أسعار المنازل الأميركية ترتفع بمعدلات تفوق قيمة العرض والطلب

أنباء إيجابية بعد 6 سنوات من انهيار سوق الإسكان

أسعار المنازل الأميركية ترتفع بمعدلات تفوق قيمة العرض والطلب
TT

أسعار المنازل الأميركية ترتفع بمعدلات تفوق قيمة العرض والطلب

أسعار المنازل الأميركية ترتفع بمعدلات تفوق قيمة العرض والطلب

جاء ارتفاع قيمة المنازل بمختلف أرجاء الولايات المتحدة الأميركية بمثابة أنباء سارة بعد 6 سنوات من انهيار سوق الإسكان. الملاحظ أنه لا يزال هناك فئة متنامية من المشترين القادرين على إنفاق كثير من الأموال لدرجة تدفعهم للعمل في مساحات ليس عليها إقبال كثيف، ويدفعون أسعارا تصل لعشرات الملايين من الدولارات لا تعكس في الواقع القواعد المعتادة للعرض والطلب.
وينطبق هذا الأمر بصورة خاصة على بعض أحياء نيويورك، مثل المنطقة الواقعة على امتداد شارع 57 في مانهاتن، والمعروف باسم «صف المليارديرات». هناك، تجاوزت أسعار الشقق المطلة على «سنترال بارك» 30 مليون دولار، مقابل هذا المبلغ تحصل على شقة بها 3 غرف للنوم و4 حمامات، ومنظر رائع تطل عليه الشقة من الأرض إلى السقف. ومع ذلك، يبقى هذا السعر بعيدا عن واقع أسعار الشقق الأخرى المشابهة، فيما عدا ما دفعه شخص ما مقابل شقة على المستوى نفسه من الفخامة ببناية مجاورة. وعليه، تثير هذه الظاهرة بعض التساؤلات اللافتة.
بغض النظر عن حجم الأموال التي تملكها، كيف يمكنك التأكد من حصولك على صفقة جيدة؟ وبعيدا عن السعر، ما شعور المرء لدى شرائه واحدة من مثل هذه العقارات التي لا تمثل سوى 0.1 في المائة من سوق العقارات؟ كيف تختلف هذه التجربة عن الأخرى التي يخوضها أي شخص في العالم لدى شرائه منزلا؟ هل تأتي لحظات تثور فيها الأعصاب وتخفق الصفقات؟ من هم هؤلاء المشترون بالغو الثراء الذين يرون هذه المبالغ الطائلة ـ بل وربما في التجربة برمتها ـ أمرا غير ذي أهمية تذكر؟
تدور الفكرة السائدة حول أن غالبية المشترين من الأجانب، عن ذلك، أوضح ليونيل بيرينو، سمسار لدى شركة «دوغلاس إليمان للعقارات»، أن الكثير من كبار المشترين يأتون من أميركا الجنوبية والصين وشرق أوروبا. داخل مانهاتن، تقتصر صفقات شراء هذه الفئة عامة على الشقق الخاصة، التي تمثل قرابة 30 في المائة من السوق، وتتميز بقواعد أكثر يسرا فيما يخص الإفصاح عن معلومات مالية والتأجير عن الحال بسوق الإسكان الاجتماعي الأكبر، وأضاف بيرينو أنه «بغض النظر عن الدولة التي جاء منها المشترون، فإن غالبية كبار الأثرياء الأجانب والأميركيين الذين يتطلعون نحو عقارات نيويورك كفرصة استثمارية، يستهدفون الوحدات المطروحة في نطاق من 2 إلى 4 مليون دولار»، وقال إن المشترين الأجانب «ينظرون للولايات المتحدة بصفته مكانا آمنا لاستثمار أموالهم فيه، حتى وإن كان العائد ليس أكبر العائدات المطروحة أمامهم، إنهم يعدون الأمر بمثابة حفظ الأموال في حساب مصرفي؛ حيث يأتون إلى هنا ويضعون أموالهم في عقار، وهم مطمئنون لأن أموالهم بمكان آمن».
