الحوثيون يفاقمون خنق الاقتصاد مقابل مساعٍ حكومية لإنعاشه

حملات لنهب الطبعة النقدية الحديثة ووعيد ببيع عقارات مناهضي الجماعة

طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)
طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يفاقمون خنق الاقتصاد مقابل مساعٍ حكومية لإنعاشه

طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)
طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)

واصلت الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران تدابيرها الانقلابية لخنق الاقتصاد اليمني، ومجابهة الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة الشرعية في المناطق المحررة بما فيها كسر احتكار توريد النفط وغيرها من الخطوات التي ترمي إلى تصحيح مسار الاقتصاد والخدمات، وإثقال كاهل المواطنين بأعباء المعيشة مقابل إثراء فاحش لقيادات الجماعة والموالين لها.
وفي هذا السياق، أقدمت الجماعة أخيرا ضمن سعيها لمحاربة الحكومة الشرعية على الإعلان عن سحب الفئات النقدية المطبوعة حديثا عبر البنك المركزي في عدن، ومنحت مهلة شهر للسكان من أجل تسليم ما بحوزتهم من أموال، ووعدت بأنها ستقوم بتعويضهم ضمن سقف محدد إما بمبالغ نقدية من الفئات القديمة المتهالكة أو عبر ما تسميه «الريال الإلكتروني».
وجاء الإعلان الحوثي في بيان بثته المصادر الرسمية للجماعة من قبل ما تسميه «البنك المركزي» التابع لها في صنعاء، والذي لم تعترف بنقله من قبل الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وفيما استثنى القرار الحوثي التجار والبنوك وشركات الصرافة من عملية التعويض المزعومة، يتهم اقتصاديون في صنعاء الجماعة الحوثية بنهب هذه الفئات النقدية الحديثة من الأسواق والتجار والمسافرين ومن ثم إعادة تصريفها في السوق السوداء لشراء العملات الأجنبية من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
ومنذ قيام الحكومة الشرعية بنقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر (أيلول) 2016 وطباعة الفئات النقدية الجديدة من العملة لتوفير السيولة في الأسواق ودفع رواتب الموظفين شنت الجماعة مئات الحملات لنهب المليارات منها ومنع دخولها إلى مناطق سيطرتها.
وزعمت الجماعة في قرارها الأخير أن تداول أو حيازة العملة المطبوعة من قبل الحكومة الشرعية، يعد إضراراً جسيماً بالاقتصاد والعملة الوطنية، وقالت إنها تسعى عبر محاربة منع تداولها وحيازتها «لحماية الاقتصاد وقيمة العملة الوطنية من الانهيار والحفاظ على سعر الصرف وبما يسهم في استقرار أسعار السلع».
في غضون ذلك، دعا وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، الأمم المتحدة ومبعوث أمينها العام إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى القيام بمسؤوليتهم وممارسة الضغط على ميليشيات الحوثي الانقلابية، لتحييد الاقتصاد عن الصراع، مؤكدا أن الميليشيات تنتهج سياسات إفقار وتجويع أوصلت الأوضاع المعيشية إلى معدلات مأساوية.
وحذر الوزير اليمني في تصريح بثته المصادر الرسمية الحكومية من تبعات قرار الجماعة بمنع تداول أو حيازة العملة الوطنية في مناطق سيطرتها وتجريم من يتعامل بها، ومساعيها الخطيرة لنهب رأس المال الوطني وسحب مدخرات المواطنين عبر دعوتها لاستبدال العملة الوطنية مقابل ما تسميها النقد الإلكتروني.
وقال إن هذا الإجراء الحوثي الخطير «يندرج ضمن السياسات التدميرية التي انتهجتها الميليشيات منذ انقلابها لضرب الاقتصاد الوطني والفساد والمضاربة بالعملة وتقويض جهود الحكومة وسياساتها النقدية التي نجحت في وقف انهيار العملة والحفاظ على قوتها الشرائية وتحسين سعر الصرف واستقرار أسعار السلع الغذائية».
وأكد الوزير الإرياني أن القرار يضع الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة والاجتماعات التي عقدتها اللجان الاقتصادية طيلة الأشهر الماضية في مهب الريح ويضع مزيدا من العراقيل أمام جهود الحكومة في انتظام تسليم مرتبات المتقاعدين وموظفي عدد من القطاعات الحكومية بمناطق سيطرتها.
ورغم حجم الإيرادات الضخمة التي تقوم الجماعة بجبايتها في مناطق سيطرتها من القطاعات الاقتصادية الحكومية المحتلة إلا أنها تمتنع منذ أكثر من ثلاث سنوات عن صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها بذريعة نقل البنك المركزي من قبل الشرعية إلى عدن.
وتضطلع الحكومة الشرعية منذ بدأت في ترتيب تدابيرها الاقتصادية في صرف رواتب كافة موظفي الدولة في مناطق سيطرتها إضافة إلى صرف رواتب المتقاعدين في مختلف مناطق البلاد، فضلا عن دفع الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين للقضاة وأعضاء النيابة وموظفي القطاع الصحي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى جانب دفع نصف رواتب أساتذة الجامعات، وكذا دفع رواتب الموظفين في الحديدة وبعض مديريات محافظة حجة.
ويعتقد اقتصاديون في صنعاء أن قرار الجماعة الحوثية بمنع الفئات النقدية المطبوعة في عدن من التداول هدفه في الأساس حرمان عشرات الآلاف من رواتبهم في مناطق سيطرتها والإبقاء على أزمة السيولة النقدية التي تسببت فيها لإجبار السكان على التعامل بعملتها الوهمية التي أطلقت عليها «الريال الإلكتروني».
ولم يتوقف عبث الجماعة الحوثية عند نهب موارد الدولة والمؤسسات في مناطق سيطرتها وتسخيرها للمجهود الحربي وإثراء قادتها، بل تجاوزت ذلك إلى فرض المزيد من الجبايات غير القانونية والإتاوات المفروضة على التجار الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار بنسب غير مسبوقة.
وفي سياق هذه التدابير الانقلابية هددت الجماعة بأنها ستسعى إلى إصدار تشريعات جديدة عبر مجلس النواب غير الشرعي التابع لها في صنعاء تسمح لها ببيع منازل قيادات الدولة والحكومة الشرعية والمناهضين للجماعة الذين فروا خوفا من بطشها.
وزعم القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي في تغريدة على «تويتر» أن هذا الإجراء الذي توعد بتنفيذه ببيع عقارات ومنازل المناهضين للجماعة سيسخر لدفع رواتب الموظفين، داعيا أتباع الجماعة في صنعاء لحصر هذه العقارات والمنازل والإبلاغ عنها تمهيدا للسطو عليها.
وتتهم الحكومة الجماعة الحوثية بأنها تقوم بشراء العملات الصعبة من السوق المصرفية والمضاربة بها واكتنازها وتهريبها إلى حسابات في الخارج كما تتهمها بأنها مسؤولة عن استنزاف احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة وقدرها خمسة مليارات دولار، إلى جانب تبديد السيولة من العملة المحلية التي كانت بحوزة البنك المركزي قبل نقله من صنعاء إلى عدن وهي أكثر من تريليوني ريال.
وكانت الحكومة واللجنة الاقتصادية التابعة لها أقرت إعادة دعم استيراد الوقود والسلع الأساسية ووضعت قيودا على استيراد السلع الكمالية، كما أقرت عدة تدابير ضمن مساعيها لوقف تدهور الاقتصاد، وارتفاع الأسعار، وأمرت بزيادة رواتب الموظفين.
كما أقرت عددا من الإجراءات الملزمة لإغلاق حسابات الجهات والمؤسسات والصناديق الحكومية والعامة في جميع البنوك التجارية وحصرها في البنك المركزي اليمني في عدن وفقا للقانون، وتحديد حجم الأرصدة الخاصة بتلك الجهات بالعملة الأجنبية في الداخل والخارج ومقارنتها بخطة التدفق النقدي لاحتياجاتها من تلك العملات وتحديد الفائض منها في الأجل المتوسط على الأقل.
وأمرت الحكومة الشرعية باستخدام الأرصدة الفائضة من العملات الأجنبية في تغطية الطلب على الدولار لأغراض استيراد المشتقات النفطية وبما يخدم تخفيف الضغط على الدولار ومنع تدهور قيمة العملة المحلية في الأجل القصير، مع التأكيد على التزام البنك المركزي بتوفير احتياجات تلك الجهات من العملات الأجنبية في المواعيد التي تحتاجها حسب خطط الاحتياج الخاصة بها.

وقررت الشرعية ابتداء من يونيو (حزيران) الماضي تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية والعوائد الأخرى على المشتقات في سياق سعيها لرفد الميزانية العامة للدولة ودفع رواتب الموظفين. ورغم التسهيلات التي قدمتها الحكومة اليمنية لدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، الخاضع للميليشيات الحوثية إلا أن الجماعة كانت حرصت على منع حمولة السفن في مسعى منها لاستمرار أزمة الوقود والمتاجرة بالحال الإنسانية الناجمة عنها، غير أنها رضخت أخيرا.
وتتهم الشرعية الجماعة الحوثية بأنها تستخدم «الإرهاب والتهديد بالسجن ومصادرة الأموال وإيقاف النشاط التجاري للتجار الممتثلين لقرارات الحكومة» وترى فيما تقوم به الجماعة «خطوة تترجم إصرارها على تعزيز نشاط السوق السوداء التي تديرها لتمويل أنشتطها، ومضاعفة معاناة المواطنين».
وبحسب بيانات سابقة للجنة الاقتصادية اليمنية فإن الجماعة الحوثية «تتهرب من تطبيق الضوابط المصرفية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحفاظ على استقرار العملة وتعيق جهود الحكومة والمبعوث الدولي لصرف مرتبات المدنيين».
ومنذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الشرعية، فقد الريال اليمني ثلثي قيمته تقريبا، فبعد أن كان سعر الدولار الواحد، نحو 215 ريالا، أصبح - بحسب مصادر مصرفية يقترب من حاجز 600 ريال مع تفاوت نسبي بين المحافظات في أسعار الصرف.
وتشير تقارير دولية إلى أن حجم إيرادات الميليشيات ارتفعت بنسبة 500 في المائة خلال الأعوام الماضية، بمعدل 300 مليار سنوياً، في الوقت الذي يقبع أكثر من 85 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة تحت خط الفقر.
وتعتمد الجماعة في تمويل خزينتها - بحسب التقارير - على قطاعات الاتصالات، والنفط، والإيرادات الجمركية والضريبية، والسوق السوداء وعائدات الموانئ الخاضعة لها في الحديدة والصليف ورأس عيسى. وأوضح تقرير سابق للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن أن ميليشيات الحوثي تحصل على 318 ملياراً (الدولار نحو 590 ريالا) هي عائدات سوق سوداء تتاجر فيها الجماعة في القطاع النفطي، و600 مليار إيرادات غير ضريبية، و95 ملياراً إيرادات قطاع الاتصالات، و400 مليار عائدات ضريبية من أمانة العاصمة. وتفوق هذه الإيرادات التي تجنيها الجماعة الميزانية التي كانت أعلنتها الحكومة الشرعية مطلع السنة الجارية والمقدرة بـتريليون ونصف التريليون ريال وبعجز تجاوز 30 في المائة. وفي السياق نفسه تقدر إحصائيات غير حكومية أن الميليشيات الحوثية جنت أكثر من 7 مليارات دولار من الموارد المحلية خلال العام 2018 فقط، فيما جمعت أكثر من 4 مليارات دولار من الإيرادات الزكوية والضرائب العقارية وضريبة استهلاك «نبتة القات» ورسوم تراخيص النقل والتراخيص الصحية وغيرها.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.