2019... سنة هزيمة «داعش»

خسر فيها التنظيم ما بقي من «دولته»... وفقد «رأسه»

ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

2019... سنة هزيمة «داعش»

ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)

كانت سنة 2019، بامتياز، سنة هزيمة تنظيم داعش. ففيها خسر هذا التنظيم المتطرف آخر معقل له في بلدة الباغوز بريف دير الزور، شرق سوريا، وفيها أيضاً فقد التنظيم «رأسه»، ورمزه؛ أبو بكر البغدادي، بعملية كوماندوس أميركية في قرية بريشة بريف إدلب، شمال غربي سوريا. مثّل الحدثان، وبينهما شهور قليلة فقط، أبرز دليل على أن التنظيم الذي سيطر في أوج قوته على مساحة تعادل حجم بريطانيا أقام عليها «دولة» تمتد من العراق إلى سوريا، انتهى كلياً أو أنه يوشك على ذلك.
ولكن هل أصبح «داعش» فعلاً شيئاً من الماضي، لا يُذكر سوى بمذابحه وبأنهار الدم التي سفكها، تماماً كما يُذكر اليوم الخمير الحمر وزعيمهم بول بوت في كمبوديا في سبعينات القرن الماضي (1975 - 1979)؟

شكّل يوم 23 مارس (آذار) من هذه السنة يوماً أساسياً في تاريخ «داعش». ففيه انتهى التنظيم «جغرافياً»، بحسب التعبير المستخدم غربياً الذي يؤرخ للنهاية الفعلية لـ«دولة الخلافة» المزعومة التي لم يبقَ منها سوى اسم يشير إلى «دولة» لم يعد لها وجود على الأرض.
قاتل التنظيم حتى الرمق الأخير في الباغوز، تلك البلدة الصغيرة على ضفاف نهر الفرات. احتمى مقاتلوه وأفراد عوائلهم في كهوف ومغاور صخرية، بجانب مخيّم كبير ضم نازحين من مناطق مختلفة. لجأوا إلى هناك بعدما طُردوا من كل معاقلهم السابقة في سوريا، مثل منبج غرب الفرات بشمال سوريا، والرقة، شرق النهر، نزولاً عبر البلدات الممتدة على جانبي حوض الفرات بريف دير الزور والتي كانت لوقت طويل قاعدة أساسية للتنظيم. في نهاية المطاف، لجأ إلى الباغوز مئات المقاتلين الذين رفضوا رفع الراية البيضاء أمام تقدّم «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي تحالف كردي - عربي قاد الحملة ضد «داعش» بدعم جوي وبري من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. في الباغوز قاتل «الدواعش» حتى نفدت ذخيرتهم. عندها فقط خرجوا من مغاورهم مستسلمين.
كان بين مقاتلي الباغوز، بلا شك، بعض أشد الغلاة في «داعش». فقد أصر هؤلاء على ولائهم للتنظيم حتى بعد أن انهارت دولته المزعومة، وتمسكوا بالقتال تحت رايته على رغم الفظاعات التي ارتكبها خلال سنوات حكمه لمناطق واسعة في سوريا والعراق بين عامي 2014 و2019.
ومع انجلاء غبار المعركة تبيّن أن زعيم «داعش»، البغدادي، لم يكن بين مقاتليه الأسرى. هل فر خلال المعركة، أم قبلها أو حتى بعدها؟ التحقيقات التي خضع لها بلا شك عناصر «داعش» في الباغوز ربما كشفت للمحققين، سواء من أكراد «سوريا الديمقراطية» أو من قوات التحالف الدولي: هل كان البغدادي فعلاً مع مقاتليه قبل سقوط الباغوز؟ في أي حال، لم يدُم غياب زعيم «داعش» طويلاً. فقد كان مضطراً أن يخاطب مؤيديه ويطمئنهم إلى أن المعركة مستمرة، حتى ولو لم يعد لدولتهم أي وجود ملموس على الأرض.

