قوى تونسية مناوئة لـ«النهضة» تؤسس «مرصداً» للدفاع عن «مدنية الدولة»

TT

قوى تونسية مناوئة لـ«النهضة» تؤسس «مرصداً» للدفاع عن «مدنية الدولة»

تمخضت الاتهامات الموجهة إلى قيادة حركة «النهضة» بإقرار تعيينات «مشبوهة» في مجلس النواب التونسي، عن إعلان مجموعة من الشخصيات، تضم حقوقيين ومفكرين وأساتذة جامعيين ونواباً سابقين وسينمائيين وإعلاميين، تأسيس «مرصد وطني للدفاع عن مدنية الدولة»، هدفه رصد ما تقوم به قوى الإسلام السياسي، ومراقبة خطواتها التي تعمل من خلالها على «تخريب مدنية الدولة» في تونس، حسب ما يقول داعمو فكرة إنشاء هذا المرصد.
وتجد هذه المجموعة المناهضة للإسلام السياسي دعماً واسعاً من تيارات يسارية وبعض القوى الليبرالية، علاوة على منظمات نقابية وحقوقية، وهو ما يعطي زخماً أكبر لتحركها الهادف إلى «محاصرة تمدد مشروع قوى الإسلام السياسي» في البلاد.
ومن أسباب تأسيس هذا الهيكل الحقوقي، كما أعلن عن ذلك مؤسسو «المرصد»، «تناقض برامج قوى الإسلام السياسي مع النموذج الديمقراطي المدني الذي قامت من أجله ثورة تونس، خصوصاً في ظل تواصل الهجوم الشرس واستهداف مدنية الدولة ومؤسساتها، وتفاقم مخاطر تمكّن الإسلام السياسي المتشدد والمتطرف من مفاصل الدولة، وتزايد تأثيره على التعليم والمجتمع والثقافة، وتعطيله لمسار التحديث السياسي والاجتماعي واعتماد اختيارات اقتصادية مشبوهة». وتخشى أطراف سياسية عدة مما تصفه بـ«تغوّل» قوى الإسلام السياسي بقيادة حركة «النهضة»، وتتهمها بتشكيل «أمن موازٍ»، وبمحاولة السيطرة على مفاصل الدولة وتهديد مدنيتها منذ عودة الحركة الإسلامية من المنفى إلى الساحة السياسية بعد عام 2011.
ويقول مشاركون في إنشاء «المرصد»، إنهم سيعملون على مراقبة الخطوات التي تقوم بها قوى الإسلام السياسي، والتي تسعى من خلالها إلى «تخريب الدولة وأسسها المدنية»، ويؤكدون أنهم سيعملون أيضاً على «التصدي السلمي» لمسعى الإسلاميين «بهدف حماية النموذج التونسي».
كانت حركة «النهضة» قد اضطرت، نهاية سنة 2013، إلى مغادرة السلطة إثر تزعمها المشهد السياسي بعد ثورة عام 2011، وقيادتها لتحالف «الترويكا» مع حزبي «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» و«المؤتمر من أجل الجمهورية».
وتحالفت آنذاك قوى سياسية يسارية (تحالف الجبهة الشعبية) مع اتحاد الشغل (نقابة العمال) للإطاحة بحكم «النهضة»، ونجحت في هذا المسعى الذي توّج بخسارة «النهضة» الصدارة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت سنة 2014.
على صعيد آخر، واصل عدد من المحتجين من شباب ولاية (محافظة) تطاوين (جنوب شرقي تونس) الاعتصام الذي شرعوا في تنفيذه أول من أمس بمقر الولاية، مطالبين بتفعيل بنود اتفاق تم التوصل إليه سنة 2017 مع ممثلي الحكومة التونسية، كما طالبوا بإقالة والي الجهة باعتباره الممثل الأول للحكومة في المنطقة.
كان المحتجون قد أمهلوا الحكومة مدة أسبوع لتطبيق بنود «اتفاق الكامور» المبرم منذ عام 2017، غير أن عدم إيلاء الأهمية الكافية لهذا التحرك أدى إلى مزيد من التصعيد، وتحولت شعارات المحتجين إلى «الشعب يريد» و«جاهزون سيدي الرئيس»، في تفاعل مع ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في سيدي بوزيد بمناسبة الذكرى التاسعة لاندلاع الثورة، حيث أكد أن الشعب سيأخذ حقه بيده، وهو ما كان محل انتقادات واسعة في الساحة السياسية التونسية.
وطالب علي الشتوي، أحد أعضاء تنسيقية «اعتصام الكامور»، بالتزام الحكومة باستكمال تشغيل 500 شاب في شركات البيئة في المنطقة، وهو العدد المتبقي من أصل 3000 شخص كان من المفترض دخولهم منذ يناير (كانون الثاني) 2019 التشغيل الفعلي في شركات البيئة، التي لم تتجاوز فيها نسبة التشغيل أكثر من 15 في المائة، على حد قوله. كما طالب الشتوي بتنفيذ وعد حكومي بإنشاء صندوق جهوي للتنمية تضخ فيه الحكومة ما يقارب 80 مليون دينار تونسي (نحو 26 مليون دولار)، وأكد أن هذا الصندوق لم يتم إنشاؤه بسبب العراقيل الإدارية، وأصبح الأمر «مجرد حلم»، حسب رأيه.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.