فشل جهود تشكيل حكومة إسبانية قبل نهاية السنة

«الحزب الاشتراكي» راهن على التفاوض مع «اليسار الجمهوري الكاتالوني»

بوتشيمون يستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)
بوتشيمون يستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)
TT

فشل جهود تشكيل حكومة إسبانية قبل نهاية السنة

بوتشيمون يستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)
بوتشيمون يستعد لعقد مؤتمر صحافي في بروكسل الخميس (أ.ف.ب)

تبخّرت الآمال الضئيلة، التي كانت معقودة لتشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة قبل نهاية العام الحالي، كما يطمح الرئيس المكلّف الاشتراكي بيدرو سانشيز، وكما سبق للملك فيليبي السادس، أن شدّد عليه خلال جولة الاستشارات التي أجراها مع زعماء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، بعد التطورات السريعة التي تعاقبت في اليومين المنصرمين على المشهد الكاتالوني الذي عاد ليرخي بثقله على الوضع السياسي في إسبانيا، التي تعيش أصعب أزماتها السياسية الحديثة منذ اندلاع الأزمة الانفصالية في خريف عام 2017.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام، المحليّة والدولية، قد ركزّت تغطيتها للشأن الإسباني، في اليومين الماضيين، على قرار البرلمان الأوروبي منح الرئيس السابق للحكومة الإقليمية الكاتالونية كارلي بوتشيمون، ومستشاره السابق توني كومين، بطاقة «مؤقتة» لدخول مبنى البرلمان، إلّا أن المعركة الحقيقية كانت تجري في مدينة برشلونة، حيث كان حزب «اليسار الجمهوري الكاتالوني» يعقد مؤتمره السنوي الذي خُصِّصت مداولاته لتحديد موقف نهائي من خيار الذهاب نحو الإعلان الأحادي للاستقلال، أو العمل ضمن الإطار الدستوري القائم بهدف التوصّل إلى توسيع القاعدة الشعبية للانفصال التي لا تتجاوز في الوقت الحاضر 45 في المائة من السكّان، حسب أفضل التقديرات.
كانت الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في العاشر من الشهر الماضي، قد رسّخت «اليسار الجمهوري» في موقع القوة الأولى في المشهد السياسي الكاتالوني، بعد أن كانت تأتي في المرتبة الثانية بعد تحالف القوى المؤيدة لرئيس الحكومة السابق بوتشيمون، الذي ما زال فاراً من العدالة خارج إسبانيا. ورغم التقاء الجهتين حول هدف الاستقلال، إلا أن «اليسار الجمهوري» بدأ يجنح في الأشهر الأخيرة نحو التخلّي عن المسار الأحادي، الصدامي مع الحكومة المركزية، الذي كانت تكلفته الاقتصادية والاجتماعية باهظة، من غير أن يحقق أي تقدّم ملموس في مسيرة الانفصال عن إسبانيا.
هذا التحوّل في المشهد الانفصالي هو الذي دفع بالحزب الاشتراكي إلى الرهان على التفاوض مع «اليسار الجمهوري الكاتالوني» لتحييده في جلسة الثقة، بعد أن بات يكفيه امتناع هذا الحزب عن التصويت إثر تحالفه مع حزب «بوديموس» الذي يعتبر الأقرب بين القوى السياسية الوطنية إلى مطالب الانفصاليين.
كان «اليسار الجمهوري» قد أعلن يوم الخميس الماضي تجميد المفاوضات مع الاشتراكيين في انتظار موقف القضاء الإسباني من قرار محكمة العدل الأوروبية، التي اعتبرت أن الأمين العام للحزب أوريول جونكيراس، الذي يمضي عقوبة في السجن بتهمة العصيان، يتمتع بالحصانة البرلمانية، وكان مفترضاً أن يُسمَح له بتولّي منصبه كنائب في البرلمان الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي. لكن جونكيراس فاجأ الجميع من معتقله، عندما دعا قيادة الحزب إلى «عدم وقف المفاوضات في أي حال من الأحوال»، مدركاً أن فشل هذه المفاوضات يضع البلاد أمام خيارين لا ثالث لهما: العودة إلى صناديق الاقتراع، وإعطاء اليمين المتطرف فرصة ذهبية أخرى لتعزيز موقعه، أو دفع الحزب الاشتراكي إلى حضن اليمين لتشكيل حكومة صدامية بوجه كاتالونيا.
لكن داخل الحزب الاشتراكي ذاته ثمّة تيّار يميل إلى تشكيل تحالف حكومي «دستوري»، مهما كانت صعوباته ومحاذيره، ويعتبر أن انفتاح سانشيز على الانفصاليين، وتسليمهم مفاتيح بقائه في الحكم أو سقوطه، اليوم وعندما شكّل حكومته الأولى مطلع العام الماضي، مجازفة سياسية خطيرة في الظرف الحالي، لا يمكن أن تؤدي سوى لتعزيز المعسكر الانفصالي عن طريق الابتزاز المستمر للحصول على المزيد من التنازلات، وصعود اليمين المتطرف الذي أصبح يشكّل القوة السياسية الثالثة في إسبانيا منذ اندلاع الأزمة الانفصالية.
الأيام القليلة المقبلة قد تحمل المزيد من المفاجآت في هذا المشهد الذي تتغيّر معادلاته والتوازنات التي تحكمه بسرعة كبيرة. فالقرار الذي صدر عن محكمة العدل الأوروبية ضد قرار المحكمة العليا الإسبانية، يوسّع هامش المناورة عند «اليسار الجمهوري»، ويرفع من سقف مطالبه، فيما يعيد قرار البرلمان الأوروبي بوتشيمون إلى الصف الأمامي في المشهد الانفصالي بعد عثراته الأخيرة، بينما يزداد الضغط على بيدرو سانشيز الذي يحارب على كل الجبهات بذخيرة محدودة جداً، وينتظر الآن رد القضاء الإسباني على قرار المحكمة الأوروبية الذي يطلب الإفراج المؤقت عن زعيم اليسار الجمهوري الكاتالوني ليتسلّم أوراق اعتماده كنائب في البرلمان الأوروبي.
لكن الخطر الأكبر قد يأتي من ميمنة المشهد السياسي الإسباني، التي يخشى أن ترجح كفة المتطرفين فيها عند أول استحقاق انتخابي. فبعد أن أعلن الناطق بلسان حزب «فوكس» أن قرار المحكمة الأوروبية هو بمثابة «الاعتداء على السيادة الإسبانية»، دعا زعيم الحزب سانتياغو أباسكال، أمس، إلى العصيان في وجه المؤسسات الأوروبية، وقال إن «المحاكم الأوروبية أفرجت عن إرهابيين ومغتصبين، واليوم توجّه إلينا صفعة أخرى بإعلان بوتشيمون نائباً في البرلمان الأوروبي. على إسبانيا أن ترفض الامتثال لأي قرار يصدر عن الذين ينتهكون سيادتنا وأمننا». وفي صفوف الحزب اليميني المتطرف لم تعد قليلة تلك الأصوات التي بدأت تتحدث عن «سباكزيت» (أي خروج إسبانيا من الاتحاد الأوروبي) بعد النتائج المدّوية للانتخابات البريطانية، ودخول الأزمة الانفصالية الكاتالونية مرحلة جديدة من التصعيد.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».