البغدادي ـ بن لادن
وهكذا، في 29 أبريل (نيسان)، وعبر شريط فيديو نادر، ظهر البغدادي مفترشاً الأرض وبجانبه رشاش، ومحاطاً بمجموعة من قادته وهم يعرضون عليه ملفات يحمل كل منها اسم «ولاية» من الولايات التي بايعت «داعش»... من تركيا، إلى اليمن وليبيا، مروراً بالقوقاز والصومال وخراسان وغيرها من «الولايات» التي أراد البغدادي أن يُظهرها ليؤكد أن «دولته» لم تنتهِ، بل هي «باقية وتتمدد»، بحسب الشعار الذي دأب «داعش» على تكراره.
أعاد هذا المشهد، في الواقع، التذكير بسلسلة أحداث حصلت قبل قرابة عقدين من الزمن، ولكن في مكان آخر ومع تنظيم مختلف خرج «داعش» من رحمه. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2001، كان تنظيم «القاعدة» يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو هكذا ساد الاعتقاد آنذاك. استسلم مقاتلوه أمام القوات الخاصة الأميركية وقوات أفغانية في جبال تورا بورا، شرق أفغانستان. قاتلوا حتى الرمق الأخير أيضاً. ظهروا أمام مغاورهم المحفورة في الصخور وغبار القصف الأميركي يغطيهم. كان زعيمهم أسامة بن لادن بينهم، لكنه نجح في الفرار أمام تقدم القوات الخاصة الأميركية واختفى في مناطق الحدود الأفغانية - الباكستانية. لم يظهر سوى عبر أشرطة فيديو. كان يفترش الأرض وبجانبه رشاشه، متحدثاً عن توسع «القاعدة» بدل انحسارها. كانت جماعته تتوسع فعلاً من خلال جماعات تبايعها وتفتتح فروعاً باسمها في مناطق مختلفة حول العالم. وهكذا ظهرت «القاعدة» عبر «وكلاء معتمدين»، مثل «بلاد الرافدين» (أبو مصعب الزرقاوي) و«المغرب الإسلامي» (أبو مصعب عبد الودود) و«جزيرة العرب» (ناصر الوحيشي)، بالإضافة إلى فروع أخرى أصغر وأقل نفوذاً.
ظل بن لادن يقض مضاجع الأميركيين لسنوات عبر أشرطته المصوّرة والمسموعة، إلى أن تمكنوا من الوصول إليه في مخبئه بأبوت آباد الباكستانية حيث قتله فريق كوماندوس أميركي في الأول من مايو (أيار) 2011، ورموا بجثته في البحر.
بدا البغدادي، من خلال شريطه المصوّر ومن خلال شريط سمعي آخر وُزّع في 16 سبتمبر (أيلول)، كأنه يحاول تكرار تجربة أسامة بن لادن، من خلال إثبات أن «دولة» تنظيمه «باقية وتتمدد»، رغم هزيمتها في سوريا والعراق، وذلك من خلال فروع «داعش» المختلفة حول العالم، أو من خلال «جنوده» الذين ينفذون هجمات، بأي «سلاح» يمكنهم أن يحوزوا عليه، سواء كان ذلك سكين مطبخ أو شاحنة، وذلك ضمن إطار ما بات يُعرف بعمليات «الذئاب المنفردة». لكن زعيم «داعش» لم تُتَح له فرصة الوقت الطويل التي أتيحت لزعيم «القاعدة». ففي حين لم يتمكن الأميركيون من الوصول إلى بن لادن سوى بعد 10 سنوات من فراره من تورا بورا، فإنهم احتاجوا هذه المرة إلى بضعة شهور فقط للوصول إلى البغدادي بعد انتهاء معركة الباغوز.
في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أنزلت طائرات مروحية جنوداً من القوات الخاصة الأميركية (قوات دلتا) في قرية بريشة بريف إدلب، على بعد كيلومترات معدودة من الحدود التركية. وكما حصل في أبوت آباد، تمكن الجنود الأميركيون بسرعة من الوصول إلى البغدادي الذي فر، بحسب ما تقول الرواية الأميركية الرسمية، في نفق محفور أسفل مخبئه. لاحقه كلب مدرّب داخل النفق، فما كان منه سوى أن فجّر نفسه (مع اثنين من أطفاله). انتشل الأميركيون أشلاءه ودفنوها في البحر، ثم قصفوا المنزل ومحوه من الخريطة. تزامن إنهاء الأميركيين «أسطورة البغدادي» مع نجاحهم في قتل مساعده الأبرز الناطق باسم تنظيمه «أبو حسن المهاجر» (بريف حلب الشمالي)، ومع إعلان تركيا أنها اعتقلت أفراداً من أسرته في مناطق تقع تحت نفوذها في سوريا وحتى داخل تركيا نفسها.
بعد أيام من مقتل البغدادي، سمّى «داعش» زعيماً جديداً له تحت اسم «أبو إبراهيم الهاشمي القرشي»، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. قد يكون من المبكر الآن الحكم على «أبو إبراهيم»، نجاحاً أو فشلاً، كونه لم يتولَّ قيادة «داعش» سوى قبل أسابيع، علماً بأنه ورث تنظيماً منهكاً لم يعد له وجود ملموس سوى في مناطق نائية موزعة على أنقاض «الدولة» التي أقام عليها «خلافته» المزعومة عام 2014، في كل من العراق وسوريا.
تمرد منخفض الوتيرة

