إردوغان: تركيا اضطرت إلى التدخل في سوريا بسبب غياب المساعدات للاجئين

زعيمة حزب «الجيد» طالبت بترحيلهم... حتى من حصل على الجنسية

TT

إردوغان: تركيا اضطرت إلى التدخل في سوريا بسبب غياب المساعدات للاجئين

صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس (الثلاثاء)، بأن غياب المساعدات الدولية لتركيا لدعم ملايين اللاجئين المقيمين على أراضيها دفع أنقرة إلى تنفيذ عملياتها العسكرية في شمال شرقي سوريا.
ورغم الانتقادات الدولية الواسعة، شنّت القوات التركية عملية عسكرية عبر الحدود لتطهير منطقة تطلق عليها أنقرة «المنطقة الآمنة» من المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم «إرهابيين». وترى أنقرة أن المنطقة ليست آمنة بما فيه الكفاية للسماح لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا بالعودة إلى بلدهم.
وقال إردوغان خلال «المنتدى العالمي للاجئين» في جنيف: «لا يبدو أن أحداً يميل لمساعدتنا». وأضاف: «عندما لم نحصل على الدعم الذي كنا نحتاج إليه من المجتمع الدولي، اضطررنا لتولي زمام أمورنا بأنفسنا»، في إشارة إلى عمليات تركيا المتعددة في شمال سوريا منذ 2016.
ورأى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن الحل الدائم لأزمة اللاجئين يتمثل في العودة الآمنة والطوعية للسوريين إلى بلدهم، في الوقت الذي طالبت فيه زعيمة حزب «الجيد»، بإعادتهم إلى بلادهم بشكل عاجل بمن فيهم آلاف حصلوا على الجنسية التركية.
وقال جاويش أوغلو، خلال مشاركته في المنتدى، إن تركيا هي أكثر بلد يستضيف لاجئين في العالم، موضحاً أن أكثر من نصف مليون طفل سوري وُلدوا في تركيا منذ اندلاع أزمتها الداخلية في 2011. وأضاف أن تركيا لم تكن هي السبب في ظهور الأزمة السورية، ولن تقبل بتحميلها نتائجها، مشيراً إلى أهمية دعم تركيا والاتحاد الأوروبي للاجئين، لافتاً إلى أهمية توطين اللاجئين السوريين في بلدان ثالثة، وأن بعض دول الاتحاد الأوروبي أبدت رغبتها في توطين سوريين، فيما رفض البعض الآخر استقبال حتى لاجئ واحد. وتابع: «نقوم بأفضل ما بوسعنا من أجل حل سياسي في سوريا، ونعتقد أن الحل السياسي هو الوحيد وليس العسكري».
وذكر جاويش أوغلو أن بلاده لعبت دوراً كبيراً في تشكيل اللجنة الدستورية السورية، قائلاً: «مع الأسف مباحثات الجولة الثانية لم تجرِ بشكل جيد، لكننا نقوم بأفضل ما بوسعنا من أجل أن تكون الجولة المقبلة مثمرة».
وأشار إلى عودة 371 ألف سوري حتى الآن إلى شمال سوريا بشكل آمن بعد تطهيرها من الإرهابيين، قائلاً إن تركيا ستنظم مع كل من لبنان والأردن والعراق، مؤتمراً دولياً حول اللاجئين السوريين، بمشاركة الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين. وأكد ضرورة الابتعاد عن تسييس الأزمة الإنسانية في سوريا، مضيفاً: «نحن نثق بالعودة الآمنة والطوعية، وحسب بيانات نشرتها الأمم المتحدة، فإن 70% من النازحين السوريين عادوا إلى منطقة عملية (نبع السلام)، لماذا؟ لأنهم يشعرون بالأمان هناك». كما شدد على ضرورة التقاسم العادل للأعباء والمسؤولية فيما يخص أزمة اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أنهم يواصلون التعاون الوثيق مع المجتمع الدولي بهذا الصدد.
في سياق متصل، طالبت ميرال أكشينار، زعيمة حزب «الجيد» التركي المعارض، الحكومة بإطلاق عملية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل عاجل، مؤكدة أن ذلك من شأنه أن يضمن السلام والرفاهية للشعبين السوري والتركي. وقالت أكشينار خلال مشاركتها في ورشة عمل تحت عنوان «عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم»، عُقدت في أنقرة الليلة قبل الماضية: «نحن نؤمن بأن الجميع سعداء في وطنهم. ومن أجل تحقيق مستقبل يضمن سعادة ضيوفنا السوريين الذين يتمتعون لدينا بالحماية المؤقتة، ويضمن سعادة وسلام ورفاهية مواطنينا؛ لا بد أن تبدأ عملية عودة السوريين إلى بلادهم بشكل عاجل».
وأكدت أكشينار ضرورة إعادة أهلية 110 آلاف سوري كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد أعلن أنه منحهم الجنسية التركية، قائلة: «نحن لا نفرّق بين علويين وسُنة ولا بين غني وفقير، ولا بين علماني وغير علماني. ولكن بهذا المفهوم المتدني والعشوائي لا يمكن للناس أن يعرف بعضهم بعضاً، وسينشأ عداء كبير بين الفئتين السورية والتركية، وسينتج انقسام روحي بينهما».
إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان أمس (الثلاثاء)، استسلام 3 من عناصر الوحدات الكردية للقوات التركية بعد فرارهم من شمال سوريا. وقال البيان إن الانشقاقات والانهيارات داخل صفوف الوحدات الكردية مستمرة بفضل العمليات الناجحة للقوات التركية، مضيفاً أن «الإرهابيين الثلاثة الفارين من صفوف التنظيم، سلموا أنفسهم للقوات التركية في مخفر كيزيل تبه الحدودي في قضاء نصيبين بولاية ماردين».



