العقاد... معرفة موسوعية سابقة لعصرها

رجائي عطية يصدر مجلداً رابعاً عن فكر صاحب «العبقريات» وفلسفته

العقاد... معرفة موسوعية سابقة لعصرها
TT

العقاد... معرفة موسوعية سابقة لعصرها

العقاد... معرفة موسوعية سابقة لعصرها

يقدم الكاتب المحامي رجائي عطية في كتابه «في مدينة العقاد... الفكر والفلسفة والحياة» الصادر حديثاً عن دار الشروق قراءة جديدة في عوالم الكاتب المصري عباس محمود العقاد الفكرية والفلسفية وأهم الفلاسفة الذين أثاروا شغفه البحثي وكتاباته عنهم، وأهم الكتب والمؤلفات الأجنبية والعربية في عصره.
والكتاب هو المجلد الرابع للمؤلف نفسه الذي يطمح من خلاله أن يقدم للأجيال الجديدة مادة موسوعية لجل أعمال العقاد واهتماماته الفكرية ويحلل ما وراء كتاباته والمعطيات التي أثرت فيها، عبر معايشة حميمة لفكره ومجايليه من المفكرين في الشرق والغرب.
ويبرز المجلد الواقع في 604 صفحات أن العقاد رغم انخراطه في الحركة الوطنية وخوضه مضمار الكتابة السياسية وعشقه لسعد زغلول الذي كتب عنه كتابه «سيرة وتحية» عام 1936 فإنه لم ينشغل عن مشروعه الفكري الفلسفي، فكتب عن المعري وأفلاطون والتعصب الديني ووحدة الوجود وعن الشاعر الفرنسي لامارتين وعن الحرب وآثارها، وجمع ذلك في كتاب «مجمع الأحياء».
ويشير المجلد إلى اهتمامات العقاد بظاهرة الحكم المطلق في إسبانيا وتركيا وإيطاليا آنذاك، حيث ظل خطه الفكري واضحاً. لكن ما حوله للكتابة عن الإسلام ورموزه هو هجوم لشخص مجهول على شخص رسول الإسلام في كتاب صدر عام 1940. فكرس العقاد جهوده في كتابات تهتم بالأديان فكتب: «إبراهيم الخليل أبو الأنبياء»، و«حياة المسيح» وفي عام 1955 كتب «مطلع النور - في طوالع البعثة المحمدية»، وما بين سنة 1942 و1945 أصدر سلسلة «العبقريات» وتعددت تراجمه في هذه الفترة لكبار الشخصيات الإسلامية، ثم كتب «الله - بحث في نشأة العقيدة الإلهية» 1947.
ويشير رجائي عطية في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حول المجلد الرابع قائلاً: «طوال سنوات البحث في فكر العقاد ومؤلفاته وجدت أنه قدم معالجات ممزوجة بالفكر والنظر والرأي، وأصدر عشرات المؤلفات سبحت في عالم الفكر والحكمة والفلسفة ومع ذلك لم يأخذ حقه كمفكر عربي سابق لعصره، فلم تنحصر كتاباته فقط على شواغله، بل واكب حركة الفكر العالمي آنذاك. وليس صحيحاً ما ظنه الدكتور لويس عوض وكتبه في أحد مقالاته أن العقاد اهتم بالإسلاميات وانقطع عن الفكر والأدب، بل على العكس».
ويستند المؤلف في ذلك إلى مقالات وكتابات للعقاد، إذ كتب عام 1945 عن فرانسيس بيكون وعام 1950 أصدر كتاباً عن برنارد شو وبعده عن «بنجامين فرانكلين» ثم عن الزعيم الصيني «سن يات سن» وعن شكسبير عام 1958، هذا فضلاً عن دواوينه الشعرية التي بلغت 13 ديواناً وروايته «سارة» 1938 وقصصه القصيرة وترجماته الشعرية، بالإضافة إلى اهتماماته الفكرية والفلسفية.
يقول عطية عن ذلك: «عكف العقاد منذ العشرينات على قراءة الفلسفة المادية» والبحث في «مذهب النشوء والارتقاء» فقد تضمن مؤلفه «خلاصة اليومية» عام 1911 وهو لا يزال بعمر العشرين عاماً كتابات أعلام الفكر في ذاك الوقت فكتب عن غاندي وداروين وجوستاف لوبون ولامبروزو والفيلسوف الألماني إيمانويل كانط والشاعر والروائي الفرنسي أناتول فرانس، والفيلسوف نيتشه. ونجده في كتابه «رجعة أبي العلاء» الصادر عام 1939 يقارن بين التشاؤم عند المعري وشوبنهاور.