يقول العقيد مايلز كاغينز، الناطق باسم قوات التحالف لهزيمة «داعش»، إن وجود هذا التنظيم بات اليوم محصوراً في مناطق جبلية أو صحراوية نائية في كل من العراق وسوريا. ويوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تقديرات التحالف تضع عناصر «داعش» حالياً بحدود «بضعة آلاف» يتوزعون بين سوريا والعراق، وينتشرون على وجه الخصوص في «سلسلة كهوف ومغاور» بمناطق جبلية نائية أو صحراوية. ويشرح أن هؤلاء يقومون حالياً بعمليات ضمن ما يُطلق عليه وصف «التمرد منخفض الوتيرة» (low level insurgency) وذلك عبر قوس يمتد من غرب العراق عبر صحراء الأنبار إلى الأطراف الجنوبية لمحافظة نينوى بشمال البلاد، مروراً بمناطق جبلية متفرقة في محافظات مثل صلاح الدين وديالى. ويلفت إلى أن للتنظيم أيضاً وجوداً في مناطق تقع مباشرة إلى الشمال من العاصمة بغداد، مثل سامراء (التي يتحدر منها زعيم «داعش» السابق أبو بكر البغدادي). أما في سوريا، فيشير العقيد كاغينز إلى أن «داعش» ما زال منتشراً في البادية السورية مترامية الأطراف، من جنوب البلاد إلى شرقها.
وفي تقدير الناطق باسم التحالف، فإن «التمرد منخفض الوتيرة» لا يشكّل تهديداً يمكن مقارنته بذلك الذي مثّله التنظيم لدى صعوده الصاروخي في أواخر عام 2013 ومنتصف عام 2014، عندما تساقطت المدن السورية والعراقية في أيديه كأوراق الخريف، بدءاً بالرقة وانتهاء بالموصل، وكلتاهما تحوّلت لاحقاً إلى عاصمة فعلية لـ«الدولة» التي أقامها «داعش». ويقول كاغينز، في هذا الإطار، إن عمليات «داعش» حالياً تقوم أساساً على شن هجمات بأعداد صغيرة، أو القيام باغتيالات لمسؤولين محليين أو عناصر من قوات الأمن، أو زرع عبوات ناسفة، أو فرض إتاوات على السكان، ومحاولة ترهيبهم. ويضيف أن التنظيم لم يعد يملك الآليات العسكرية التي وقعت في أيديه في عام 2014 وساعدته في إلحاق الهزيمة بالقوات العراقية. ويلفت أيضاً إلى أن القوات الأمنية العراقية التي أعيد بناؤها بعد انهيارها في الموصل وتكريت عام 2014، باتت أقوى بكثير مما كانت عليه في السابق، كما أنها باتت اليوم «تأخذ زمام المبادرة» في ملاحقة خلايا «داعش» في أنحاء العراق. كما أن «قوات سوريا الديمقراطية» (100 ألف مقاتل تقريباً) باتت هي الأخرى قوة يُحسب لها الحساب بعد الدعم الذي تلقته على مدى السنوات الماضية من التحالف الدولي، وكذلك نتيجة خبرتها الميدانية في الحرب ضد التنظيم (تكبد هذا التحالف العربي - الكردي قرابة 10 آلاف قتيل ضد «داعش»).

