وزير إسرائيلي يدعو لتفكيك السلطة الفلسطينية إذا لم تسحب الدعاوى من «لاهاي»

أشتية دعا الشركات العاملة في المستوطنات إلى إلغاء مشاريعها

سائح يلتقط صورا أمام الجدار الفاصل في بيت لحم التي تحتفل بميلاد المسيح هذه الأيام (أ.ف.ب)
سائح يلتقط صورا أمام الجدار الفاصل في بيت لحم التي تحتفل بميلاد المسيح هذه الأيام (أ.ف.ب)
TT

وزير إسرائيلي يدعو لتفكيك السلطة الفلسطينية إذا لم تسحب الدعاوى من «لاهاي»

سائح يلتقط صورا أمام الجدار الفاصل في بيت لحم التي تحتفل بميلاد المسيح هذه الأيام (أ.ف.ب)
سائح يلتقط صورا أمام الجدار الفاصل في بيت لحم التي تحتفل بميلاد المسيح هذه الأيام (أ.ف.ب)

في الوقت الذي بدأت فيه لجنة وزارية خاصة تجري أبحاثاً سرية حول سبل معالجة قرار المحكمة الجنائية الدولية إجراء تحقيقات ضد إسرائيل بشأن ارتكابها جرائم حرب في فلسطين، توجه وزير المواصلات، بتصلئيل سموتريتش، إلى رئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، مطالباً بتهديد السلطة الفلسطينية بتفكيكها رداً على المحكمة.
وقال سموتريتش، أحد أقطاب أحزاب اليمين المتطرف، إنه «يجب إمهال السلطة الفلسطينية 48 ساعة من أجل سحب الدعوى التي قدمتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي، فإذا لم تسحبها، يجب العمل على انهيارها فوراً». وقال الوزير الإسرائيلي، إن ما قاله في الماضي يثبت اليوم بوضوح: «فالمزايا الإسرائيلية في وجود السلطة الفلسطينية لا تساوي واحداً في المائة من الضرر السياسي الكبير الذي تسببت فيه لنا». وعلى طريقة «تدفيع الثمن»، التي يمارسها المستوطنون المتطرفون والإرهابيون من أتباع كهانا، طالب الوزير رئيس حكومته بالرد على قرار محكمة لاهاي بسلسلة إجراءات من ذلك النوع الذي يعتبر خرقاً للقانون الدولي، مثل إخلاء وهدم وإزالة حي الخان الأحمر الفلسطيني وتوسيع المستوطنات والإعلان عن مستوطنات جديدة، مشيراً إلى أن الدعم الأميركي الذي تتلقاه إسرائيل كافٍ من أجل المواصلة في المشاريع والمخططات الإسرائيلية.
وقد رد الفلسطينيون على ذلك بإصدار مرسوم رئاسي، بموجبه منح الرئيس، محمود عباس، أمس (الاثنين)، الجهات الفلسطينية ذات الاختصاص، الصلاحيات من أجل التحضير القانوني لاستكمال ملفات المحكمة الجنائية الدولية، بما يتماشى مع قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، بفتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة نفذها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة الفلسطينية، رياض المالكي، إنه بموجب المرسوم، تم الشروع في تشكيل الفرق في التخصصات كافة والتشبيك مع الشركاء من مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ونقابة المحامين، إضافة إلى فريق المحامين الدوليين لإعداد الملفات للمحكمة الدولية. ووفقاً للمالكي، فإن العمل القانوني تضاعف أربع مرات لإنجاح المهمة، مؤكداً أنه ستتم دراسة كل الخيارات والاحتمالات للتحضير لأي خطوة استباقية ممكن أن تتم من طرف إسرائيل تجاه المحكمة الجنائية الدولية.
من جهته، توجه رئيس الوزراء الفلسطيني، الدكتور محمد أشتية، إلى الشركات الأجنبية العاملة في المستوطنات الإسرائيلية الاستعمارية لسحب تواجدها في المستوطنات، محذراً من أنها ستتعرض للمساءلة أمام المحكم الدولية في حال بقائها هناك.
