انتفاضات 2019: تأسيس عالم جديد أقل ظلماً وقمعاً

متظاهرون في ساحة الشهداء ببيروت (أ.ف.ب)
متظاهرون في ساحة الشهداء ببيروت (أ.ف.ب)
TT

انتفاضات 2019: تأسيس عالم جديد أقل ظلماً وقمعاً

متظاهرون في ساحة الشهداء ببيروت (أ.ف.ب)
متظاهرون في ساحة الشهداء ببيروت (أ.ف.ب)

اندلعت مظاهرات هونغ كونغ في مارس (آذار) الماضي بعد إقرار المجلس التنفيذي مشروع قانون يتيح إبعاد المطلوبين إلى دول لا تربطها مع حكومة الإقليم ذي الحكم الذاتي معاهدات تبادل المطلوبين، ما أثار مخاوف بين مواطني المستعمرة البريطانية السابقة من أن يكون القانون مقدمة للانقضاض على الحريات العامة وتبني السياسات ذاتها السائدة في البرّ الصيني الذي تدين له الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ، كاري لام، بالولاء.
المظاهرات المستمرة منذ الربيع الماضي بوتائر متقلبة، لم تسفر عن تراجع السلطات عن قراراها، ولا عن تنفيذ باقي مطالب المتظاهرين التي تحولت إلى دعوات إصلاحية تشمل إعادة النظر في انتخاب المجلس التنفيذي واستقالة رئيسته وهيكلة جهاز الشرطة المتهم باللجوء إلى القوة المفرطة في التعامل مع المحتجين.
وفي العالم العربي، تجددت الثورات التي انطلقت موجتها الأولى قبل ثماني سنوات لتشمل هذه المرة الجزائر والسودان والعراق ولبنان رغم الإخفاق الذي رافق أكثرية ثورات الموجة الأولى والقمع الدموي والانقسام الأهلي الذي وسمها. وتمكن المحتجون السودانيون من التوصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري لتقاسم السلطة وتعيين مدني في منصب رئيس الوزراء. وفي الجزائر تشهد ساحات العاصمة والكثير من المدن مظاهرات حاشدة منذ فبراير (شباط) الماضي على الرغم من انتخاب رئيس جديد للبلاد في ديسمبر (كانون الأول) وسط مقاطعة مؤثرة للعملية الانتخابية وشكوك في شرعية النتائج التي أسفرت عنها.
في العراق، لم يفلح القمع المجنون الذي مارسته أجهزة أمنية عدة بالتحالف مع ميليشيات مسلحة وأدى إلى سقوط أكثر من 400 ضحية، في طي صفحة الاحتجاجات على الفساد المتفشي في البلاد وتسلط المجموعات الحزبية الحاكمة منذ 2003 على مقدرات العراق الضخمة، وهو التسلط الذي جعل من العراق تجربة غير مسبوقة على مستوى العالم في مستوى نهب المال العام والتفارق بين ثروات القلة وفقر الكثرة. دفعت الانتفاضة العراقية السلطة إلى أزمة حكومية حادة تتمثل في الاختلاف على تعريف الكتلة النيابية الأكبر ما استدعى تدخل المحكمة العليا. بيد أن الانتفاضة أظهرت خصوصاً إفلاس المجموعة الحاكمة التي حاولت المناورة بطرح أسماء من ذات الانتماء الحزبي المرفوض لتولي رئاسة الحكومة بعد استقالة رئيسها السابق عادل عبد المهدي الذي أوغل في دماء العراقيين. ولا فرق هنا أكان عبد المهدي يمالئ أصحاب القرار الحقيقيين في مسألة إطلاق النار على المتظاهرين أو أنه هو من أصدر تلك الأوامر، فالمسؤولية يتحملها هو ومنفذو المجازر.
في إيران المجاورة للعراق، ردت السلطات على احتجاجات المواطنين على الرفع المفاجئ لأسعار المحروقات بحملة دموية ضد المتظاهرين الذين لم تتح لهم فرصة التجمع والتعبير عن المطالب، إذ أردى رصاص قوى الأمن ما يتراوح بين 300 و1500 إيراني في أقل من أسبوعين من الاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية.
في لبنان، بعد شهرين ونيف من نزول مئات آلاف المواطنين إلى الشوارع رفضاً للفساد وتدهور المستوى المعيشي ونظام الزبائنية الطائفية، تبدو الجماعة الحاكمة كمن يعيش على كوكب آخر إذ اكتفت بتكليف شخصية باهتة وغير مقنعة مهمة تشكيل الحكومة المقبلة في وقت يكاد هدير الكارثة الاقتصادية وصرخات الجائعين والمتألمين يصم الآذان.
وثمة من يطلق على انتفاضات وثورات القارة الأميركية الجنوبية تسمية «الربيع الأميركي اللاتيني». ثورة تشيلي التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على سياسات الرئيس سيباستيان بينيرا التقشفية والتي تفرض على فئات واسعة من التشيليين تحمل أعباء الخصخصة وزيادة أسعار الخدمات الأساسية، والتي تحظى باهتمام خارجي أكثر من غيرها، تصب في سياق انتفاضات شملت بوليفيا التي أطيح فيها بالرئيس إيفو موراليس الذي ظهرت ميوله التسلطية ورغبته بالبقاء الأبدي في الحكم، وفي الإكوادور وهاييتي.
في هذه الأثناء، تبدو حركة «السترات الصفر» في فرنسا، كامتداد وحيد لهذا الحراك العالمي إلى دولة صناعية كبرى (إذا استبعدت من الحساب مساعي الاستقلال عن إسبانيا في كاتالونيا).
الكثير من السمات المشتركة تجمع هذه الانتفاضات والثورات والاحتجاجات، منها غياب القيادات المركزية والشخصيات الكاريزمية بل البرامج الواضحة. وغالباً ما تبدأ المظاهرات احتجاجاً على قرار حكومي معين، بفرض رسوم على تطبيق «واتساب» في لبنان، زيادة تعرفة المترو في تشيلي... لتتطور مطالبها ويرتفع سقفها السياسي وصولاً إلى الدعوات إلى تغيير النظام وإسقاطه، بفضل إدراك المتظاهرين للروابط المتينة بين القرارات الاقتصادية وبين النظام السياسي وممارسات الطبقات الحاكمة.
عموم التحركات هذه أجزاء واسعة من العالم، يشير إلى تدشين حقبة تاريخية جديدة. وإذا كانت الموجات الثورية ليست حدثاً فريداً في التاريخ، وآخرها الثورات العربية في 2011 وقبلها الثورات الأوروبية الشرقية في 1989 فإن تعدد البيئات السياسية والاجتماعية للبلدان التي تشهد حالياً هذه الانتفاضات يعلن أن تطلباً مرتفعاً لدى الأجيال الشابة للحقوق والمساواة والعدالة، يسير في موازاة رفض الفساد والقمع ومصادرة الحريات. ولئن اشتركت الانتفاضات في نقاط ضعف واضحة من مثل غياب البرنامج والقيادة وهلامية التنظيم والتنسيق بين مكوناتها، وهي صفات يصر بعض الناشطين عليها كأدوات للحماية الذاتية من بطش السلطات، إلا أن هذا النوع من اللامركزية يشبه شبهاً كبيراً «الشبكات» العالمية كالإنترنت والاتصالات والنقل الجوي.
تشابه الانتفاضات مع محيطها المادي يقود إلى الاعتقاد بعمق هذه التحركات وقابليتها للبقاء طويلاً في المشهد العام وإمكان دخولها التدريجي إلى نسيج السلطة حتى لو بدا أنها قد قُمعت واختفت نهائياً.



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.