نسخة ثانية من «داعش»
وفي مقابل الثقة التي يبديها العقيد كاغينز، ثمة مخاوف لا يمكن تجاهلها من عودة «داعش» بنسخة جديدة نتيجة الأوضاع المستجدة في سوريا والعراق. ففي الأولى، أدى تدخل عسكري تركي إلى طرد «قوات سوريا الديمقراطية» من شريط حدودي يمتد من رأس العين إلى تل أبيض في شمال شرقي البلاد، وإلى عودة القوات النظامية السورية إلى أجزاء واسعة من أرياف الحسكة والرقة وحلب للحلول محل «قوات سوريا الديمقراطية». وأدى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في أكتوبر (تشرين الأول)، نيته سحب القوات الأميركية من سوريا وعدم تدخله لمنع القوات التركية من التدخل عسكرياً لإقامة ما تصفه أنقرة بـ«المنطقة الآمنة» في شمال شرقي سوريا، إلى زعزعة ثقة الأكراد السوريين بحلفائهم الأميركيين. وتراجع ترمب لاحقاً، كما يبدو، بإعلان إبقاء قوات أميركية لحماية آبار النفط في شرق سوريا ومنع وقوعها في أيدي «داعش» أو قوات حكومة دمشق. أما في العراق، فتبدو الصورة أيضاً ملبدة، في ظل احتجاجات شعبية دامية ضد الحكومة العراقية، وفي ظل توتر على الأرض بين القوات الأميركية وميليشيات متحالفة مع إيران تلجأ بين الحين والآخر إلى توجيه «رسائل صاروخية» إلى قواعد عسكرية عراقية ينتشر فيها الأميركيون.
لكن العقيد كاغينز يقلل من خطورة هذه الصورة. إذ يلفت إلى أن الاحتجاجات الشعبية في العراق لا تشمل المناطق التي تنتشر فيها القواعد الأميركية كونها تتركز أساساً في الجنوب (بالإضافة إلى بغداد بالطبع). ويشير إلى أن الصواريخ التي تُطلق على قواعد انتشار التحالف تؤثر سلباً على دوره، بمعنى أنها تدفعه إلى التركيز على حماية عناصره بدل التركيز أكثر على التنسيق مع القوات العراقية في ملاحقة عناصر «داعش». أما في سوريا، فيقول العقيد الأميركي إن قوات التحالف تنتشر إلى جانب «قوات سوريا الديمقراطية» حول آبار النفط في شرق البلاد، كما أنها تنتشر في قاعدة التنف التي وصفها بأنها «استراتيجية» في عمق البادية السورية، إلى جانب فصيل «مغاوير الثورة» المعارض للنظام.

فروع «داعش»
وإذا كانت الصورة التي يقدمها التحالف صحيحة، فإن «داعش» لا يبدو في وضع يسمح له بتشكيل تهديد جدي في سوريا أو العراق. والظاهر أن انكماش التنظيم ليس ظاهرة محصورة في هذين البلدين، بل يشمل أيضاً فروعه حول العالم. ففي اليمن، حيث حاول «داعش» أن يوسع نفوذه مستغلاً الفوضى التي يعيشها هذا البلاد، نجحت قوة سعودية خاصة، بالتعاون مع قوات يمنية، في اعتقال رأس التنظيم «أبو أسامة المهاجر» خلال عملية ضد مخبئه في يونيو (حزيران) الماضي. ومنذ ذلك الوقت، شهد نشاط «داعش اليمن» انحساراً ملحوظاً، لكنه لم ينتهِ بالطبع. أما في خراسان التي راهن «داعش» على جعلها قاعدة أساسية له، فقد ظهرت مؤشرات إلى تراجع كبير لنشاطه فيها، وتحديداً أفغانستان، مع نهايات سنة 2019. ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلنت الحكومة الأفغانية أن فرع «داعش» الأفغاني «هُزم في ننغرهار» معقل التنظيم الأساسي بشرق البلاد. وتنسحب هذه الصورة بدورها على وضع فروع «داعشية» أخرى حول العالم. ففي ليبيا، تعرض «داعش» لسلسلة ضربات جوية شنتها طائرات أميركية على مخابئه في جنوب البلاد، حيث انكفأ منذ طرده من معقله الأساسي في سرت الساحلية عام 2016. وفي سيناء المصرية، تراجع نشاط فرع «داعش» المحلي تراجعاً كبيراً في ضوء عملية واسعة شنتها قوات الأمن المصرية منذ أكثر من سنة، وأدت إلى مقتل مئات من عناصر التنظيم وطرده من معاقله الأساسية. ولا يعني هذا التراجع في نشاط فروع «داعش» أن خطرها قد انتهى، علماً بأنها جميعها قد بايعت مجدداً خليفة البغدادي، أبو إبراهيم، بل إن بعضها أظهر إصراراً على رفع وتيرة عملياته، كما ظهر من خلال هجمات فرع «داعش» في منطقة الساحل الأفريقي، ومن خلال هجمات «الذئاب المنفردة» لمناصري التنظيم حول العالم التي شهدت بدورها تصعيداً لافتاً بدا كأنه رد على مقتل البغدادي.
ومع انتهاء سنة وبداية أخرى، سيظل «داعش» بلا شك يمثل تهديداً عالمياً، رغم «اختفاء دولته» في سوريا والعراق، وانحسار نشاط فروعه حول العالم. هل يموت «داعش» بموت أبو بكر البغدادي، أم يعيد أبو إبراهيم القرشي إحياءه؟ ستظهر ملامح هذا الجواب على الأرجح خلال 2020. وهي على الأبواب.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.