وكانت اللجنة الوزارية الإسرائيلية، التي أقيمت لغرض مواجهة قرار محكمة لاهاي، قد باشرت أبحاثاً فرض عليها الكتمان في الموضوع. ومما تسرب عنها، قرار التوجه إلى الإدارة الأميركية لتنسيق الجهود المشتركة ضد المحكمة، لثنيها عن مواصلة مسار التحقيق. وأمس، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريراً، يطعن في استقامة بنسودا ويتهمها بالعمل إلى جانب رئيس بلادها (غامبيا)، يحيى جاما، الذي كان قد وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري في سنة 1994 وأثيرت حوله شبهات بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه. وقالت الصحيفة، إن «السيدة التي تدافع عن حقوق الإنسان في العالم كانت مدعية عامة في وزارة القضاء في بلادها تحت حكم جاما، وساهمت في منح الشرعية لممارساته ضد معارضيه». وقالت: إن جاما هرب من بلاده بعدما كشفت ممارساته ووصلت الشكاوى ضده إلى المحكمة الدولية.
من جهته، حذر وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، أمس، من «محاولات إسرائيل إخافة بنسودا ومن الضغط على القضاة في الدائرة التمهيدية، للخروج برؤية مختلفة تماماً عن تلك التي وصلت إليها المدعية العامة وفريقها، بغرض تملص إسرائيل من مسؤوليتها أمام المحكمة».
وفي السياق، أكد مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان، شعوان جبارين، إن قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية يعد نقلة نوعية في مسار القضية الفلسطينية، وسيتبعه مشوار طويل يحتاج إلى جهود قانونية كبيرة واحترافية. وقال: «اليوم بلغنا نقطة تحول مهمة بانتهاء الفحص الأولي، وهذا شيء مهم جداً. لقد قدمنا ما يقارب الخمسين بلاغاً من الجانب الرسمي والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية للمدعية العامة، وإسرائيل قدمت أكثر من سبعين بلاغاً للمحكمة، وهي بلا شك قادرة على عرقلة عمل المحكمة، فهي لديها ممارسات أقرب للفاشية. إلا أن المحكمة وصلت لقناعة أن إسرائيل غير معنية بإنصاف الفلسطينيين وملاحقة المجرمين».
ورأى مدير عام مركز «عدالة» الحقوقي في إسرائيل، المحامي حسن جبارين، فتح تحقيق مع إسرائيل، بأنها خطوة مهمة وقرار تاريخي مع بعض التحفظات. وهو قرار تاريخي كونه صدر عن أعلى سلطة جنائية بخصوص التحقيقات، وهي سلطة المدعي العام وفقاً لبند 15 لميثاق روما المختص الأول بالتحقيقات في أمور تخص جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأما التحفظات، فلأن القرار جاء متأخراً سنوات عدة استغلتها إسرائيل لارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين. وقال جبارين، إن هذا القرار يختلف عن القرارات السابقة التي اتخذتها المحكمة، مثل قرار إدانة جدار الفصل العنصري وتقرير «غولدستون». فالمحكمة انتقلت من القرار الاستشاري، الذي يقول إن «بناء الجدار يناقض القانون الدولي»، إلى قرار جنائي. إننا اليوم في مرحلة جديدة. فعندما نتحدث عن المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة تستطيع أن تدين وتقرر العقاب على أفراد بما في ذلك الاعتقال والسجن.
وأكد جبارين على أن مؤسسته «عدالة»، التي خاضت معارك كبرى في القضاء الإسرائيلي، تمتلك آلاف الوثائق التي يمكن أن تعين الفلسطينيين على التقدم في القضايا ضد الممارسات الإسرائيلية وأنه مستعد لوضع كل هذه الوثائق بين أيدي المحكمة الدولية. وأضاف: «من خلال تجاربنا هذه، تراكمت لدينا الكثير من الملفات المهمة». وقال: «بحكم موقفنا ووثائقنا القيمة، نحن نتوقع أن يهاجمنا اليمين الإسرائيلي، ونتوقع أن يتم السعي لسن قانون يمنع من مؤسسات وجمعيات مسجلة في إسرائيل تقديم أي عون للمحكمة الدولية، ونتوقع كذلك أن يشن حملة تحريضية على منظمات حقوق الإنسان، لكن واجبنا أن نقدم أي مساعدة للجنائية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.