إحجام الأغلبية السنية عن تسمية دياب يفتح النقاش حول الميثاقية

ازدواجية معايير باسيل حيال حكومة التكنوقراط

الرئيس ميشال عون مستقبلاً الرئيس سعد الحريري مع افتتاح الاستشارات النيابية أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مستقبلاً الرئيس سعد الحريري مع افتتاح الاستشارات النيابية أمس (دالاتي ونهرا)
TT

إحجام الأغلبية السنية عن تسمية دياب يفتح النقاش حول الميثاقية

الرئيس ميشال عون مستقبلاً الرئيس سعد الحريري مع افتتاح الاستشارات النيابية أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ميشال عون مستقبلاً الرئيس سعد الحريري مع افتتاح الاستشارات النيابية أمس (دالاتي ونهرا)

أظهرت المداولات التي سبقت الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، أن الأعداد لتسمية الوزير الأسبق حسان دياب بدأت قبل أربعة أيام، وينظر إليها كثيرون على أنها إخلال بالتوازن والميثاقية، على قاعدة أن موقع رئاسة الجمهورية يشغله رئيس قوي في طائفته، وموقع رئيس مجلس النواب يشغله رئيس قوي في طائفته أيضاً، لكن تمت عرقلة وصول شخصية سنّية قوية في طائفتها لتبوّؤ المنصب، وهو ما أظهر «عدم ميثاقية التسمية على ضوء عدم تسميته من قبل أغلبية سنية».
وتوقفت أوساط مراقبة عند مسار المحادثات مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، منذ استقالته، مؤكدة أنه الوحيد الذي استجاب للحراك، واعتبر أن «مرحلة 17 تشرين»، تاريخ انطلاق الاحتجاجات في لبنان، مختلف عما بعده، ولا حل للأزمة إلا بالسياسة، ويجب استيعاب المحتجين ومطالبهم المحقة بالتوجه الإيجابي، وكان معارضاً للرهان على عامل الوقت ليفقد الحراك زخمه، حسب تصورات بعض الأطراف. عوضاً عن ذلك، قالت المصادر إن الحريري لعب دوراً أساسياً لحماية الاعتصامات من خلال تواصله مع قيادتي الجيش وقوى الأمن الداخلي ووزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن، ولم يحبّذ دعوة رئيس الجمهورية لاجتماع المجلس الأعلى للدفاع في ظل حكومة مستقيلة، مكرراً مواقفه بأن المشكلة سياسية ولا تُحلّ إلا بالسياسة.
ومنذ اليوم الأول للاستقالة وإعادة الطرح بأن يترأس الحريري الحكومة الجديدة، بقي مصراً على حكومة اختصاصيين تنهض بالبلاد في خضم الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية. فموفده إلى رئيس حزب «القوات اللبنانية» غطاس خوري، أبلغ الدكتور سمير جعجع بأن الحريري مصرّ على حكومة اختصاصيين، كذلك أبلغ الحريري، رئيسَ «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، في الاجتماع قبل الأخير، الموقف نفسه، وهو لم يكن مقتنعاً بتطعيمها بشخصيات سياسية حتى لو كانت من الوزن الخفيف، لمجموعة أسباب بينها أنها ستكون نسخة أخرى للحكومة المستقيلة، ولن تكون مؤهلة لمخاطبة المجتمع الدولي، فضلاً عن أنه لن يكون مشاركاً في حكومة تكنوسياسية من دون حلفاء، في ظل تمنع حليفيه جعجع وجنبلاط عن المشاركة فيها.
ولم يمانع الحريري أمام جميع الأسماء التي طُرحت لترؤس الحكومة، خلافاً لما اتُّهم به، فهو منذ اليوم الأول قال في بيانه الشهير: «لست أنا بل أحد غيري»، وبقي مصراً على موقفه، ولم يقبل بحكومة تكنوسياسية، وهو موقف أعلنه تكراراً في لقاءاته ومن ضمنها مع رؤساء الحكومات السابقين، رافضاً ترؤس حكومة تكنوسياسية رغم كل التسهيلات ومن بينها تسمية أربعة وزراء أو ستة من الوزن الخفيف جداً بلا حقائب.
وقالت الأوساط المراقبة إن الحريري بقي مصراً على أن المرحلة الانتقالية تحتاج إلى حكومة على مستوى التحديات، وإلا فليبحثوا عن سواه لترؤس حكومة لا تقنعه. وعندما وجد أن الأفق مسدود أمام موقفه، اتخذ قراره قبل خمسة أيام بسحب اسمه من التداول، لقناعته بأن البلد تكفيه أزمات وهو على حافة الانهيار، وكان يريد أن يتلقى ضمانات بأن يؤلف حكومة من إخصائيين ويوقّعها رئيس الجمهورية، لأنه من دون ضمانات، وفي حال لم يوقّع عون تشكيلة من الإخصائيين يقدمها، فإن البلاد ستدخل في أزمة حكم يجب أن يتجنبها البلد في هذه المرحلة الدقيقة.
غير أن التطورات سجّلت مفارقات؛ فوزير الخارجية جبران باسيل الذي كان أبرز الشخصيات على قائمة المستهدَفين من المتظاهرين، خرج من المعركة منتصراً حين قال إنه يقبل بحكومة من إخصائيين، وهي تنسحب على مفارقة أخرى أنه لا يرضى بأن يشكل الحريري حكومة من الإخصائيين، لكنه يقبلها لسواه، ووضع نفسه في نفس الكفة مع الحريري مع أن موقع رئاسة الحكومة يشغله رئيس قوي في طائفته، بينما باسيل هو رئيس لتيار سياسي.
هذه المعايير دفعت الأوساط المراقبة إلى اعتبار باسيل الأكثر نفوذاً وتأثيراً، ليس في داخل التيار فحسب، بل ضمن الفريق الوزاري التابع لرئيس الجمهورية، وتساءلت الأوساط: «أين الميثاقية الآن في حكومة لا ترأسها الشخصية الأوسع تمثيلاً في طائفتها؟»، مؤكدةً أن «موقع رئاسة الحكومة ليس موقعاً تقنياً كي تشغله شخصية تكنوقراطية». ورأت الأوساط أن الرئيس عون أخطأ عندما غضّ النظر عن أن باسيل وضع نفسه في نفس الكفة مع الحريري، ووافق على معايير رُسمت على أساس باسيل.
وعليه، ترى الأوساط أن أي رئيس لا يحظى بتمثيل سُني واسع، سيكون ناقص التمثيل وستعاني الشراكة من خلل في التوازن. وفضلاً عن أن الترشيح سيفتقر للميثاقية، فإن حكومة لا تحظى بالتفاف جميع الأطراف لن تتوفر لها عوامل الاستمرارية والاستقرار. ويبقى السؤال: كيف سيتصرف الرئيس لأن الكرة الآن في مرماه؟ وهذا ينسحب أيضاً على الذين سمّوا حسان دياب، وهو في توجه سياسي واحد معهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».