جنوب القوقاز بين براغماتية بوتين والدور الأميركي المتعاظم

دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)
دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)
TT

جنوب القوقاز بين براغماتية بوتين والدور الأميركي المتعاظم

دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)
دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)

لكثرة مشاكل العالم، خصوصاً في ظل البؤرتين الأكثر تفجراً في غزة وأوكرانيا، لا تُلقى أضواء كافية على جنوب القوقاز، المنطقة الحساسة التي شهدت تغيراً دراماتيكياً بسيطرة أذربيجان على كاراباخ ونزوح أهل الأخيرة الأرمن باتجاه أرمينيا في سبتمبر (أيلول) 2023. بمعزل عن الأسباب التاريخية والحجة والحجة المضادة لطرفَي النزاع، يجدر النظر إلى اللاعبين في مسرح يشمل أيضاً جورجيا، فهناك طبعاً روسيا وتركيا وإيران بالوجود المباشر، وهناك الغرب متمثلاً بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالوجود غير المباشر، وهي كلها قوى تبحث عن مصالحها العليا وتمارس لعبة الشد والجذب في بقعة تشكل رابطاً وفاصلاً في آن واحد بين أوروبا وآسيا.

لم تنه عودة السيطرة الأذربيجانية على كاراباخ المشكلة، فباكو تريد تفعيل ممر زنغزور الذي يربط بين أراضيها وإقليم ناختشيفان (نخجوان) المتمتع بالحكم الذاتي، بل هو يربط بين آسيا وأوروبا ويشكل شرياناً حيوياً للتجارة ويعزز موقع جنوب القوقاز على خريطة المصالح العالمية.

ستيباناكيرت (خانكندي) عاصمة كاراباخ (أرشيفية رويترز)

ليس مفاجئاً أن يشتد التنافس على السيطرة، فجورجيا التي كانت مسرحاً لمواجهة روسية – غربية عام 2008، لم تُحسَم وجهتها بعد، وأرمينيا التي طالما ارتبطت بروسيا ارتباطاً عضوياً تسير منذ سنوات باتجاه الغرب الذي لم يساعدها في مسألة كاراباخ (يسميها الأرمن آرتساخ) كونه يهتم كثيراً بأذربيجان الغنية بالنفط والغاز، والحليفة الطبيعية لتركيا التي تريد الاحتفاظ لنفسها بموقع مميز في ذلك الملعب.

الدور الأميركي... و«الممر»

يشكل هذا الوضع الهش فرصة كبيرة للولايات المتحدة، فهي إذا تمكنت من قيادة مفاوضات السلام بين أذربيجان وأرمينيا إلى خواتيمها السعيدة سوف توسّع نفوذها في جنوب القوقاز وتمتلك موطئ قدم آخر في مجال النفوذ الروسي التاريخي التقليدي بين البحر الأسود وبحر قزوين. ولتحقيق ذلك على واشنطن أن تحسن علاقاتها مع أذربيجان وأرمينيا على حد سواء.

ولا شك في أن ممر زنغزور هو «النقلة» الأساسية في لعبة الشطرنج القوقازية حالياً، فأرمينيا تريد السيطرة عليه، وإيران تخشى اضطراب حدودها بسببه وبالتالي تَعَقّد علاقاتها مع أذربيجان أكثر، بينما ترى فيه تركيا تعزيزاً لروابطها الوثيقة مع باكو وترسيخاً لدورها المحوري الرابط بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، خصوصاً أنها تعمل في الوقت ذاته على تفعيل طريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين وتوسيع دور منظمة الدول التركية التي تضم تركيا وأذربيجان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان؛ والمجر وتركمانستان و«جمهورية شمال قبرص التركية» كأعضاء مراقبين

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (رويترز)

يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا أمر قابل للتحقّق، خصوصاً إثر إشاعة جو تفاؤلي عن تقدم في المفاوضات بين باكو ويريفان في شأن ترسيم الحدود. وفي السياق، يؤكد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إن بلاده مستعدة لتوقيع اتفاق بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على الرغم من المعارضة الداخلية التي يواجهها في ظل اتهامه بالتراخي في مواجهة «الأطماع الأذربيجانية»، علماً أن يريفان أعادت السيطرة على أربع قرى رئيسية إلى باكو، الأمر الذي أغضب فئات واسعة من الشعب في أرمينيا.

براغماتية أرمينيا؟

يمكن فهم موقف باشينيان انطلاقاً من كون أرمينيا مُنيت بهزيمة عسكرية مكلفة في كاراباخ، ومن عزلة جيوسياسية تعانيها في ظل امتناع روسيا عن نجدتها على الرغم من العلاقات القديمة بين البلدين ووجود عسكري روسي في أرمينيا (تضاءل أخيراً إلى درجة أن يريفان أعلنت أنها ستنسحب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا)، ومع اصطفاف الغرب – باستثناء فرنسا – إلى جانب أذربيجان المدعومة بشكل مباشر وصريح من تركيا ذات القوة العسكرية الضخمة.

رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان (أ.ف.ب)

والمشكلة التي تواجهها أرمينيا، أنها تدير وجهها نحو غرب منشغل بأوكرانيا وباحث عن سبل لدعمها كي لا تنهزم أمام روسيا، وتدير ظهرها لحليفها التاريخي روسيا الغارقة في وحول الحرب الأوكرانية والساعية لضمان نفوذها في جنوب القوقاز عبر إقامة علاقات أوثق مع أذربيجان. وبالتالي، ليس أمام يريفان خيار سوى صنع السلام حفاظاً على سلامة أراضيها.

هنا يبرز الدور الأميركي أكثر، لأن واشنطن هي الأقدر على إرساء توازن في جنوب القوقاز عبر إقامة علاقات وثيقة مع كل من باكو ويريفان وإقناعهما بعقد معاهدة سلام مُرضية لهما وغير مقلقة لروسيا وتركيا.

ماذا عن بوتين؟

ليس خافياً على أحد أن روسيا بدت شبه منكفئة عن الاضطلاع بدور «هجوميّ» خلال أزمة كاراباخ، فاكتفت بدور حفظ السلام الذي لم يمنع تدهور الوضع وانتهاء الحرب بما انتهت إليه.

والواقع أن فلاديمير بوتين المنشغل منذ فبراير (شباط) 2022 بـ«العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، فقد الكثير من دوره الأساسي وموقع بلاده الجيوسياسي في جنوب القوقاز.

وثمة من يبرر ذلك بأن بوتين لم يكن مضطراً لمساندة نيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا منذ العام 2018 والذي وصل إلى السلطة عبر «ثورة» أسقطت الرئيس سيرج سركيسيان، وهي ثورة يقال على نطاق واسع أن الغرب كان وراءها تحريضاً وتمويلاً و«إخراجاً»، بغية زرع شوكة في خاصرة روسيا.

لذا يبدو الرئيس الروسي مهتماً أكثر بتوثيق العلاقة مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وتعميق التفاهم مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، باعتبار التوافق معهما والتناغم مع إيران يضمنان لروسيا دوراً لا يوفره دعم أرمينيا. فلا مصلحة لبوتين في قلب معادلة أرستها المكاسب الميدانية الأذربيجانية منذ عام 2020، بعدما كانت الغلبة لأرمينيا قبل ذلك وعلى مدى نحو ربع قرن. والمؤكد أن هذا التحول الميداني ما كان ليحصل لولا الدعم العسكري التركي لأذربيجان.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

ولا شك في أن بوتين يدرك أن روسيا لم تعد صاحبة السيطرة المطلقة في جنوب القوقاز كما كانت الحال عليه في الماضي، وبالتالي من مصلحته أن يتفاهم مع تركيا وإيران بدل أن يخوض صراعات معهما. وهو يدرك بالطبع قوة علاقات باكو مع العواصم الأوروبية الغربية بناء على ما تحتاج إليه الأخيرة من نفط أذربيجان التي تملك احتياطاً يقدّر بسبعة مليارات برميل، إضافة إلى احتياط مثبت من الغاز الطبيعي يبلغ 2.6 تريليون متر مكعب.

البراغماتية الروسية هذه تعزز أكثر الاعتقاد أن الفرصة سانحة لتضطلع واشنطن بدور أكبر في جنوب القوقاز عبر إرساء سلام دائم في منطقة تقع في قلب أوراسيا على قوس يوصل إلى الصين، الهدف الأول للسياسات الأميركية في رقعة الشطرنج العالمية.