عبد العزيز جراد... البيروقراطي الجامعي الذي أقاله بوتفليقة من منصبه

عبد العزيز جراد...  البيروقراطي الجامعي الذي أقاله بوتفليقة من منصبه
TT

عبد العزيز جراد... البيروقراطي الجامعي الذي أقاله بوتفليقة من منصبه

عبد العزيز جراد...  البيروقراطي الجامعي الذي أقاله بوتفليقة من منصبه

تعرف الرأي العام على عبد العزيز جرَاد (65 سنة) لأول مرة، عندما عيّنه الرئيس السابق الجنرال إليامين زروال (1994 - 1998) أميناً عاماً للرئاسة. وهو من الكوادر التي تخرجت في المدرسة الوطنية للإدارة، التي تعد الخزان البشري، الذي تنهل منه السلطات في التعيين بالمناصب العليا للدولة.
وحصل جراد على شهادة ليسانس في العلوم السياسية من معهد العلوم السياسية بالجزائر في سنة 1976، وشهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة باريس في سنة 1981.
كما أن رئيس الوزراء الجديد حاصل على رتبة أستاذ جامعي منذ 1992، ودرّس في عدة مؤسسات جامعية بالجزائر والخارج، بالإضافة إلى إسهامه في تكوين عدة أساتذة وإطارات للدولة، حسب السيرة الذاتية التي نشرتها وكالة الأنباء الحكومية.
وتولى عبد العزيز جراد عدة مسؤوليات، منها مدير المدرسة الوطنية للإدارة ما بين 1989 و1992، ومستشار دبلوماسي برئاسة الجمهورية في سنة 1992، ومدير عام لـ«الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي» (1996 - 2000)، وأمين عام لوزارة الخارجية من سنة 2001 إلى 2003، إضافة إلى أمين عام لرئاسة الجمهورية (1993 - 1995). ولجراد مؤلفات في مجال السياسة الخارجية والأزمات الدولية، كتب حولها في الصحف المحلية.
وينتمي جراد إلى حزب «جبهة التحرير الوطني»، الذي يملك الأغلبية في البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة، وهو عضو بـ«لجنته المركزية» (أعلى هيئة ما بين مؤتمرين).
يشار إلى أن الرئيس تبون هو أيضاً عضو بـ«اللجنة المركزية»، ومن المفارقات أن قيادة الحزب اختارت دعم مرشح آخر لـ«رئاسية» 12 من الشهر الجاري التي أفرزت تبون رئيساً، هو الشاعر والأديب عز الدين ميهوبي، أمين عام بالنيابة للحزب المنافس «التجمع الوطني الديمقراطي».
وواجه جراد غضباً شديداً من جانب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفيلقة، الذي أقاله من منصب أمين عام بوزارة الخارجية، بسبب انخراطه في صف علي بن فليس، أمين عام «جبهة التحرير» سابقاً، الذي أعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة في ربيع 2004 لمنافسة بوتفليقة.
ويرى مراقبون أن اختيار جراد لرئاسة الوزراء غير مناسب للظرف الاقتصادي الدقيق الذي تعيشه الجزائر؛ فهو إداري بيروقراطي لم يسبق له أن احتكّ بالملفات الاقتصادية الكبرى، لكنه في المقابل يملك دراية واسعة بالقضايا ذات البعد الاستراتيجي، خصوصاً أن البلاد مقبلة على مواجهة تحديات أمنية كبيرة مرتبطة بالأوضاع في ليبيا شرقاً ومالي جنوباً، فضلاً عن حالة التوتر مع المغرب، التي تدوم منذ سنين طويلة، بسبب خلاف البلدين حول نزاع الصحراء.
وعلّق الكاتب الصحافي نجيب بلحيمر، على تعيين تبون رئيساً للوزراء، فكتب أن «معايير التعيين التي جاءت بعبد العزيز جراد إلى منصب الوزير الأول، هي: أولاً التوازن الجهوي (رئيس من الغرب ورئيس وزراء من الشرق). ثانياً اختيار شخص له خبرة في البيروقراطية الحكومية، تولى الأمانة العامة للرئاسة والأمانة العامة لوزارة الخارجية، وهو ما يعزز دوره كمنفذ وكمنسق بين المصالح الحكومية. ثالثاً اختيار شخص لم يرتبط ببوتفليقة كمرحلة. لكنه ارتبط بالنظام، ولعل ارتباطه ببن فليس سنة 2004 عزز حظوظه باعتبار أنه كان ضد بوتفليقة في تلك الفترة. رابعاً الشهادة الجامعية (دكتوراه علاقات دولية تضمن واجهة براقة). والخلاصة أن القرار يُصنع في مكان آخر، وصفة المنسق تطغى على شاغل منصب رئيس الوزراء».



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.