«نيويورك كافيه»... المقهى التاريخي الغني بالقصص في قلب بودابست

فيه ولدت حركة الأدب المعروفة باسم «نيوغات» وحُررت فيه الصحف الأكثر تأثيراً في المجر

يعود تاريخ المقهى إلى 125 عاماً، ويمتد طابور الزبائن، الراغبين في دخوله، على طول شارع إليزابيث بوليفارد
يعود تاريخ المقهى إلى 125 عاماً، ويمتد طابور الزبائن، الراغبين في دخوله، على طول شارع إليزابيث بوليفارد
TT
20

«نيويورك كافيه»... المقهى التاريخي الغني بالقصص في قلب بودابست

يعود تاريخ المقهى إلى 125 عاماً، ويمتد طابور الزبائن، الراغبين في دخوله، على طول شارع إليزابيث بوليفارد
يعود تاريخ المقهى إلى 125 عاماً، ويمتد طابور الزبائن، الراغبين في دخوله، على طول شارع إليزابيث بوليفارد

مجرد أن تخطو قدماك إلى «مقهى نيويورك كافيه»، ستجد نفسك تتساءل عما إذا كنت قد دخلت النسخة المجرية من «كنيسة سيستين» عن طريق الخطأ. فالمقهى مصمم على طراز عصر النهضة الإيطالي، حيث ستجد ثريات متدلية من سقوف عالية مزينة بلوحات جدارية رائعة، ما يجعله يشبه القصور الفخمة أكثر من كونه مجرد مكان تذهب إليه لتناول قطعة حلوى مع كوب من القهوة.
ويعد «نيويورك كافيه» أحد أقدم المقاهي في بودابست، بتاريخ يعود إلى 125 عاماً، ويمتد طابور الزبائن، الراغبين في دخوله، على طول شارع إليزابيث بوليفارد، وهو أحد الشوارع الرئيسية في بودابست، حيث يمكن أن يستقبل المقهى في أكثر أيامه ازدحاماً نحو 2000 زبون، وحتى في أقل الأيام ازدحاماً فإنه يستقبل نحو 1300 شخص.
بعدما تدخل المقهى، وبمجرد وصولك إلى الطاولة، فإنك ستقضي معظم وقتك في النظر للأعلى لاستكشاف الأعمدة الرخامية والمنحوتات المصنوعة من الجبس، وبالطبع التقاط الصور. فرغم أن قائمة الطعام الخاصة بالمقهى تحتوي على نحو 16 نوعاً من الكعكات، إلا أن المطبخ ليس السبب الذي يأتي إليه جميع الزبائن، فهم يأتون إلى المكان من أجل رؤية تصميمه المذهل والتقاط الصور.
وتبدأ قصة «نيويورك كافيه» في 1864، عندما افتتحت شركة «نيويورك للتأمين على الحياة» مقرها الأوروبي في بودابست، وقررت حينها بناء مقهى داخل الشركة. وعلى الرغم من أن الأتراك هم الذين قاموا بإدخال القهوة إلى المجر، للمرة الأولى، في القرن السادس عشر، فإن ثقافة بناء المقاهي الأنيقة التي كانت مزدهرة في فيينا لم تبدأ في المجر إلا بعد بناء الإمبراطورية النمساوية - المجرية في 1867؛ حيث تم افتتاح ما يقرب من 500 مقهى في المدينة، خلال ذلك الوقت. كان مقهى «نيويورك كافيه» أحد هذه المقاهي، حيث كان يهدف ملاكه لإنشاء «أجمل مقهى في العالم»، وقد بذلوا قصارى جهدهم لتحقيق ذلك.
ويقول ناقد الطعام المجري، أندراس غوكوتي، إن «(نيويورك كافيه) لم يكن مكاناً للأثرياء فقط، ولكنه كان بمثابة مكان لالتقاء الفنانين الفقراء»، ويضيف: «لقد كانوا يذهبون إلى هناك على أمل أن يكون هناك بعض الأثرياء الكرماء الذين قد يقدمون لهم وجبة يتناولونها، مقابل كتابة قصيدة لطيفة لزوجاتهم، أو تقديم أي خدمات أخرى، أو فقط مقابل مساعدة أحد هؤلاء الأثرياء في صياغة خطاب».
