الفلسطينيون يحذرون من {تصعيد خاص} في القدس

فلسطيني يتسلق الجدار الفاصل قرب رام الله  ليصلي في المسجد الأقصى بالقدس في رمضان الماضي (رويترز)
فلسطيني يتسلق الجدار الفاصل قرب رام الله ليصلي في المسجد الأقصى بالقدس في رمضان الماضي (رويترز)
TT

الفلسطينيون يحذرون من {تصعيد خاص} في القدس

فلسطيني يتسلق الجدار الفاصل قرب رام الله  ليصلي في المسجد الأقصى بالقدس في رمضان الماضي (رويترز)
فلسطيني يتسلق الجدار الفاصل قرب رام الله ليصلي في المسجد الأقصى بالقدس في رمضان الماضي (رويترز)

حذرت جهات فلسطينية في القدس الشرقية المحتلة، أمس (الأحد)، من «تصعيد الحرب الإسرائيلية ضد الشبيبة والنشطاء»، وقالت إن «هنالك هجمة منظمة على أهلنا في المدينة، تستهدف توجيه ضربة في الصميم لكل من يناضل لحفظ القدس الشرقية كمدينة فلسطينية عربية، وصد هجمات التهويد الاستيطانية عليها».
وجاءت هذه التحذيرات بعد سلسلة إجراءات احتلالية تهدف إلى شل الحراك الوطني في المدينة المقدسة، وفقاً لأحد قادة حركة «فتح» في محافظة القدس. ومن أخطر هذه الإجراءات موقف إسرائيل الصامت من الانتخابات الفلسطينية المقبلة، فقد طلبت السلطة الفلسطينية منها ألا تعرقل هذه الانتخابات في القدس، لكن إسرائيل بحثت الطلب، وقررت أن تتجاهله، فلا ترد إيجاباً ولا سلباً، ما عده الفلسطينيون «موقفاً خبيثاً معادياً».
ومن الإجراءات التي يشير إليها الفلسطينيون أيضاً زيادة الزوار اليهود للمسجد الأقصى المبارك، وإقامة صلوات بداخله، وفي الوقت نفسه تسليم المزيد والمزيد من أوامر الإبعاد عن الأقصى للفلسطينيين، والاعتقالات الواسعة التي نفذت في المدينة وطالت ألوف المقدسيين، وفي المقدمة قادة حركة فتح في المدينة.
وعلى سبيل المثال، شنت قوات الاحتلال، فجر أمس (الأحد)، حملة اعتقالات واسعة في بلدة العيسوية في مدينة القدس. وأوضح الناشط عضو لجنة المتابعة في العيسوية محمد أبو الحمص أن مخابرات وقوات الاحتلال، وبأعداد كبيرة، اقتحموا العيسوية وانتشروا في حاراتها وشوارعها، وألقوا القنابل الغازية، كما لو أنهم في حرب. وقد اعتقلوا خلال الحملة، أمس وحده، 14 شخصاً من سكان البلدة، بينهم 3 أشقاء.
وأشار أبو الحمص إلى استهداف سلطات الاحتلال بمؤسساتها المختلفة بلدة العيسوية منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، الذي تضاعف بعد استشهاد الشاب محمد عبيد داخل البلدة، فباتت حملات الاعتقالات شبه يومية، وطالت خلال 6 شهور حتى اليوم أكثر من600 معتقل، هذا فضلاً عن الاقتحامات والمداهمات للمنازل السكنية والمحلات التجارية، ونصب الحواجز في شوارع البلدة، وملاحقة الأهالي بتوقيفهم وتحرير هوياتهم، وهدم المنشآت وتوزيع اختبارات هدم واستدعاءات لمراجعة البلدية، بحجة البناء دون ترخيص.
وكشف بعض هؤلاء المعتقلين أن مخابرات الاحتلال هددتهم بسحب بطاقة الهوية منهم، بذريعة «المشاركة في المواجهات وإلقاء الحجارة». وأوضح المحامي محمد محمود أن قوات الاحتلال هددت بتحويل ملفات لأهالي بلدة العيساوية لوزارة الداخلية الإسرائيلية لسحب هوياتهم، في حال استمرارهم في إلقاء الحجارة والمشاركة في المواجهات.
وأضاف محمود أن السلطات الإسرائيلية قررت الإفراج عن الشبان الذين اعتقلوا، بعد تحذيرهم من مشاركتهم أو أولادهم «بإلقاء الحجارة والمواجهات في البلدة»، وهددت بتحويل ملفهم لوزارة الداخلية «لسحب هوياتهم».
ودعا محافظ القدس، عدنان غيث، إلى عمل جماعي لحماية القدس، وتعزيز صمود أهلها. وثمّن غيث لدى استقباله، أمس (الأحد)، وفداً من مديري الوزارات والمؤسسات الفلسطينية في القدس، موقف الرئيس محمود عباس والقيادة من مدينة القدس، والدعم المطلق الذي يقدمه للحفاظ على هويتها الفلسطينية العربية الإسلامية المسيحية، وتعزيز صمود أهلها المرابطين الذين يتحدون الصعاب، حفاظاً على وجودهم وهويتهم. وقال إن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الشعب الفلسطيني بأطيافه كافة، والمقدسيين على وجه الخصوص، ويحاول الاستفادة قدر الإمكان من الغطاء الأميركي اللامحدود في تنفيذ مخططاته من أجل تهويد المدينة المقدسة، وسلخ هويتها الأصلية.
واستعرض غيث الأوضاع التي تعيشها مدينة القدس، داعياً المؤسسات الوطنية إلى مزيد من العمل للتخفيف قدر المستطاع عن المواطن المقدسي، تحاشياً للمؤامرات التي تحاك في كل صوب وحدب، لافتاً إلى ضرورة العمل الجماعي المتناسق والموحد «خاصة أن حماية البلد مسؤولية جماعية، يشترك بها الكل الفلسطيني، ومن دون شك ستكون ثماره إيجابية بحق مدينتنا المقدسة التي ننشدها عاصمة أبدية لدولتنا المستقلة الآتية لا محالة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.