يستعرض المجلد محتوى كتاب «تذكار جيتي» الذي استفاض فيه العقاد مسقطاً فكر غوته وحياته وعقيدته على إطار أوسع، ويتناول كيف ترجم العقاد غوته شاعر الألمان وفيلسوفهم الكبير، وأشار إلى تأثره بالعقيدة الإسلامية في مؤلفه «نشيد محمد أو فيض الإسلام».
يأخذنا رجائي عطية عبر مؤلفات العقاد في رحلة فكرية تثير الدهشة من قدرة العقاد في زمن كانت الاتصالات والحصول على المعلومات أمراً في غاية الصعوبة، بالإضافة إلى عدم إكماله لتعليمه، ورغم ذلك كان منفتحاً على كل ما يجري في العالم، وكتب باقتدار عن الزعيم الهندي غاندي، وعن محمد علي جناح مؤسس باكستان، وشعراء باكستان من بينهم شاعر الإسلام محمد إقبال، والدولة الباكستانية بين الماضي والحاضر، كما كتب ببراعة الناقد الحصيف عن برنارد شو في كتاب صدر عن دار المعارف في سلسلة «اقرأ» عام 1950 معرفاً بالكاتب البريطاني وحياته الشخصية ومذهبه في الفكر والأدب والفن عبر منظور واسع لدراسة عصره.
وفي مجال الفلسفة، كتبه عن أساطين الفلسفة اليونانية وفهمه لفكرهم بعمق كباحث متخصص، وتناول كذلك فلسفة ابن سينا وابن رشد، كما في كتابه الهام «أثر الثقافة العربية في الحضارة الأوروبية»، الذي أعيد طبعه مرات ومرات، وكشف فيه العقاد عن كون الحضارة العربية أسبق من الثقافة اليونانية والعبرية، وأن الأبجدية اليونانية منقولة عن المصادر العربية سواء كانت فينيقية أو آرامية أو يمنية.
وبحصافة الباحث المتمرس في العلوم الإنسانية قدم العقاد بحثاً أنثروبولجياً في أصل الحضارة العبرية، كاشفاً أن أصلهم قبيلة بدوية صغيرة كانت تعيش في جنوب بلاد العرب إلى الشرق وبقيت في حالة الترحال حتى وصلت إلى جنوب وادي النهرين.
ويعود ليفصل بين الديانة اليهودية وبين العرق ويتعمق في بحثه التاريخي حول اللغة العبرية وأصولها، محللاً خطابات رسائل أمراء فلسطين إلى فرعون مصر منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد، مشيراً إلى الحروف العبرية التي وجدت على ضريح «ميشاع» ملك موآب، وأنها اقتبست من العربية حرف الجيم، وأنه، أي العبرية، تفتقر إلى القواعد والأصول اللغوية والتصاريف.
وقدم العقاد أيضاً، كما يشير المؤلف، دراسة هامة في فن الشعر وأوزانه وفنونه عبر العصور، وأردفها بدراسة نادرة للعقاد عن فلسفة الضحك، وآراء كبار فلاسفة الغرب الإنجليزي هربرت سبنسر، والفرنسي هنري برغسون، وعالم النفس النمساوي سيغموند فرويد.
ويسلط المجلد الضوء على كتاب العقاد «إبليس» الصادر عام 1958 والذي يتحدث فيه عن الخير والشر وسيكولوجيتهما، وكيف تراوح النفس البشرية ما بين هذا وذاك. ويتناول ما يمثله الشيطان في كافة الثقافات والحضارات والخرافات المرتبطة به، بل نجده يؤصل لتاريخ عبادة الشيطان في العالم!.
ويختتم الكتاب بالحديث عن عقائد المفكرين في القرن العشرين، ورؤية العقاد لفلسفة الغزالي والإمام محمد عبده.
كيف تأتت للعقاد كل هذه المعرفة الموسوعية؟
يقول عطية: «كان العقاد مدفوعاً بعقدة نقص تعلمه، فكان نهماً تجاه كل معرفة علمية وأدبية وفكرية فتكونت لديه بطانة معرفية واسعة لا محدودة».



محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.