جدل في تونس حول الأسباب الحقيقية لتعثر تشكيل الحكومة

TT

جدل في تونس حول الأسباب الحقيقية لتعثر تشكيل الحكومة

يحتدم الجدل في تونس حول الأسباب الحقيقية لتعثر تشكيل الحكومة المقترحة برئاسة الحبيب الجملي. فقد انتقد مبروك كورشيد القيادي في حركة «تحيا تونس»، الحكومة المقترحة، واتهم «حركة النهضة» بالسيطرة عليها. واعتبر كورشيد أن الحكومة المنتظر تشكيلها هي «حكومة حركة النهضة ويجب التعامل معها على هذا الأساس»، معدداً أسباباً لهذا الأمر بينها أن الجملي هو مرشح «النهضة» لرئاسة الحكومة ولم يقع اختياره انطلاقاً من توافق سياسي أو من خلال تشاور بين الأحزاب المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحاكم، بل تم فرضه على الساحة السياسية من قبل مجلس شورى حركة النهضة، على حد قوله. وأوضح كورشيد أن «النهضة» تسعى للحصول على 4 حقائب وزارية بأسماء تدعي الاستقلالية والنزاهة، فيما تُسند لبقية الأحزاب المدعوة للمشاركة في الحكم بشكل غير مباشر حقيبتان وزاريتان، وبقية الحقائب ستسند إلى المستقلين.
ورفض المكتب السياسي لحركة «تحيا تونس»، التي يتزعمها يوسف الشاهد الرئيس الحالي لحكومة تصريف الأعمال، المشاركة في الائتلاف الحاكم إلى جانب «حركة النهضة» برئاسة الحبيب الجملي، وانضم إلى قائمة الأحزاب الرافضة للتحالف مع «النهضة».
في هذا السياق، لم يجد تأجيل الإعلان عن الحكومة أسابيع عدة، صدى إيجابياً بين الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، بل عدّه كثير منهم «تردداً وعدم قدرة على حسم الأمور». وتساءل بعض السياسيين عمن يقف وراء تعطيل تشكيل الحكومة؛ هل هي الأحزاب السياسية أم أنه خيار رئيس الحكومة المكلف بتشكيل حكومة كفاءات؟ أم خيار الرئيس التونسي قيس سعيّد الباحث عن توسيع صلاحياته السياسية باقتراحه إلحاق ملف التعاون الدولي إلى وزارة الخارجية بدلاً من وزارة التنمية والاستثمار.
وقال عياض اللومي القيادي في حزب «قلب تونس» إن حالة الانتظار والترقب التي تعرفها الساحة السياسية تؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ودعا إلى الإسراع في تشكيل الحكومة. كما اتهم الرئيس التونسي بالتعطيل تحت ذريعة «التمحيص» في الأسماء المقترحة لتولي حقائب وزارية، فيما يتم الترويج إعلامياً إلى أن هذا التأجيل وراءه شكوك بانتماء وزراء لحزب «قلب تونس».
من ناحيته، قال رابح الخرايفي المختص في القانون إن المشهد الفسيفسائي للبرلمان التونسي هو المعطل الحقيقي، إذ إن أياً من الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية لا يملك القدرة على تزعم المشهد السياسي، وعدّ أن بعض السياسيين ما زالوا يحنون إلى النظام الرئاسي، ولذلك فإنهم ذاهبون نحو تشكيل «حكومة الرئيس» دون النظر إلى أنهم بذلك يقفزون على نتائج صناديق الاقتراع.
وكان الجملي قد صرح إثر اجتماعين جمعاه نهاية الأسبوع الماضي مع الرئيس قيس سعيّد بأن «المهم هو البقاء وفياً» لما التزم به أمام الشعب وأمام الرأي العام، و«التريث في الإعلان عن الحكومة يبقى أفضل من الاستعجال»، على حد تعبيره. وذكر أنه استعرض مع الرئيس التونسي موضوع تشكيل الحكومة، خصوصا حقيبتي الدفاع والخارجية. وأشار إلى وجود وجوه جديدة يجب التحري في عدم ارتباطها بأحزاب سياسية وكذلك في مصداقيتها ونزاهتها، بعد فشل مسار المفاوضات مع الأحزاب السياسية. وعدّ أن أسباب التأجيل تعود بالأساس إلى مزيد من التمحيص والتثبت في السير الذاتية للمرشحين. وكان راشد الغنوشي زعيم «حركة النهضة» ورئيس البرلمان، قد صرح قائلاً: «إذا لم يتم عرض الحكومة على البرلمان السبت (الماضي)، فمن المرجح أن ترحل جلسة التزكية إلى الأسبوع الجاري».



تحذيرات من استمرار تأثير الفيضانات على الوضع الإنساني في اليمن

مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)
مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات من استمرار تأثير الفيضانات على الوضع الإنساني في اليمن

مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)
مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)

على الرغم من اقتراب موسم الأمطار في اليمن من نهايته مع رحيل فصل الصيف، تواصلت التحذيرات من استمرار هطول الأمطار على مناطق عدة، مع تراجع حدتها وغزارتها، مع استمرار تأثير الفيضانات التي حدثت خلال الأشهر الماضية، وتسببت بخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية.

ويتوقع خبراء ومراكز أرصاد استمرار هطول الأمطار على مناطق متفرقة مختلفة الطبيعة الجغرافية خلال الأيام المقبلة، وتشمل تلك المناطق محافظة المهرة أقصى شرقي اليمن، والمرتفعات الغربية في محافظات تعز، وإب، ولحج، وريمة، وذمار، وصنعاء، والمحويت، وعمران، وحجة وصعدة، بالإضافة إلى الساحل الغربي في محافظات حجة، والحديدة وتعز، والمناطق السهلية في محافظات أبين، وشبوة وحضرموت.

