الشرق الأوسط في عام 2019... مسارات نهاية العقد

الشرق الأوسط في عام 2019... مسارات نهاية العقد
TT

الشرق الأوسط في عام 2019... مسارات نهاية العقد

الشرق الأوسط في عام 2019... مسارات نهاية العقد

بانقضاء العام 2019 تكون قد مرت 8 سنوات على الانتفاضات العربية عام 2011، و16 عاماً على حرب العراق، و18 على هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وإذا شئنا التوغل أبعد، فإن هذا العام يختتم مرور 40 عاماً على ثورة إيران، وعلى الغزو السوفياتي لأفغانستان، والسلام المصري الإسرائيلي المنفرد.
وعلى مستوى المنطقة سُجل في هذا العام اندلاع 5 انتفاضات، واستمرار 4 حروب أهلية، وإجراء 3 انتخابات مفصلية.

خمس انتفاضات
الدولة الوحيدة التي شهدت عملية انتقالية واعدة هي السودان، فيما يزال النظام الحاكم في الجزائر يحاول تسويق نفسه. أما في إيران فقد توحدت أجنحة النظام لقمع الانتفاضة، مستلهمة الإرشادات التي اعتمدتها في سوريا من قبل، وامتنعت عن تقديم أي تنازلات سياسية.
في العراق ولبنان، وبعد مرور عام على الانتخابات النيابية، لم تنجح السلطتان في تحقيق أي تقدم، ووجدتا أنفسهما في مواجهة جيل صاعد يتبنى سردية تستند إلى الوحدة الوطنية وتنبذ الطائفية، وتعزز القيم المدنية. وقد نجحت الانتفاضة في كلا البلدين في فرض نفسها لاعباً أساسياً، وأثرت على مساري التشكيل الحكومي، وفرضت تجديد البحث عن تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة.
لكن الجيل الصاعد في العراق ولبنان ما زال يواجه تحدياً كبيراً يتمثل في تحويل اللحظة التاريخية الثورية الواعدة إلى حركة سياسية مستدامة، تستطيع أن تنتزع حصة لها في الحكومة والمجلس النيابي.

أربع حروب أهلية
رغم أن الحل السياسي في اليمن ما زال بعيد المنال، فإن تقدماً مهماً تحقق على طريق الاتفاق بين حكومة عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، فيما تراجعت حدة التصعيد بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية.
لكن القسط الأوفر والأعنف من التصعيد شهدته ليبيا. وقد تلقى الجنرال خليفة حفتر جرعة دعم دولية إضافية، تمثلت بإرسال روسيا قوات خاصة لدعم قواته التي تهاجم العاصمة طرابلس، فيما لم تتلقّ حكومة الوفاق في طرابلس، المعترف بها دولياً، إلا وعداً يتيماً بالدعم من قبل تركيا.
وإذا صحت الحسابات الروسية، فقد يتمكن الجنرال حفتر من تحقيق انتصارات، وتتمكن روسيا، عبره، من تأمين حضور أساسي لها في شمال أفريقيا والضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط.
في يوميات الحرب السورية، بقيت الجهود الروسية لإحراز تقدم في مناقشات اللجنة الدستورية، مجرد عرض هامشي. مسرح التطورات الرئيسية تموضع في شمال شرقي سوريا حيث شكل الغزو التركي في هذه المنطقة الحدث الأكثر أهمية. وهو الحدث الذي مكّن أنقرة من إنشاء منطقة آمنة تحت سيطرتها. كما شهد هذا الجزء من سوريا أيضاً نجاح قوات النظام السوري وحلفائه في إعادة الانتشار في بعض المناطق. أما في إدلب فقد راوحت محاولات النظام وحلفائه لاستعادتها في إطار الكر والفر، ولم تحقق تقدماً ملموساً.
في أفغانستان كان المشهد الرئيسي هو المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان». وقد بدت المحادثات على وشك النجاح لعدد مرات في النصف الثاني من العام المنقضي، لتعود حظوظ النجاح إلى التراجع مرة أخرى.

ثلاثة انتخابات مفصلية
مسارح هذه الانتخابات شهدتها تركيا وإسرائيل وتونس.
في تركيا، خسر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مرتين الانتخابات البلدية في المدن الرئيسية في البلاد. وهذه الخسارة هي مؤشر جدي إلى بداية غروب زمن هيمنته على السلطة، رغم أن رحلته إلى الأفول النهائي قد تستغرق بضع سنوات.
وفي جهة أخرى من المنطقة، يبدو أن نتائج الانتخابات - وكذلك لوائح الاتهام – سرعت من رحلة بنيامين نتنياهو نحو الأفول. رغم أنه ما زال قادراً على اتخاذ بعض القرارات الصادمة. وقد تشمل هذه القرارات ضم أجزاء من الضفة الغربية.
جرت الانتخابات المهمة الثالثة في تونس؛ حيث واصلت تلك البلاد انتقالها الديمقراطي. وتوجت نتائج هذا الانتقال بانتخاب أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد للرئاسة، وهذا على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي ما زالت تواجه تونس، واستمرار التهديدات التي تشكلها المجموعات الجهادية داخل البلاد.