وقد أدى هذا إلى ميلاد حركة الأدب المعروفة باسم «نيوغات»، التي اتخذت هذا الاسم من مجلة دورية، كان يتم نشر شعر ونثر الكتاب المجريين فيها.
وبهذا يمكن القول إن «نيويورك كافيه» لم يكن مجرد مقهى، بل بمثابة نقطة الانطلاق للأدب المجري الحديث، فقد كان جميع الكتاب والشعراء الأكثر شهرة يأتون هنا، وكان المكان دائماً مكتظاً بالكتاب.
وفي الواقع، فإنه قد تم تحرير الصحف الأكثر تأثيراً في المجر في الطابق الثاني من هذا المبنى، وتقول الأسطورة إنه في ليلة افتتاح المقهى كان هناك مجموعة من الكتاب، بما في ذلك المؤلف الشهير فيرينك مولنار، موجودون في المكان، وقد أعجبوا به للغاية، لدرجة أنهم قاموا بإلقاء مفتاح الباب الرئيسي في نهر الدانوب، حتى يبقى المكان مفتوحاً طوال الليل. طبعاً لا يعرف أحد إذا كانت هذه القصة صحيحة أم لا، وذلك لأن فيرينك كان يبلغ من العمر 17 عاماً فقط في ذلك الوقت، لكنها قصة رائعة يتداولها عشاق المكان.
ويبدو أنه كان هناك تسلسل هرمي فيما يتعلق بمكان جلوس الكتاب أثناء وجودهم داخل المقهى، حيث يقول المدير العام لفندق «نيويورك بالاس»، تاماس فازيكاس، «نسمي الجزء الأسفل من المقهى بالمأزق، وذلك لأنه كان المكان الذي دائماً ما يجلس فيه الفنانون غير المحترفين، أما المشاهير فكانوا يجلسون في الطابق العلوي، ويقدمون الطعام للفنانين الموجودين في الطابق السفلي مقابل كتابة قصة لهم».
وعلى الرغم من استمرار شعبية المقهى لفترة طويلة، خصوصاً بين الكتاب، فإن الأحداث التي جرت في السنوات التالية، والتي كانت أهمها الحرب العالمية الأولى والثانية والاحتلال السوفياتي لهنغاريا، كان لها تأثير مدمر على المقهى، حيث تم إغلاق العديد من المقاهي الشهيرة في بودابست، بما في ذلك «نيويورك كافيه»، خلال العصر الشيوعي.
وعلى مر السنين، مر المقهى بتغيرات عديدة، حيث بات في وقت من الأوقات مطعماً، فيما أصبح في وقت آخر متجراً لبيع الأدوات الرياضية.
ولكن في 2001، حصلت مجموعة «بوسكولو» على المبنى، وبدأت مشروعاً لترميمه استمر لمدة 5 سنوات، بقيادة المهندسين المعماريين المبدعين موريزيو بابيري وآدم د. تيهاني، وتم تحويل المبنى الرئيسي إلى فندق فخم، فيما تم تجديد المقهى الواقع في الطابق الأرضي بالكامل لإعادته إلى مجده السابق.
وبحلول الوقت الذي أعيد فيه افتتاح المقهى، في 2006، قام مهندسو الترميم بإعادة التصميم السابق لـ«نيويورك كافيه» بشكل كامل تقريباً، بعد أن تم العثور على المخططات الأصلية لتصميم المقهى في الطابق السفلي، مع إضافة بعض التفاصيل الجديدة البسيطة، مثل إحدى اللوحات الجدارية التي تحتوي الآن على «تمثال الحرية»، الذي لم يكن موجوداً إلا بعد مرور سنوات من بناء المقهى.
وعلى الرغم من أن التصميم الداخلي الحالي للمقهى قد يكون كما كان عليه في السابق، فإنك من غير المحتمل أن تجد أي كاتب مجري يعمل فيه اليوم، كما كان يحدث في السابق. فالمكان اليوم معلم سياحي أكثر من أي شيء آخر.