آثار عميقة تسببت بها الفيضانات في اليمن وأدت إلى تفاقم الظروف الإنسانية المتردية (أ.ف.ب)

وحذّر الخبراء الذين نشروا توقعاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من تشكل سحب عملاقة تنذر بأمطار غزيرة وسيول وعواصف وبروق شديدة، واحتمال هبوب رياح عنيفة، مع أجواء غائمة أغلب الوقت، داعين السكان إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

وشهد اليمن منذ مطلع الشهر الحالب تراجعاً في هطول الأمطار في مختلف أنحاء البلاد، بعد شهرين من الأمطار التي تسببت بفيضانات مدمرة في عدد من المحافظات، وتركزت الآثار العميقة لهذه الفيضانات في محافظتي الحديدة والمحويت غرباً.

وحذَّرت لجنة الإنقاذ الدولية من تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن مع استمرار الفيضانات، التي بدأت في مارس (آذار) واشتدت في يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، وأدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الأسر، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وتأجيج الانتشار السريع للكوليرا، وتضرر أكثر من 268 ألف شخص في اليمن، في ظل موجة ماطرة شهدتها البلاد.

ونبهت اللجنة في بيان لها إلى أن استمرار احتمالية وجود خطر فيضانات مفاجئة إضافية بسبب تشبع الأرض بفعل الأمطار الغزيرة وأنظمة الصرف السيئة، رغم توقف هطول الأمطار خلال الشهر الحالب، ووصفت هذا الخطر بالمرتفع.

استمرار الكارثة

قالت اللجنة إن الفيضانات أثرت بشدة على محافظات الحديدة، وحجة، ومأرب، وصعدة وتعز، حيث تأثر ما يقرب من 268 ألف فرد في 38285 عائلة حتى الشهر الماضي، وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وتسببت الأمطار الغزيرة، التي من المتوقع استمرارها هذا الشهر، في تدمير واسع النطاق للمنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية.

وقيَّدت الأمطار والفيضانات - وفق بيان اللجنة - من إمكانية الوصول إلى الغذاء، وهي قضية يعاني منها بالفعل أكثر من 17 مليون يمني بسبب الصراع والتدهور الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكلها تفاقمت بسبب أزمة المناخ.

توقعات باستمرار الأمطار الغزيرة في اليمن رغم انتهاء موسمها برحيل فصل الصيف (رويترز)

وبينت المنظمة أن محافظة تعز (جنوب غرب) شهدت وحدها تدمير ما يقدّر بنحو 70 إلى 100 في المائة من الأراضي الزراعية جراء الأمطار.

ودعت المجتمع الدولي والجهات المانحة إلى تقديم المزيد من الدعم للحد من تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن جراء الفيضانات المدمرة الأخيرة التي ضربت البلاد، والتفشي المتسارع لوباء الكوليرا، مشددة على زيادة الدعم المالي واللوجيستي لتلبية الاحتياجات الفورية والطويلة الأجل للمتضررين من تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن.

ونوهت اللجنة إلى أن الكارثة الإنسانية في اليمن تتضاعف «مدفوعة بالتأثيرات المدمرة للفيضانات الأخيرة والتفشي المتسارع لوباء الكوليرا في معظم أنحاء البلاد»، مرجحة أنه، و«من دون اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب، سيستمر الوضع في التدهور؛ مما يعرض المزيد من الأرواح للخطر».

انتشار سريع للكوليرا

قال إيزايا أوجولا، القائم بأعمال مدير لجنة الإنقاذ الدولية في اليمن، إن البلاد «تواجه أزمة على جبهات متعددة» بدءاً من الصراع المستمر إلى الفيضانات الشديدة، والآن «تفشي وباء الكوليرا الذي انتشر بسرعة في الكثير من المحافظات».

وأضاف: «إن حياة الناس معرّضة للخطر بشكل مباشر، ومن المرجح أن يؤدي تدمير مرافق المياه والصرف الصحي إلى تفاقم انتشار المرض»، في حين أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عمليات طوارئ في المناطق الأكثر تضرراً في حجة، والحديدة، والمحويت وتعز، حيث قدمت مساعدات نقدية لنحو 2000 عائلة متضررة.

دمار هائل في البنية التحتية تسببت به الفيضانات الأخيرة في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وأشار إلى أن المرحلة الأولية ركزت على تلبية الاحتياجات الفورية، مع التخطيط لمزيد من التقييمات لتوجيه التدخلات المحتملة في مجال المياه والصرف الصحي، مثل إنشاء نقاط المياه والمراحيض الطارئة.

وبيَّن أوجولا أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وشركاءها أجروا تقييمات في المناطق المتضررة، وكشفوا عن نزوح ما يقرب من 9600 شخص بسبب الفيضانات في تعز، وحجة والحديدة، حيث تعرَّضت البنية الأساسية للمياه والصرف الصحي والصحة لأضرار كبيرة؛ مما زاد من خطر تفشي الكوليرا في هذه المناطق.

وكان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وزَّع مساعدات إيوائية طارئة على المتضررين من السيول والفيضانات في مديرية موزع التابعة لمحافظة تعز، الثلاثاء الماضي.

وتضمنت المساعدات الطارئة 100 خيمة و370 حقيبة إيواء استفاد منها 2220 فرداً من المتضررين من السيول في المديرية.

ويأتي هذا التدخل بالتنسيق مع كتلة الإيواء ومكاتب مركز الملك سلمان للإغاثة في اليمن، وبالتنسيق مع السلطة المحلية ووحدة النازحين.