واستطرد أن البعض الآخر يعد عقارات نيويورك فرصة استثمارية طويلة المدى؛ حيث يمكنهم استغلال قيمة الإيجار الشهري في تغطية تكلفة الاحتفاظ. هذا تحديدا هو ما فعله مايكل (45 سنة) الذي يعمل بمجال الإعلام الرقمي ويقيم في لندن؛ حيث اشترى شقة بالدور الرابع في 50 بوند ستريت بمنطقة نوهو في نيويورك مقابل 5.65 مليون دولار نهاية عام 2012، وبعد بضعة أشهر، اشترى الدور الثالث من البناية ذاتها مقابل 5.3 مليون دولار. ويقوم مايكل، الذي رفض الكشف عن اسمه بالكامل حفاظا على خصوصيته، بتأجير الوحدتين مقابل 21 ألف دولار و20 ألف دولار شهريا، ويتملكهما عبر نظام الشراكة المحدودة.
وعن هذه التجربة، قال مايكل: «بصراحة، كان الأمر بالنسبة لي قرارا استثماريا»، مضيفا أنه لم يعش في نيويورك قط من قبل ولم يقض ولو ليلة واحدة في إحدى شقتيه، وأوضح أن «لندن في الوقت الراهن واحدة من الأسواق التي لا توفر فيها العقارات قيمة كبيرة».
وأوضح أنه اتخذ قراره بناء على دراسة التشابهات بين المدينتين كمركز مالي عالمي، ثم حسب أن قيمة القدم المربع من العقارات ينبغي أن ترتفع 60 في المائة في نيويورك كي تصل لمستوى القيمة في أحياء لندن الراقية مثل تشيلسي. كما رأى أن بإمكانه طلب إيجار في نيويورك يكفي لتغطية جميع التكاليف التي تحملها، بما في ذلك رهن عقاري لمدة 30 عاما للشقتين بمعدل فائدة أقل من 4 في المائة.
وقال: «من الأفضل لي الاقتراض بقيم فائدة تتراوح بين 3 في المائة و4 في المائة وشراء شقتين. أعتقد أننا لو رجعنا بالزمن 10 سنوات للوراء وواتتنا هذه الفرصة لعددناها فرصة العمر الرائعة».
وقد اقتنع بشراء وحدة أخرى من قبل وكيله، بيرينو، الذي أوضح له أن امتلاك شقتين بمساحة 3 آلاف قدم مربع في بوند ستريت صفقة أعلى قيمة من شراء شقق مماثلة في أي مكان آخر.
إلا أن المشترين الأجانب الذين يملكون عقارات في نيويورك، أو أي مكان آخر بالولايات المتحدة، قلقون من أن ورثتهم قد ينتهي بهم الحال في مواجهة تكاليف ضريبية عقارية ضخمة ليسوا على استعداد لها.
يذكر أن حجم الإعفاء للأجانب غير المقيمين لا يتجاوز 60 ألف دولار، مع 40 في المائة ضريبة على العقارات فوق ذلك، (يكمن الاستثناء في الحالات التي ترتبط الولايات المتحدة باتفاقية ضريبة عقارية مع البلد الأصلي للشخص).
تبعا لمستوى الثروة، يمكن للمشترين إنشاء هياكل باهظة ومركبة لامتلاك عقار أو يمكنهم شراء تأمين على الحياة لتغطية الضريبة العقارية، لكن الحصول على هذا التأمين ليس زهيد التكلفة.
من ناحيته، أوضح بريان شيك، رئيس «إن إف بي بي في آي المحدودة»، وهي شركة تأمين دولية، أن الأقساط تتنوع بدرجة بالغة حسب تصنيف مستوى مخاطرة الدولة التي يقيم فيها الشخص المعني، بالنسبة لدولة مصنفة في الفئة الأولى، مثل بريطانيا، فإن القسط السنوي للتأمين على الحياة بقيمة 10 مليون دولار يبلغ قرابة 75 ألف دولار سنويا، لكن بالنسبة لدولة مصنفة في الفئة الثالثة، مثل كولومبيا، تقفز قيمة القسط لأكثر من 122 ألف دولار سنويا.