مقالات ذات صلة

نصائح للتغلب على الإرهاق والنوم بشكل أفضل أثناء السفر

يوميات الشرق تُوفر غرف الفنادق للضيوف بيئات مثالية للحصول على نوم هانئ ليلاً (أرشيفية - رويترز)

نصائح للتغلب على الإرهاق والنوم بشكل أفضل أثناء السفر

قد يواجه بعض الأشخاص صعوبة في النوم، ربما بسبب فارق التوقيت عند السفر عبر مناطق زمنية مختلفة، أو ببساطة بسبب الإقامة في بيئة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
عالم الاعمال سنغافورة... وجهة سياحية تجمع بين التنوع الثقافي والتجارب المختلفة

سنغافورة... وجهة سياحية تجمع بين التنوع الثقافي والتجارب المختلفة

تمتاز سنغافورة بتعدد ثقافاتها وانسجام أعراقها ودياناتها المختلفة، ما يضفي على المدينة طابعاً فريداً يعكس التنوع الغني في شوارعها وأحيائها.

يوميات الشرق القائمة جاءت بعد استطلاع آراء أكثر من 18 ألف شخص حول العالم (رويترز)

تعرَّف على أفضل مدن العالم لتناول الطعام

أصدرت المؤسسة الإعلامية العالمية العملاقة «تايم أوت Time Out» قائمتها السنوية بشأن أفضل مدن العالم التي يمكن للأشخاص تناول الطعام بها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق سيدة نائمة (أرشيفية - رويترز)

ما هي سياحة النوم... ولماذا تشهد ازدهاراً؟

سلّطت شبكة «ناشونال جيوغرافيك» الضوء على اهتمام الفنادق والمنتجعات حول العالم بما يعرف بسياحة النوم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد طيارة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية (موقع الشركة)

الخطوط الجوية الفرنسية تسيّر رحلات مباشرة إلى الرياض بدءاً من مايو

تبدأ شركة الخطوط الجوية الفرنسية بتسيير رحلاتها المباشرة إلى العاصمة السعودية الرياض في 19 مايو (أيار) 2025.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

كل ما ينبغي لك معرفته عن أمن الطائرات

كل ما ينبغي لك معرفته عن أمن الطائرات
TT
20

كل ما ينبغي لك معرفته عن أمن الطائرات

كل ما ينبغي لك معرفته عن أمن الطائرات

شهدنا، في الفترة الأخيرة، كثيراً من حوادث الطائرات، كان أبرزها وقوع تصادم جوي مميت بين طائرة تجارية ومروحية تابعة للجيش. وتقع حوادث تحطم عدة للطائرات في بلدان مختلفة، ما بين طائرات تشتعل فيها النيران، وأخرى تنقلب رأساً على عقب.

وعلى مدى الشهرين الماضيين، اهتزت الرحلات الجوية التجارية العالمية تحت وطأة أكثر من ست حوادث غير عادية أثارت المخاوف بشأن الوضع على صعيد سلامة الطيران. وفي الولايات المتحدة، وقع عدد مثير للقلق من الحوادث، مع استمرار المخاوف إزاء عدم كفاية قدرات أطقم مراقبة الحركة الجوية.

ومع كل حادث، سرعان ما يجري تداول لقطات الفيديو على الفور، وعلى نطاق واسع عبر الإنترنت، ما يسبب صدمة لمزيد من المسافرين الذين يُعربون عن قلقهم جراء موجة حوادث الطائرات الأخيرة.

في هذا السياق، قالت جيمي ريندي، 28 عاماً، والتي تعيش في أتلانتا، إن الخوف تَنامى بداخلها تجاه الطيران قبل بضع سنوات. وأضافت أن هذا الشعور تعمَّق خلال الأشهر الأخيرة.

وقالت: «من الصعب أن تشعر بالأمان عندما يخرج الأمر عن السيطرة تماماً، وعندما لا يكون لديك أي إحساس بما يحدث حولك في أثناء وجودك بالطائرة. في نهاية المطاف، هذا الجزء الأكثر رعباً في تجربة السفر جواً ـ إنه فقدان الثقة في صناعة الطيران».

السؤال هنا: هل يزداد الطيران خطورة؟ وما الذي يمكن للركاب فعله للحفاظ على سلامتهم في حالات الطوارئ؟ سعياً للتعرف على الإجابة، استشرنا عدداً من الخبراء.

الملاحَظ أن الحوادث الأخيرة، التي لا تزال قيد التحقيق، تمتدّ عبر بلاد مختلفة، وتتضمن أنواعاً متنوعة من الطائرات.

وعلى مدى الشهرين الماضيين، وقعت حوادث تحطُّم طائرات مميتة في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأذربيجان. ففي الولايات المتحدة، تضمنت بعض الحوادث طائرات تجارية، بينما وقعت حوادث أخرى لطائرات خاصة أصغر حجماً تخضع لمتطلبات سلامة أقل صرامة. ومن بين جميع الطائرات، يتعيّن على الطائرات التجارية الكبيرة الالتزام بلوائح سلامة أشد صرامة.

لحسن الحظ، لم تسفر جميع الحوادث عن سقوط ضحايا، فقد نجا جميع الركاب الـ80 الذين كانوا على متن طائرة «دلتا إيرلاينز»، التي تحطمت في مطار تورنتو بيرسون الدولي، بعد ظُهر الاثنين، حتى بعد أن انقلبت رأساً على عقب على المدرج، مع تحطم جناحها الأيمن وذيلها.

