فاطمة العرارجي تحاور بفرشاتها الإنسان والمكان والزمان

في معرض تشكيلي يجسّد مسيرتها الفنية لـ7 عقود

TT

فاطمة العرارجي تحاور بفرشاتها الإنسان والمكان والزمان

ما بين دقّة التصوير وبراعة الاختزال، تنسج الفنانة التشكيلية المصرية فاطمة العرارجي، فضاءات مصرية خالصة، ضاربة فرشاتها بعمق في إيقاع الحياة ودروبها. ما إن تقع عيناك على إحدى لوحات الفنانة، ستتلمّس روح وسمات الجيل الثالث من رواد الحركة التشكيلية المصرية. وخلال تجوّلك في معرضها الاستيعادي المُقام حالياً في «غاليري المسار» بالزمالك سترى مساراً لتطوّر الفن المصري الحديث، متجسّداً في أعمالها عبر 70 عاماً من الفن. لوحات العرارجي بموضوعاتها التكوينية، وحسّها اللوني الشاعري، وألوانها التي تُغني التجربة البصرية، تخلقُ سطوحاً إيهامية تتركها ضربات الفرشاة على الكنفاس في توليفة أسلوبية منمّقة من المشاعر والفكر وجماليات التراث المصري.
ولدت الفنانة العرارجي في القاهرة عام 1931. وكان والدها محمد العرارجي، أحد رموز ثورة 1919. تخرّجت في كلية الفنون الجميلة عام 1955، وأصبحت عام 1981 رئيسة لقسم التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية. شقت طريقها في الفن متوجهة للتصوير الزيتي مجسدة ما يدور حولها من سجالات سياسية وفكرية ثرية أثارها جيل الستينات، فاختارت التعبير بالفن مقدمة فهماً عميقاً لجماليات الفن المصري القديم، القبطي والشعبي، وابتُعثت إلى روما لتكتسب مزيداً من التواشج مع حركة الفن العالمية.
تشكلت لدى العرارجي رؤية إبداعية وحياتية لمظاهر الحياة اليومية من حولها وحول تكوينها الفني، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت علاقتي بالفن في مرحلة الطفولة هواية حرصت الأسرة على تنميتها، وتحوّلت فيما بعد إلى شغف وعشق أثقلته بالدراسة، ثمّ تحول إلى مسار أكاديمي، لكنّ قوة التعبير بالفن ظلّت تراوغني، فحاولت التوفيق بين الدراسة والاستمرار بالرّسم بكل إصرار».
وعن ثلاثية الإنسان والمكان والزمن، التي اختارتها اسماً لمعرضها الحالي، تقول العرارجي: «لطالما شغلني الإنسان وعلاقته بمحيطه، سواء في القرية أو في المدينة أو في الصحراء، مع تقدم الإنسان في العمر تتراكم خبراته الحياتية بالترحال والتأمل ليتضح أمامه المغزى من الحياة». تعتبر العرارجي أنّ المعرض يمثّل «سنوات طويلة من البحث والتأمل في التراكمات الحضارية التي تأثّرت بها مصر وأهلها منذ آلاف السنين». في مجموعة «الإنسان والكون» ذات الألوان الهادئة المستمدة من ألوان الطبيعة، تحتلّ المرأة نصيباً كبيراً في أعمالها، نجدها عنصراً تشكيلياً ورمزاً للوجود الإنساني على وجه الأرض. وتؤكد أنّ «المرأة هي الحياة وهي المركز الذي تدور حوله كل تفاصيل الحياة، ولكنّي تعاملت معها بنظرة تحليلية ومزيد من الاختزال وصولاً لتلخيص الكتلة».
نساء فاطمة العرارجي شاخصات عبر فضاء اللوحة كأنّهن في مواجهة مع الحياة بنظرات حادة تخاطب المتلقي، وتروي واقعاً عن دورها كفاعله أساسية في المجتمع. أمّا شخوصها فتختزل وجوه الصّيادين والفلاحين وأهل الصّعيد وأهل بحري، فهي ترسم معاني الكفاح والهوية والانتماء والارتباط بالأرض المصرية، وتسلّط الضوء عن قرب، على قيمة الإنسان المصري وأصالته بلون البشرة الذي لفحتها أشعة الشمس. كما تكتسب شخصوها خصوصية أيضاً، بنسب مغايرة وخطوط هندسية ترمز لصلابة الإنسان المصري.
لا تميل الفنانة لخامة معينة أو ألوان محددة، بل تترك اللوحة تختار طبيعة ألوانها (زيتية أو مائية أو فريسك)، لكنّها تختار التكنيك وفقاً لرؤيتها التي بنتها حول ظاهرة ما «لا بد للفنان أن يعبّر عن منظوره للأمور وللحياة من حوله كمن يراقب مشهداً من بعيد ويدمج معه ثقافته الفنية».
يطغى اللون الأزرق على غالبية لوحات الفنانة، ويبدو تأثرها بالطبيعة البحرية ما بين الإسكندرية وبورسعيد والقاهرة. ما بين النيل والبحر، تعبر بنا العرارجي إلى المسطحات المائية المصرية والحياة حولها مجسّدة حياة الصيادين في بحيرة المنزلة، وتذهب أبعد من مجتمع الصّيادين لتجسّد حياة أسرة الصّياد في لوحتها «عائلة الصياد»، بينما نجدها في مجموعة «جدران الزمن»، متأثرة بحياة أهل الواحات والمنازل الحجرية المنحوتة في الجبال، من ثمّ تأخذنا لصعيد مصر مع أهل قرية القرنة بمنظورها الخاص، لكنّها لا ترسم الطبيعة.
وليد عبد الخالق، صاحب «غاليري المسار»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «العرارجي فنانة متميزة، حفرت لنفسها مكانة خاصة في فضاء التشكيل المصري، وهي تنتمي لجيل الستينات الذي تميز بتقنين الهوية المصرية في الفن والتفاعل مع الأحداث الاجتماعية والسياسية التي عايشتها مصر في تلك الفترة». ويضيف: «ستجدين التوجهات نفسها لدى عبد الهادي الجزار وباقي جيلهما، وهو التيار الذي أثرى الحركة التشكيلية المصرية برؤية غنية معاصرة». وفي لوحة «الساعة 12»، تعكس العرارجي تأثّرها بفترة المد الاشتراكي الذي غمر مصر في أعقاب ثورة 1952، في تجسيدها للعمال، وتأثرها بدورهم في عجلة الإنتاج، كذلك نجد في لوحة المقاومة الشّعبية لوحة تكتظّ بشخوص في حالة تأهب وحركة استعداد للمواجهة، بينما نجدها تبتعد عن التشخيص في لوحات تمزج ما بين التجريدية والسريالية، معبرة عن الإنسان وعلاقته بالكون، كأنّه ريشة في مهب الحياة بقدرة عميقة على الاختزال والتلاعب بالضوء، وتسخير الألوان للتّعبير عن المشاعر الإنسانية المختلطة.
بينما في مجموعة «لوحات الشهيد» تعكس تأثرها بالحروب التي مرّت بها مصر، مقدمة مشاعر الأمومة والحب بشكل مغاير في إسقاط على تضحيات الرجال والنساء في سبيل الوطن والأرض.
يعدُ هذا المعرض الفردي الأول للفنانة منذ 30 عاماً، ويتضمّن إلهام نحو 51 من الأعمال المرحلية للفنانة، تجسد تجربتها الفنية خلال 70 عاماً، وتتناول موضوعات متنوعة منها: الحياة المصرية، والعدوان، والأقصر والنوبة، وحرب 67، والشهيد، والطبقة العاملة، والأمومة، والإنسان والكون، وجدران الزمن وغيرها.



حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.