عندما يكون الملاك الأجانب على استعداد للبيع أو الشراء، فإن مثل هذه الصفقات عادة ما تستغرق وقتا أطول وتستلزم مزيدا من الصبر من الجانب الآخر، مثلا، تولى جيسون والكر، سمسار آخر لدى «دوغلاس إليمان»، إنجاز صفقة بيع لتوه بقيمة 7 مليون دولار لدور علوي بقلب المدينة، كان مملوكا لإحدى أميرات الشرق الأوسط. وقال والكر: «بالطبع، تصبح هناك طبقة إضافية من التعقيد على كل شيء، وكان علي الحرص في التعامل مع توقعات المشتري، وقد جاء العرض خلال رمضان، وبالتالي لم أعد أستقبل ردودا»، وأضاف أن الصفقة تضمنت «مشترين أميركيين وبائعا من الشرق الأوسط ومحامين أوروبيين، وبالتالي كانت هناك حساسيات ثقافية».
الملاحظ أن هذا القطاع المرتبط بطبقة الأفراد بالغي الثراء بمختلف أرجاء العالم، تطارده الشركات العقارية، مثلما الحال مع جميع الشركات الأخرى المعنية بالرفاهية. في هذا الإطار، أعلنت شركات «دوغلاس إليمان» و«نايت فرانك ريزيدنشال»، وهي شركة سمسرة مقرها لندن معنية بسوق العقارات الفخمة، عن بناء تحالف بينهما للتشارك في العملاء الذين يشترون عقارات بمختلف أرجاء العالم، وذلك للحيلولة دون انتقالهم لشركة سمسرة بأسواق أخرى.
من جانبه، نظر مارك رابابورت، المولود في نيويورك، إلى ازدهار سوق العقارات الفخمة بالمدينة بصورة مختلفة؛ حيث عدها فرصة استثمارية أكثر إثارة عن الاستثمار في الأسهم والسندات. كان رابابورت قد اشترى 3 شقق في لور مانهاتن عامي 2012 و2013 تراوحت أسعاره بين 1 و2 مليون دولار وأكثر من 3 مليون دولار. والآن يتطلع نحو شراء وحدة سكنية في باريس، رغم عدم معرفته اللغة الفرنسية.
عن ذلك، قال رابابورت: «إن الأمر يتعلق أكثر بأسلوب حياة. كان بإمكاني جني مزيد من المال عبر الاستثمار في الأسهم والسندات؛ لذا فإن الجانب الاستثماري ليس هو الدافع وراء قراراتي تلك».
نظرا لوجود رهون عقارية على اثنين من الشقق الـ3 التي يمتلكها في نيويورك، قال رابابورت إن «انخفاض أسعار الفائدة من العوامل التي شجعته».
إلا إنه بالنسبة للعقارات الفخمة، يأتي الرهن العقاري عادة بعد سداد صفقة الشراء بأكملها نقدا، وهنا تصبح المنافسة شرسة، وتزداد الضغوط من أجل الدفع نقدا مقابل هذه العقارات أو اتخاذ ترتيبات أخرى.
من ناحيته، أوضح والتر ويلش، رئيس الصرافة الخاصة لدى شركة «بي إن سي»، أن «قوانين الحماية المالية للمستهلكين التي أقرت هذا العام، جعلت عملية الرهن العقاري أكثر طولا وتعقيدا بكثير، حتى بالنسبة لبالغي الثراء، ومن أجل الحصول على المال أسرع، يفضل العملاء استخدام أصول أخرى كتأمين».
ومع ذلك، لا يزال هذا المجال خفيف الكثافة يمر بلحظة تتميز بتنامي الإيمان العميق بقيمة العقارات الفاخرة، ويقدم بعض العملاء الأجانب على شراء هذه العقارات من أجل أبنائهم الذين يرتادون جامعات بنيويورك، بينما يعدها آخرون واحدة من الأصول التي تتنامى قيمتها.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»