في هذا الصدد، قال جيف جوزيتي، المحقِّق السابق في الحوادث، داخل إدارة الطيران الفيدرالية ومجلس سلامة النقل الوطني، إنه من السابق لأوانه تحديد العوامل المشتركة بين الحوادث الأخيرة، التي تضمنت شركات طيران أمريكية، وكان من بينها تصادم في الجو في مطار ريغان الوطني، في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتحطم طائرة ركاب تُقلّ عشرة أشخاص بألاسكا في 6 فبراير (شباط) الحالي. وعبَّر عن اعتقاده أن «عدداً لا حصْر له من المشكلات»؛ بينها سوء الأحوال الجوية، وسياسات إدارة الطيران الفيدرالية، يقف خلف هذه الحوادث.

وأكد خبراء أن الطيران يبقى، دون شك، الشكل الأكثر أماناً للسفر.

في هذا الصدد، قال أرنولد بارنيت، أستاذ الإحصاء بكلية سلون للإدارة، في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن خطر الموت على متن رحلة جوية يقترب من الصفر، مشيراً إلى أن الحوادث البارزة، التي وقعت في الآونة الأخيرة، محض مصادفة.

وأضاف: «يصعد اثنا عشر مليون شخص على متن الطائرات، كل يوم، في المتوسط، سنوياً. وفي الغالبية العظمى، لا يصاب أي راكب بأذى، ناهيك عن الموت».

جدير بالذكر أنه وفق تقديرات المجلس الوطني للسلامة، فإن احتمالات الوفاة في حادث سيارة قرابة 1 من 95.

ومع ذلك يجب أن تدفع الحوادث الأخيرة نحو إجراء تحليل دقيق والتنبه لـ«العيوب المحتملة في النظام»، حسبما قال جوزيتي. وكان التصادم الذي وقع بالعاصمة الحادث الأكثر دموية الذي وقع لشركة طيران أمريكية منذ أكثر من عقد.

من جهتها، قالت كيرا ديمبسي، التي تتناول حوادث الطيران في مدونتها «الأدميرال كلاودبرج»، إن تدني إجراءات السلامة في الطيران التجاري احتمال يجب أخذه في الحسبان. وأضافت أن تخفيض مخصصات إدارة الطيران الفيدرالية عامل يجب مراقبته.

أما أهم نصيحة للسلامة فتتمثل في ارتداء حزام الأمان في جميع الأوقات.

يوصي الخبراء بارتداء حزام الأمان طوال الرحلة. وقالت سارة نيلسون، رئيسة جمعية مضيفات الطيران، التي تمثل نحو 55.000 مضيفة طيران في 20 شركة طيران، إن الاستماع إلى إحاطات السلامة التي يقدمها المضيفون الجويون يشكل إجراء احترازياً شديد الأهمية.

وأضافت نيلسون أن المضيفات الجويات يتدربن سنوياً على إجراءات الاستجابة للطوارئ. ويشمل ذلك كل شيء؛ من التعامل مع الركاب المشاغبين، إلى الحرائق داخل المقصورة، إلى عمليات إخلاء المياه.

من ناحية أخرى، قد لا يكون هناك حقاً جزء آمن داخل الطائرة للجلوس فيه.

قال جون كوكس، طيار سابق بشركة طيران، ويدير حالياً شركة استشارات سلامة، إن الأبحاث لم تكن حاسمة بشأن ما إذا كان هناك قسم محدد أكثر أماناً داخل الطائرة. يعتقد بعض المسافرين أنه الجزء الخلفي، بسبب الطريقة التي يمتص بها الطاقة في أثناء الاصطدام، ما يقلل إصابة الركاب، لكن كوكس وجوزيتي عبّرا عن رفضهما هذه الفكرة.

وأضاف كوكس: «يعتمد الأمر على ديناميكيات الاصطدام، لذا لا تقلق بشأن مكان جلوسك بصورة عامة، لا يمكن للمسافرين التنبؤ بنوع الحوادث التي قد يتعرضون لها»، لكن لتجنب الاضطرابات يوصي كوكس بالجلوس «فوق منتصف الجناح».

وفيما يخص الأطفال، يسمح عدد من شركات الطيران للآباء بحمل الأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن عامين، بدلاً من حجز مقعد للطفل. ومع ذلك توصي إدارة الطيران الفيدرالية والمجلس الوطني لسلامة النقل بالتوقف عن هذه الممارسة، وتشجيع الآباء، بدلاً من ذلك، على استخدام نظام تقييد الأطفال المعتمد.

يُذكر أنه يمكن للأطفال غير المقيدين في الأحضان أن يطيروا بعيداً عن أحضان أحد الوالدين، في أثناء حالة الطوارئ، مثل الاضطرابات الشديدة، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة من الأطفال الذين لا يشاركون ذويهم المقعد نفسه، وفق دراسة أجرتها المعاهد الوطنية للصحة عام 2019.

خدمة «نيويورك تايمز»