ديناميات إقليمية: تركيا وإيران وإسرائيل
ودول مجلس التعاون الخليجي
وجّه التوغل التركي في شمال شرقي سوريا ضربة قاصمة للأحلام الكردية في سوريا، ولمصداقية الولايات المتحدة في الوقت نفسه، بعدما ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأكراد تحت عجلات الحافلة التركية.
تنامى التصعيد الإيراني ضد واشنطن وحلفائها في المنطقة بشكل خطير، تمثلت ذروته بالهجوم بطائرات مسيرة وصواريخ كروز على شركة «أرامكو السعودية». وبدءاً من شهر ديسمبر (كانون الأول)، انتقل التصعيد إلى العراق. ونفذت الميليشيات العراقية هجمات على القوات الأميركية، من دون أن تواجه بأي رد.
على صعيد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، برزت تساؤلات مشروعة حول مصير عملية السلام، وإذا كان صعود نجم بيني غانتس، وأفول نجم نتنياهو قد يفتحان طريقاً جديداً نحو الحل.

المسرح الدولي: روسيا والصين والإدارة الأميركية
إرسال روسيا قوات خاصة إلى ليبيا لدعم الجنرال حفتر قد يوفر لها موطئ قدم في شمال أفريقيا، ويعزز حضورها في الإقليم بعدما ثبتت وجودها في سوريا وعززته.
لكن الدولة التي يجدر الانتباه جيداً إلى ما يجري فيها هي العراق. فهناك، ما زال وكلاء إيران يصعدون ضغطهم على الولايات المتحدة. وأخذاً لأهواء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في اعتبارنا، فإن احتمال سحب واشنطن لقواتها من العراق في المستقبل المنظور هو احتمال جدي. وقد تنجح موسكو مدعومة من طهران في ملء بعض الفراغ الذي قد تتركه واشنطن وتعزز موقعها في المنطقة أكثر وأكثر.
من جهتها، استمرت الصين في لعبتها ذات النفس الطويل، وما زالت تركز على العلاقات التجارية وشؤون الطاقة، وتقديم القروض والاستثمار الطويل الأجل في البنى التحتية، على الصعيدين المادي والافتراضي (التكنولوجي) في المنطقة. وتعمل على نسج خيوط متينة تربط الشرق الأوسط بالعملاق الأوراسي المستقبلي، وعاصمته الصين.
أميركياً، كان 2019 عاماً آخر للاضطراب السياسي. ما زال ترمب يقرأ في صفحة مختلفة عن الصفحة التي يقرأ فيها معظم مستشاريه. في سوريا، فاجأ ترمب مستشاريه بتخليه عن الأكراد، وفي ليبيا، أبدى ميله للجنرال خليفة حفتر علناً. وفيما ‏يتعلق بإيران حافظ ترمب على أقصى قدر من حملة الضغط، لكنه قاوم نصائح مستشاريه ولم يرد عسكرياً على هجمات إيران ووكلائها في الخليج.
‏على صعيد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، اندلعت نزاعات بين إسرائيل والجماعات المسلحة في غزة مرتين هذا العام. ولم تخف حدة الحصار على القطاع للعام الثاني عشر على التوالي؛ حيث يعيش مليونا شخص في ظروف مروعة، وفي هدنات قصيرة تفصل بين نزاع مسلح وآخر. وعلى المستوى السياسي، أهيل تراب إضافي على عملية السلام. حيث اعترفت الولايات المتحدة بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، وأعلنت أن المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية، لم تعد غير قانونية بالنسبة للولايات المتحدة. أما «صفقة القرن» الغامضة التي أعلنت عنها واشنطن فبقيت مجرد شائعة ولم ترقَ إلى مرتبة الحقيقة.
ختاماً، ومع نهاية هذا العام الذي يقفل الباب على عقد حافل، دعونا نأمل أن تفتتح السنة المقبلة عقداً جديداً يحمل في طياته تطورات إيجابية، تفتح الباب أمام مستقبل أفضل لشعوب هذه المنطقة.

* كاتب وأكاديمي لبناني - رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.