استراتيجية أميركية جديدة لمنطقة الساحل الأفريقي

تعتزم الإدارة الأميركية وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي والتي، رغم سنوات من الجهود الأميركية والدولية فيها، ما تزال الجماعات المتطرفة تكتسب أرضية فيها. وفي إطار هذه الاستراتيجية تستعد واشنطن لتنصيب مبعوث خاص جديد وفريق عمل رفيع المستوى تكون مهمته التعامل مع التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي، استجابة لتنامي القلق في واشنطن بشأن صعود الجماعات المتطرفة في منطقة غرب أفريقيا خصوصا، ومنها ما له صلة بتنظيم «داعش».
ويأتي هذا الإجراء في الوقت الذي تنفذ فيه الجماعات المتطرفة هجمات خطيرة على نحو متزايد في مالي والنيجر وبوركينا فاسو كما تنتشر في الجنوب.
وتكتسب الجماعات المتطرفة قوة رغم غارات العمليات الخاصة التي تقودها الولايات المتحدة وغارات الطائرات من دون طيار، والجهود الطويلة التي بذلتها البلدان الغربية وحكومات غرب أفريقيا للقضاء على هذه الجماعات.
وتستعد الإدارة لتعيين مبعوث خاص يرأس فريق عمل مشتركا من مسؤولين من وزارة الخارجية، وأجهزة الاستخبارات، ووزارة الدفاع، ووزارات وهيئات أخرى لتنسيق الاستجابة الأميركية حيال الجماعات المتطرفة بالمنطقة، حسبما أفادت مجلة «فورين بوليسي» نقلا عن مسؤولين حاليين وسابقين ومساعدين بالكونغرس على دراية بالأمر.
وما تزال تفاصيل الخطة قيد الإعداد، لكن العديد من المسؤولين ذكروا أن الإدارة تقوم أيضاً بصياغة استراتيجية جديدة لمنطقة الساحل لتوجيه العمل. ويحذر كبار المسؤولين الأميركيين والأمم المتحدة من تصاعد وسرعة وتيرة العنف في منطقة الساحل، وهي مساحة شاسعة السكان جنوب الصحراء.
فقد تضاعفت موجة العنف التي تنفذها جماعات متطرفة في المنطقة بصورة سنوية وذلك منذ عام 2015، وفقاً لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من واشنطن مقراً له.
وشهد عام 2019 وحده 700 حلقة عنيفة، بما في ذلك هجوم ضخم على قاعدة عسكرية في غرب النيجر هذا الشهر أسفر عن مقتل أكثر من 70 جندياً نيجرياً.
وكان تيبور ناجي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية قد ذكر في مؤتمر صحافي الشهر الماضي أن «منطقة الساحل الأفريقي تعد أصعب ما يواجهنا الآن في القارة». وأضاف أن «تهديد الإرهاب والتطرف العنيف في تزايد، ولم يعد الأمر في شمال مالي فحسب، بل هو في طريقه إلى بوركينا فاسو وهناك بلدان أخرى مثل غانا وتوغو وبنين في حالة تأهب».
وحين سئل عما إذا كانت الجهود الدولية المبذولة لمواجهة التهديدات ناجحة، أجاب ناجي: «لا، إنها ليست كذلك، نحن بحاجة إلى مشاركة أكثر قوة بكثير، يجب أن يكون هناك تنسيق أقوى بكثير».
وتستغل الجماعات المتطرفة في الساحل، بما في ذلك «داعش» في الصحراء الكبرى وأنصار الإسلام وجبهة تحرير ماسينا، المشكلات المحلية الاقتصادية والعرقية لكسب موطئ قدم في تلك البلدان وزيادة استقطاب الأعضاء الجدد لها، مما يؤدي إلى استمرار الأزمة التي تسببت في فرار مليون شخص من منازلهم في مالي وغرب النيجر وبوركينا فاسو. ولم تتمكن القوات الدولية - بما في ذلك القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوة عسكرية إقليمية وقوة من القوات الأميركية في النيجر - من إضعاف الجماعات الإرهابية أو قمع تصاعد العنف في المنطقة.
وقال جود ديفيرمونت، وهو محلل سابق كبير بوكالة الاستخبارات المركزية، وهو الآن مدير برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن لمجلة «فورين بوليسي»: «هذه واحدة من أخطر التحالفات المتطرفة، فهم يجيدون إيجاد طرق جديدة للانضواء في المجتمعات المحلية واستقطاب أعضاء جدد لهم من خلال استغلال التوترات العرقية أو الدينية أو الاقتصادية».
وقال ديفرمونت إن الحكومات في المنطقة، وخاصة مالي، بحاجة إلى معالجة أسباب الشكاوى السياسية والاقتصادية لدى المواطنين في المجتمعات التي تعمل الجماعات المتطرفة على استهدافها.
تنسق الولايات المتحدة سياستها بشأن منطقة الساحل مع الاتحاد الأفريقي والحكومات الإقليمية والحلفاء الأوروبيين، ويتوقع مراقبون أن إدارة الرئيس ترمب تسعى لتعيين مبعوثها الجديد في الساحل هذا العام حتى يكون لها مسؤول كبير واحد للتنسيق معه.
وكانت ويتني بيرد، نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لغرب أفريقيا والشؤون الأمنية، قد أفادت أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بالكونغرس الشهر الماضي بأن الإدارة تدرس فكرة تعيين مبعوث خاص لكنها لم تلتزم بهذه الخطوة، والموقف قيد الدراسة، نحن نبحث عن أي طرق ممكنة للمساعدة في التأثير على الموقف هناك بطريقة إيجابية.
وأفادت تقارير بأن للولايات المتحدة نحو 800 جندي في النيجر، وأنشأت مؤخراً قاعدة عسكرية للطائرات المسلحة من دون طيار والطائرات التقليدية في وسط النيجر.

وكان متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قد تحدث للصحافيين عن مشاركة الولايات المتحدة في منطقة الساحل، قائلاً إن الولايات المتحدة «تنسق من كثب المساعدات» في المنطقة مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا والمانحين الآخرين.
وأضاف: «تدعم الولايات المتحدة القوة المشتركة للساحل من خلال مساعدة القطاع الأمني مباشرة»، وقال إن «نهجنا يركز على الملكية المحلية والاستدامة والتنسيق مع الجهات المانحة الأخرى».