سعت مصر إلى تركيز سلوكها السياسي الإقليمي والدولي ضمن مسار التوافق والحلول السلمية وتفادي المواجهات خلال عام 2019. غير أنها لم تجد ذرائع وطاقة كافية لتجنب تصعيد خطر مع تركيا في ملفي ثروات البحر المتوسط، وليبيا، كما بقيت جهودها لإيجاد حل لأزمة «سد النهضة» مع إثيوبيا من دون ثمار واضحة. وفي وقت عززت فيه تنسيقها الاستراتيجي مع السعودية والإمارات، وأبقت المطالب الـ13 لدول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب «ضرورة» لعقد مصالحة مع قطر، واصلت تعزيز علاقاتها الأوروبية، وتمتين تحالفها مع واشنطن.
وبرز المشهد الأفريقي ضمن تحركات السياسة الخارجية المصرية لعام 2019، بعد أن تسلمت القاهرة رئاسة الاتحاد الأفريقي، في فبراير (شباط) الماضي. وأظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال العام الماضي، اهتماماً كبيراً بأفريقيا، واضعاً إياها أولوية على خريطة التحركات الخارجية المصرية.
- صراع في الغرب
وعلى حدودها الغربية، كان للسياسة المصرية وجود لافت في الصراع الليبي الذي شهد على مدار العام مواجهات عسكرية محتدمة. وبينما حافظت مصر على موقفها القائم على دعم جهود الأمم المتحدة والتمسُّك بالحل السياسي خياراً وحيداً للحفاظ على ليبيا ووحدة أراضيها، دعمت في المقابل جهود قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر الذي استضافته أكثر من مرة خلال العام، وبحثت معه ملفات مكافحة الإرهاب والميليشيات المتطرفة بهدف «تحقيق الأمن والاستقرار». وأسهم هذا الدعم في القبض على الضابط المصري السابق الهارب هشام عشماوي، داخل الأراضي الليبية، الذي أُدين بتنفيذ عمليات إرهابية وحكم عليه بالإعدام أخيراً.
وخلال الأسبوعين الأخيرين من عام 2019، كثّف الرئيس المصري من إفاداته بشأن موقف القاهرة من التطورات في ليبيا، خصوصاً بعد إبرام حكومة فائز السراج، اتفاقاً مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بشأن تفاهمات أمنية وبحرية، وتعترض عليها مصر وقبرص واليونان، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي وأميركا. وتعهد السيسي أنه «لن يستطيع أحد السيطرة على ليبيا». وقال إن الجارة الغربية، فضلاً عن السودان «يمثلان أمناً قومياً لمصر، ولا تخلي عن دعم الجيش الوطني».
وبالنظر إلى التوترات القائمة بين البلدين منذ 2013، اتجهت العلاقات بين مصر وتركيا نحو مزيد من التصعيد، وأججها الصراع بشأن التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، والتدخل التركي في ليبيا، والانتقادات التركية المستمرة للأوضاع في مصر.
ووفق تقدير المدير الأسبق لجهاز الشؤون المعنوية في الجيش المصري اللواء سمير فرج، فإن أنقرة «تسعى إلى التصعيد ضد المصالح المصرية إلى درجة الحافة في البحر المتوسط، بغرض محاولة تحقيق مكاسب تتعلق بالدرجة الأولى بمصادر الطاقة، ومن خلال دعمها ميليشيات مسلحة مرتبطة بحكومة الوفاق الوطني تتصور أنها يمكنها فرض وجودها في المنطقة».
ويعتقد فرج أن المساعي التركية في «دعم المجموعات المسلحة في ليبيا» تثير «قلقاً كبيراً، خصوصاً في ظل تماس الحدود الغربية لمصر مع ليبيا من خلال نحو 1200 كيلومتر». واستشهد بأن «مصر أكدت عبر مستويات مختلفة، أبرزها الرئاسية، أن ليبيا والسودان أمن قومي للقاهرة، وبالتالي لا يمكن السماح بأن يتعرضا للخطورة».
- التحالف الرباعي
عربياً، واصل التحالف الرباعي الذي تعد مصر أحد أضلاعه، بمشاركة السعودية والإمارات والبحرين، جهوده في مواجهة «التدخلات الخارجية» في المنطقة، وعلى رأسها الدوران التركي والإيراني، فضلاً عن التنسيق المستمر تجاه الأزمات الإقليمية، الذي عبرت عنه الزيارات المكثفة والمتبادلة لزعماء تلك الدول على مدار العام.
وأظهر الرئيس المصري تمسكاً بالمطالب الـ13 التي أعلنتها الرياض والقاهرة وأبوظبي والمنامة قبل أكثر من عامين للمضي في «المصالحة مع قطر»، مشدداً خلال فعاليات «منتدى شباب العالم»، أواخر العام، على ضرورة وجود إجراءات تعزز بناء «علاقات مستقرة بعيدة عن التدخل بالشؤون الداخلية، خصوصاً مع وجود وسائل إعلام (لم يسمّها) تمارس التآمر».
ووفقاً للسفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فإن «مستوى الزيارات بين قادة ومسؤولي التحالف ووتيرتها أكدت صلابة العلاقات التي تدار على أعلى مستوى، وتوافر إرادة سياسية لتعزيزها بشكل مستمر». ويتفق مع الرأي السابق اللواء سمير فرج الذي أكد بدوره «تماسك الموقف الرباعي العربي من الدوحة»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري «رهن عودة العلاقات إلى طبيعتها مع قطر، باستجابتها لمطالب دول التحالف».
- أفريقيا
شكلت الرئاسة المصرية للاتحاد القاري، فرصة سانحة لقيادة قمم دولية - أفريقية على مدار العام، بدأت بمشاركة السيسي في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، في 15 فبراير، كأول رئيس غير أوروبي يلقي كلمة أمامه، تبعته «قمة الحزام والطريق» في بكين نهاية أبريل (نيسان)، وكذا «قمة مجموعة العشرين» باليابان في يونيو (حزيران)، وقمة «مجموعة السبع الكبرى G7 وأفريقيا» في بياريتز الفرنسية نهاية أغسطس (آب)، والقمة السابعة لمؤتمر «تيكاد» نهاية أغسطس أيضاً، في طوكيو.
كما شملت ترؤس السيسي القمة الروسية - الأفريقية في سوتشي، بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والقمة الألمانية - الأفريقية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع المستشارة أنغيلا ميركل.
ويرى الدكتور مصطفى الفقي أن مصر كانت في حاجة لتعزيز موقفها في القارة بعد سنوات من الابتعاد أثرت في نفوذها السياسي والاقتصادي، ووجدت الفرصة سانحة في رئاسة الاتحاد الأفريقي. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الدبلوماسية المصرية نجحت بشكل كبير في استثمار عام رئاستها للاتحاد، وتمكنت من توظيف هذا الدور في خدمة المصالح المصرية إقليمياً ودولياً».
وقالت مقررة لجنة الشؤون الأفريقية في المجلس المصري للشؤون الخارجية السفيرة منى عمر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإدراك المصري لأهمية القارة الأفريقية لم يغِب أبداً عن الدبلوماسية المصرية، لكنه شهد أفولاً في سنوات سابقة وتم تداركه، وبشكل أكثر كثافة العام الماضي».
دور مصر رئيساً للاتحاد الأفريقي، تلاقى مع حسابات أمنها القومي، في التعامل مع التطورات العاصفة التي دارت بالسودان في 2019، وشهدت عزل الرئيس عمر البشير في أبريل، إذ سعت الدبلوماسية المصرية إلى لعب دور بارز في مرحلة ما بعد البشير، انطلاقاً من ارتباطها التاريخي والجغرافي بالجار الجنوبي.
بدوره، أرسل التوجه المختلف للمجلس العسكري الانتقالي بالسودان، رسائل إيجابية لإمكانية تعزيز العلاقات مع مصر، خصوصاً بعد قيام رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بزيارة القاهرة نهاية مايو (أيار) الماضي، كأول زيارة خارجية له. وهو ما عدّه رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة «مفتاحاً مهماً لمحو التوترات التي حدثت مطلع العام مع نظام البشير»، متوقعاً أن «ينعكس ذلك على التوصل إلى حلول للقضايا الخلافية كافة بين البلدين، ومن بينها الحدود».
- روسيا
الحضور الروسي القوي في مصر تواصل خلال العام، في ظل علاقة قوية تجمع الرئيسين بوتين والسيسي. ومنذ توقيع «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين نهاية 2018، عملت القاهرة وموسكو على توسيع علاقات التعاون، خصوصاً في المجال العسكري.
وتحدثت مواقع روسية عن عزم مصر إجراء صفقة مع روسيا بقيمة ملياري دولار لشراء أكثر من 20 طائرة مقاتلة من طراز «سوخوي - 35»، وسط أنباء عن تلويح أميركي بعقوبات ضمن قانون «كاتسا». وفي زيارته للقاهرة في نوفمبر الماضي، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إن بلاده «مستعدة لتقديم العون في تعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية». وبين مصر وروسيا اتفاقيات تعاون مشتركة كبرى، على رأسها مشروع الضبعة النووي شمال مصر الذي يمضي قدماً بتعاون روسي، إضافة إلى مناورات عسكرية سنوية تحت عنوان «حماة الصداقة».
ورغم التعاون الواسع مع روسيا، فإن القاهرة حافظت على علاقتها بواشنطن. وتلقى السيسي دعماً قوياً من الرئيس الأميركي في 2019، ظهر في مواجهة الاضطرابات الداخلية بمصر، في سبتمبر (أيلول) الماضي، حين قلل دونالد ترمب من أهمية مظاهرات معارضة نادرة، مؤكداً أن «لمصر قائداً عظيماً محترماً (السيسي)، وقبل أن يأتي للسلطة في مصر كانت هناك فوضى». والثانية في التدخل الأميركي لحل أزمة «سد النهضة» الإثيوبي التي استفحلت بعد إعلان القاهرة فشل المفاوضات الثلاثية قبل 3 أشهر.
ويقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السيد أمين شلبي لـ«الشرق الأوسط»، إن التدخل الأميركي في تلك المفاوضات «حوّلها إلى مسار جديد، ويعد انتصاراً معنوياً لوجهة النظر المصرية، بعد أن نجحت في إدخال طرف دولي في الأزمة»، لكنه رهن النجاح في حلحلة الأمور بمدى استعداد واشنطن لإلقاء ثقلها السياسي، قبل الموعد المحدد لتسوية القضايا الخلافية منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل.
وبموجب «اتفاق واشنطن» لحل الخلافات حول قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي، تقرر مشاركة البنك الدولي ومندوب عن الولايات المتحدة، كمراقبين، في 4 جولات تفاوضية تعقد على مستوى وزراء المياه في مصر وإثيوبيا والسودان، قبل حلول 15 يناير المقبل. كما تقرر اللجوء إلى وساطة، في حال فشل التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية بحلول هذا الموعد.
ويصف الخبير في شؤون حوض النيل هاني رسلان، موقف المفاوضات بشأن «سد النهضة» بأنها «شهدت تقدماً حقيقياً وإن بحذر، وبات يسودها أمل حقيقي قادر على الصمود حتى اللحظة بشأن التوصل إلى اتفاق بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد». وبدا أننا «أمام حلحلة خجولة، على الأقل بعد نجاح القاهرة في إشراك واشنطن والبنك الدولي مراقبين، وهو المطلب الذي حاولت أديس أبابا تجنبه في المراحل السابقة».
حلحلة خجولة في «أزمة السد»... وتصعيد يصل إلى الحافة مع تركيا
«قلق» مصري إزاء ليبيا والسودان... وتمسك بالموقف حيال قطر
حلحلة خجولة في «أزمة السد»... وتصعيد يصل إلى الحافة مع تركيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة