أثار إعلان الحكومة المصرية عن عزمها نقل 4 تماثيل أثرية، تعرف بـ«الكباش»، من الأقصر (جنوب مصر) إلى ميدان التحرير بالقاهرة، موجة انتقادات من جانب أساتذة الآثار والمصريات، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، اعتراضاً على نقل الآثار من موقعها الأصلي، وخوفاً على التماثيل من تأثير العوامل البيئية والانبعاثات الكربونية.
وبدأت موجة الانتقادات عقب إصدار مجلس الوزراء المصري بياناً صحافياً، بعد انتهاء جولة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة، التفقدية لميدان التحرير يوم الخميس الماضي، وجاء في البيان أن «مدبولي وجه بوضع برنامج زمني محدد لإتمام أعمال تطوير الميدان، وإعادة رونقه، وإبرازه على نحو حضاري، بما يشمل رفع كفاءة ميدان التحرير المخطط تزيينه بمسلة فرعونية وعدد من تماثيل الكباش، حيث سيتم نقل 4 تماثيل ضخمة لكباش من الفناء الأول، خلف الصرح الأول بمعبد الكرنك بمدينة الأقصر».
وفور الإعلان، اعترض عدد من الآثاريين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي على نقل الكباش من الأقصر، وقالوا إن «ذلك سيدمر طريق الكباش الذي يربط بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك، والذي بدأت مصر محاولات تطويره وإعادته إلى أصله منذ عدة سنوات»، مما دفع وزارة السياحة والآثار لإصدار بيان صحافي، مساء الجمعة الماضي، قالت فيه إن «هذه الكباش ليس لها علاقة بالكباش الموجودة في طريق الكباش».
وبدوره، قال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن «تماثيل الكباش المزمع نقلها لتزيين ميدان التحرير ليس لها علاقة على الإطلاق بالتماثيل الموجودة على جانبي طريق الكباش (طريق أبو الهول) المعروف الذي يربط معبدي الأقصر والكرنك»، مشدداً على أنه «لن يتم المساس بالتماثيل الموجودة على جانبي طريق الكباش البالغ طوله 2700 متر»، لافتاً إلى أنه «تم الانتهاء من 90 في المائة من أعمال ترميم طريق الكباش، وسيتم افتتاحه العام المقبل».
وأوضح وزيري أن «التماثيل المزمع نقلها موجودة خلف واجهة الصرح الأول لمعبد الكرنك، على جانبي الفناء، خلف مباني من الطوب اللبن تركها المصري القديم أثناء أعمال بناء الصرح الأول».
لكن هذه التبريرات لم تُقنع أساتذة الآثار والباحثين، أو حتى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لتبدأ حملة توقيعات على التماس موجه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف قرار النقل، جاء فيه أن «قرار نقل الكباش من الكرنك، والمسلة من صان الحجر بالشرقية، مخالف للأعراف الدولية المنظمة للحفاظ على الآثار والمباني التاريخية، على غرار البند السابع من ميثاق البندقية المنظم لأعمال الحفاظ على المواقع والمباني الأثرية، الذي يعد المرجع الأساسي لوثيقة التراث العالمي باليونيسكو التي وقعت عليها مصر، الصادرة عام 1974».
الدكتورة مونيكا حنا، رئيس وحدة التراث والآثار بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بأسوان، تقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الالتماس وقع عليه حتى الآن نحو 675 أستاذاً وعالم آثار، وتم إرسال نسخة منه لرئاسة الجمهورية»، موضحة أنها «ضد نقل التماثيل والمسلة لأنها تغير معالم المنطقة الأثرية، وهذا مخالف لاتفاقية اليونيسكو التي تحظر نقل الآثار من موقعها الأصلي إلا في حالات الخطورة الداهمة، وهو ليس الحال بالنسبة للكباش والمسلة».
ونقلت وزارة السياحة والآثار أخيراً مسلة لرمسيس الثاني من منطقة صان الحجر بالشرقية (شرق دلتا مصر) لوضعها في ميدان التحرير في إطار مشروع متكامل لتطوير الميدان.
ورفض الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، قرار النقل، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يتعارض مع المعايير والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الآثار»، مشيراً إلى أنه «قرار مفاجئ لم يؤخذ فيه رأي الأثريين»، وأضاف أن «الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، رفض عندما كان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للآثار نقل هذه التماثيل لمتاحف».
لكن وزيري أكد أن «هذه التماثيل كانت غير مرئية في وضعها السابق، لأنها كانت تحت التراب، ولم يرها أي سائح مصري أو أجنبي، ووضعها في ميدان التحرير سيجعلها مرئية»، مشيراً إلى أن «الوزارة تعكف حالياً على دراسة وتوثيق التماثيل بشكل كامل، والقيام بكل أعمال الصيانة والترميم اللازمة للحفاظ على هذه التماثيل».
وتعد المخاوف على التماثيل من العوامل البيئية بوسط القاهرة من أكثر أسباب رفض نقل التماثيل، وفق حنا التي توضح: «هذه التماثيل يعود تاريخها إلى نحو 3500 عام، وهي موجودة في الأقصر المعروفة بجوها الجاف، وبالتأكيد الرطوبة والانبعاثات الكربونية الموجودة في القاهرة ستؤثر على هذه التماثيل المصنوعة من الحجر الرملي»، مشيرة إلى أن «وزارة الآثار نقلت في وقت سابق تمثال رمسيس الثاني من الميدان الشهير بوسط القاهرة الذي لا يزال يحمل اسمه إلى المتحف المصري الكبير، وكان من بين مبررات النقل وقتها أن هناك خطورة على التمثال من تأثير العوامل البيئية والتلوث».
وبالتزامن مع حملة رفض الآثاريين لنقل التماثيل، شن عدد كبير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات حادة لوزارة الآثار، ونشروا صوراً لتماثيل أسود كوبري قصر النيل، لإظهار ما تتعرض له من تشويه، متخوفين من أن يكون هذا هو مصير الكباش الأثرية، وهو ما أبدت حنا تخوفاً منه أيضاً.
نقل الكباش الأثرية من الأقصر إلى «التحرير» يثير انتقادات في مصر
باحثون يقدمون التماساً للرئيس لوقف تنفيذ القرار
نقل الكباش الأثرية من الأقصر إلى «التحرير» يثير انتقادات في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة