أثيرت ضجة كبيرة حول مسألة أن ليفربول مضطر لخوض مباراتين خلال يومين، ببطولتي كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، الثلاثاء، وكأس العالم للأندية الأربعاء، ولم يتعرض أحد لما كان يحدث في الثمانينات حيث سبق وأن خاضت فرق مواجهات عبر أيام متعاقبة على نحو منتظم.
على سبيل المثال، لعب ليفربول مباريات ببطولة الدوري خلال أيام متتالية في سنوات 1980 و1982 و1983 و1986 ـ وكان ذلك قبل أن يتمتع بالرفاهية التي وفرتها له حقيقة امتلاكه فريقا ضخما.
ولعبت بعض الأندية مباريات عبر أيام متتالية خلال حقبة الدوري الممتاز. مثلاً، خاض توتنهام هوتسبير وكريستال بالاس ونوريتش سيتي ونوتنغهام فورست مباريات يومي 26 و27 ديسمبر (كانون الأول) 1994، إلا أن مسألة خوض الفرق مباريات متعاقبة في غضون فترة قصيرة أمر، وخوض لاعب واحد مباراتين في يوم واحد أمر مختلف تماماً. في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 حقق مارك هيوز هذا الإنجاز الفريد. وبالنسبة لرجل لم يخض كثيرا من المباريات، كان ذلك تعويضاً كبيراً عن الوقت الضائع.
ولا يخفى على أحد أن هيوز عايش كابوساً منذ انتقاله من مانشستر يونايتد إلى برشلونة في صيف 1986، وبينما انطلق وتألق زميله المنتقل حديثاً للنادي الإسباني جاري لينكر سريعاً، واجه هيوز مشقة في التأقلم داخل كاتالونيا، حيث لم يجد أسلوب لعبه تقديراً يذكر من جانب الجماهير أو وسائل الإعلام. وكتب هيوز في مذكراته التي نشرها بعنوان «سباركي: برشلونة وبايرن والعودة».
مع حلول بداية موسم 1987 - 1988 كانت أيام هيوز داخل برشلونة قد أصبحت معدودة. كان قد تم إقصاؤه عن المشاركة بالفريق وبدا متشوقاً للعودة إلى مانشستر يونايتد، وكان المهاجم الويلزي يدرك أن عودته إلى بريطانيا قبل أبريل (نيسان) 1988 ستكبده دفع آلاف الجنيهات الإسترلينية للضرائب لأنه لم يكن بالخارج طوال فترة الإعفاء. بعد ذلك، ظهر أمامه شريان حياة تمثل في إبرام اتفاق إعارة مع بايرن ميونيخ حتى نهاية الموسم. ومثلما كتب كليف وايت حينها في «التايمز»، فقد نجح هيوز من خلال هذا الاتفاق أخيراً «في الهروب من تعذيب ذهني وجسدي ترتب على (سجنه) في برشلونة».
وبدت خطوة الانتقال مثالية. كان هيوز قد سجل هدفاً واحداً وأسهم في تسجيل آخر خلال أول مباراة له في مواجهة باير أوردينغن، السبت الموافق 7 نوفمبر 1987. وقال هيوز بعد المباراة: «كنت أتلقى الإشادة عن أشياء تشكل جزءا محوريا من لعبي لم يكن يرد ذكرها قط في إسبانيا. وحصلت على فرص أكبر للدخول إلى منطقة الجزاء، الأمر الذي كان نادر الحدوث في برشلونة. أعتقد أن بإمكاني أن أبلي بلاءً حسناً هنا. وسأكون سعيداً بأن أقدم لبايرن مقابلاً طيباً لثقته بي».
وبعد أربعة أيام، لاحت بالفعل فرصة رد الجميل. كان بايرن ميونيخ يخوض مواجهة أمام بوروسيا مونشنغلادباغ في بطولة الكأس الألمانية، ليلة أربعاء، وكان المدرب العام أولي هونيس بحاجة شديدة لأن يبني هيوز على زخم مباراته الأولى مع النادي. ولم يكن ثمة أمر غير عادي في ذلك، لكن كانت هناك مشكلة صغيرة: في ذات يوم مباراة بايرن ميونيخ، كان من المقرر خوض هيوز مباراة مع منتخب ويلز أمام تشيكوسلوفاكيا في براغ في مباراة تأهل بالغة الأهمية ببطولة «يورو 88».
إلا أن هونيس لم يكن ليسمح لهذه المشكلة «البسيطة» بالوقوف في طريقه. وشرح هيوز: «سرعان ما شرع في إجراء عشرات المكالمات الهاتفية تتعلق بطائرات خاصة وسيارات وإقرار جداول من دقيقة لأخرى. لم يكن بإمكاني تصديق أن هذا يحدث بالفعل». وبذلك فإن هيوز الذي كان قد شارك في مباراتين فقط خلال شهرين ـ اثنين منهما لحساب ويلز كان يستعد الآن لخوض مباراتين في نفس اليوم.
كان من شأن الفوز حمل ويلز إلى بطولة «يورو 88»، لكن لسوء حظ هيوز، انتهت المباراة بخسارة ويلز 2 - 0 إلا أنه لم يكن أمامه الكثير للبكاء على الهزيمة عندما عاد إلى غرفة تبديل الملابس. وكتب عن ذلك يقول: «حرص هونيس على ضمان ذلك، فبالخارج كانت المحركات تهدر في انتظار نقلنا سريعاً إلى المطار وكان هناك سيارة... (لادا). لا أمزح. لقد انتقلنا عبر الريف التشيكي بسرعة 30 ميلاً في الساعة، وفي قلب ذلك راودني شعور بأننا حطمنا الرقم القياسي العالمي في السرعة». بعد ذلك، استقل هيوز طائرة خاصة إلى ميونيخ وقفز داخل سيارة هونيس الـ«بورش» وانطلق نحو الاستاد الأولمبي.
قبل ذلك بساعتين، كان هيوز يلعب في صفوف منتخب فريقه في تشيكوسلوفاكيا. الآن، ومع انطلاق الشوط الثاني من مباراة ببطولة الكأس الألمانية، كان يمارس الإحماء على خط التماس مرتدياً قميص بايرن ميونيخ. وعن ذكرياته عن المباراة، قال هيوز: «لم يخبر هونيس عمداً أياً من اللاعبين أو المسؤولين أو الجماهير عن مخططه السري. ولذلك، جرى تهريبي إلى داخل الاستاد وتم إبقائي مختبئاً على السلالم حتى خرج الفريق للمشاركة بالشوط الثاني. لقد رغب في أقصى تأثير نفسي ممكن، وحصل على ما أراده».
قبل أن يتمكن هيوز من دخول أرض الملعب، كان غونتر ثييل قد منح بوروسيا مونشنغلادباغ التقدم. والآن، حان الوقت لواحد من أغرب قرارات استبدال اللاعبين في تاريخ كرة القدم. وقال هيوز عن ذلك: «لم يصدق أحد ما حدث. كان من المفترض أنني على بعد مئات الأميال ـ في براغ... وكانت الدهشة الكبرى في صفوف لاعبي بوروسيا».
نجح لوتار ماتيوس في تسجيل التعادل، وتمكن هيوز من إكمال فصول القصة الأسطورية بتسجيله هدفاً تاريخياً في وقت لاحق. ودخلت المباراة إلى الوقت الإضافي، مع نجاح مايكل رومنيغه في إحراز هدفين ليتقدم بايرن ميونيخ بنتيجة 3 - 2. في وقت سابق من اليوم، كان هيوز جزءا من منتخب خاسر، لكنه شعر بحال أفضل بكثير أثناء خروجه من الملعب في ميونيخ. وكتب هيوز عن ذلك أنه «من الجيد أن يشعر المرء بدفعة في تقديره لذاته بين الحين والآخر ـ خاصة بعد التجارب التي عايشتها في الفترة الأخيرة. وأثلجت هذه التجربة على وجه الخصوص صدري. وكان من المذهل حجم المجهود الذي بذله النادي من أجل لاعب واحد في صفوفه. وهذه التجربة لم تجعل يومي رائعاً فحسب، وإنما الموسم بأكمله... وأقنعتني بالبقاء مع النادي لعامين آخرين».
إلا أن هيوز وجد صعوبة بالغة في مقاومة مشاعر الحنين عندما دعاه مانشستر يونايتد للعودة نهاية الموسم. ومع هذا، فإن الحب الذي أظهره بايرن ميونيخ تجاه هيوز جعل قرار العودة إلى مانشستر يونايتد أكثر صعوبة بكثير، فليس كل يوم تبذل الأندية مثل هذا المجهود الضخم للاحتفاء بلاعب. إلا أنه في ذلك اليوم تحديداً من نوفمبر 1987، بذل بايرن ميونيخ مجهوداً خرافياً لضمان أن يصبح هيوز جزءا من قصة تستعصي على التصديق.
مارك هيوز لعب لصالح ويلز وبايرن ميونيخ في يوم واحد
ليفربول يعتقد أنه يمر بأسبوع حافل مزدحم لكن قصة المهاجم الفذ حدث فريد من نوعه
مارك هيوز لعب لصالح ويلز وبايرن ميونيخ في يوم واحد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة