة واحد.
وانخفض المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.3 في المائة بحلول الساعة 08:18 بتوقيت غرينيتش، بعد أن بلغ مستوى قياسيا مرتفعا عند الإغلاق يوم الجمعة.
وقاد قطاعا الرعاية الصحية والمرافق، اللذان يُعتبران أسهما دفاعية، الانخفاض بين القطاعات الفرعية الرئيسية. وتقتفي أسواق الأسهم الأوروبية أثر نظيراتها العالمية التي ارتفعت في ديسمبر (كانون الأول) مع ترحيب المستثمرين باتفاق تجاري أولي بين الولايات المتحدة والصين.
لكن مع بقاء يومين فقط حتى نهاية العقد الجاري، من المتوقع صدور إعلانات محدودة بشأن التفاصيل النهائية لاتفاق المرحلة واحد، مما يمنح الأسهم دافعا محدودا للتحرك بعيدا عن المستويات الحالية.
وفي آسيا، أغلقت الأسهم اليابانية على انخفاض طفيف في آخر جلسة تداول هذا العام في الوقت الذي باع فيه المستثمرون الأسهم لجني الأرباح قبيل عطلة العام الجديد، على الرغم من أن المؤشر نيكي القياسي تماسك قرب أعلى مستوى في ثلاثة عقود من حيث القيمة بالدولار.
وتراجع المؤشر نيكي 0.76 في المائة إلى 23656.62 نقطة يوم الاثنين، ليبتعد عن ذروة 14 شهرا البالغة 24091 نقطة والتي بلغها قبل أسبوعين تقريبا. وخسر المؤشر توبكس الأوسع نطاقا 0.68 في المائة إلى 1721.36 نقطة.
وسجل المؤشر نيكي بالقيمة الدولارية، وهو مؤشر أكثر أهمية للمستثمرين الأجانب، 216.80. قرب ذروة عند نحو 220 والتي بلغها هذا الشهر وغير بعيد عن أعلى مستوى في 28 عاما والذي بلغه في 2018.
وفي ضوء أن الأسواق المالية في اليابان ستُغلق من يوم الثلاثاء وحتى الجمعة لتستأنف العمل يوم الاثنين السادس من يناير (كانون الثاني)، فإن الكثير من المتعاملين في السوق كانوا حريصين على إغلاق مراكزهم في الوقت الحالي.
وفي العام، ربح المؤشر نيكي 18.2 في المائة بعد أن انخفض 12 في المائة في 2018، بينما صعد المؤشر توبكس 15.2 في المائة بعد أن تراجع نحو 18 في المائة في 2018.
وشهد نطاق عريض من الأسهم انخفاضا، مع تراجع جميع المؤشرات الفرعية للقطاعات البالغ عددها 33 في بورصة طوكيو باستثناء مؤشر واحد. وعانت الكثير من أسهم التكنولوجيا جراء عملية جني الأرباح مع تراجع سهم فانوك 1.8 في المائة وانخفاض سهم شين - إيتسو كيميكال 1.3 في المائة وخسارة سهم هوندا موتور 1.2 في المائة.
وعلى صعيد العملات، بلغ اليورو أعلى مستوى في أربعة أشهر ونصف الشهر الاثنين، في الوقت الذي تضرر فيه الطلب على الدولار جراء التفاؤل بشأن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وآفاق النمو العالمي.
وفاقمت التداولات الهزيلة بنهاية السنة الضعف العام في العملة الأميركية، التي سجلت انخفاضا على مدى ثلاث جلسات متتالية وتكبدت يوم الجمعة أكبر تراجع في يوم واحد منذ يونيو (حزيران).
وتعززت معنويات المستثمرين، مما شجعهم على عدم شراء الدولار كملاذ آمن، خلال جلسة التداولات في آسيا، حين كشف البنك المركزي في الصين عن إجراء للمساهمة في خفض تكاليف الإقراض وتعزيز النمو الاقتصادي المتعثر، كما رحب المستثمرون بتقرير توقع ارتفاع مبيعات التجزئة الصينية في 2019 بنسبة ثمانية في المائة.
وارتفع اليورو إلى 1.1211 دولار، وهو أقوى مستوياته منذ 13 أغسطس (آب) في التعاملات المبكرة الآسيوية. وتراجع مؤشر الدولار، الذي يتتبع أداء العملة الأميركية مقابل سلة من العملات المنافسة، 0.1 في المائة إلى 96.821.
وفي ضوء الخسارة المسجلة يوم الجمعة، تكون مكاسب المؤشر هذا العام قد انكمشت إلى نحو 0.6 في المائة. كما تراجعت العملة الأميركية مقابل الين الياباني لتخسر 0.3 في المائة إلى 109.17 وارتفع الجنيه الإسترليني 0.2 في المائة إلى 1.3106 دولار. ومقابل اليورو، انخفض 0.1 في المائة إلى 85.51 بنس. وتضرر الإسترليني منذ منتصف سبتمبر (أيلول) بسبب مخاوف من أن بريطانيا تتجه إلى خروج غير منظم من الاتحاد الأوروبي بنهاية 2020.
وارتفع اليوان الصيني، ليتماسك دون المستوى المهم البالغ سبعة يوانات للدولار. وفي تعاملات الأسواق الخارجية، ارتفعت العملة الصينية إلى 6.9752 وهو أعلى مستوياتها منذ 13 ديسمبر.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».