سرد مؤسس على حكايات المقاهي

«دروس في الرقص للكبار والمسنين» للتشيكي بوهوميل هرابال

سرد مؤسس على حكايات المقاهي
TT

سرد مؤسس على حكايات المقاهي

سرد مؤسس على حكايات المقاهي

صدرت قريباً عن دار «المحروسة» رواية «دروس في الرقص للكبار والمسنين»، للكاتب التشيكي بوهوميل هرابال، بترجمة الدكتور خالد البلتاجي. كانت الرواية قد صدرت عام 1964 في تشيكوسولوفاكيا السابقة، وحققت انتشاراً واسعاً، إذ تجاوزت مبيعاتها نصف مليون نسخة.
منذ بداية روايته، يستخدم هرابال مقاطع فلسفية ليحقق نوعاً من التراسل بينها وبين الأحداث والشخصيات. وتظهر المقاطع في المقدمة كأنها قواعد تنطلق منها عمليات البوح التي تسيطر على الإسكافي «بطل الرواية» الذي لا يتوقف عن الحكي فيما يشبه الثرثرة المتباهية بماض بعيد، ما يجعل الأحداث مثل سلسلة كبيرة ترتبط حلقاتها بعضها بعضاً.
وجملة هرابال جملة سردية تكاد لا تنتهي، يفصل بين كل عبارة فيها ثلاث نقاط، مستخدماً فيها تقنية تجريبية سريالية، عمادها المونولوج.
أما بطل الرواية فهو رجل ثرثار، وهو البطل التقليدي عند هرابال، تعلم حرفة الإسكافي، وصناعة الخمر، ولم يمنعه هذا من ممارسة أعمال أخرى. تجول في كل أرجاء الإمبراطورية النمساوية المجرية، وخرج من جولاته بتفاصيل مثيرة، اكتسب من خلالها خبرات هائلة، جعلته يبدو كأنه فيلسوف شعبي مناصر لعصر النهضة الأوروبية، وقد صنع لنفسه نظاماً تتوالد فيه الأفكار من تلقاء نفسها، وتتداعى، وتتداخل، بتلقائية شديدة.
يتحرك الراوي البطل، وهو شيخ مسن في السبعين من عمره، كأنه مسكون بالتهيؤات، فنراه يعلن في كل مكان عن احتفائه بنصره الدائم المبين، مستعيداً ذكريات خدمته العسكرية فيما يسميه «أجمل جيوش العالم»، وذكرياته عن الحياة إبان ما يسميه «الحكم النمساوي». وهكذا يتلون النص بلون كوميدي ساخر لأحداث من التاريخ ونوادر من حياة الإمبراطور مع عشيقته «كاترينا شراتوفا»، فضلاً عن تفسيرات لأحلام يتفق أو يختلف معها. وبعض التفسيرات الفنية والجمالية المثيرة للدهشة تأتي على لسان صديقه الشاعر «بوندي»، الذي يقول على لسانه ما يمكن اعتباره رؤيته للكتابة الإبداعية، حيث يرى أن «الكتاب الجيد ليس هدفه أن ينام القارئ في هدوء، لكن أن يثب من سريره، ويهرول مرتدياً سرواله ليصفع الأديب على وجهه». ويفاجئنا الراوي «الإسكافي» في النهاية بمقطع سردي يخبرنا فيه أن كل ما قاله موجه لسيدة اسمها «كاميلا» كانت تقطف حبات الكرز، وأن الراوي العجوز الذي لم يرد له اسم في النص «يحمل لها كل يوم وردة، يقطفها من حدائق الغرباء».
في مقدمته للترجمة، يشير البلتاجي إلى أن سحر وتفرد «دروس في الرقص»، ربما ينبع من التقنية الأساسية التي اعتمدها هرابال، وهي ازدواجية المعاني وتعددها والتباسها، وذلك كلما تعلق الأمر بكلمات وعبارات وصور فضفاضة في المعنى، كما تتجلى في عمليات التصادم بين المستويات الدلالية في النص، وهي الأشتات التي يجمعها الأديب على طريقة الكولاج، حيث يظهر الراوي ليشارك القراء قيمه في الحياة بطريقة تقليدية، يتحدث عنها على سبيل التندر، لا أكثر. لذلك نجده ينتقل بسرعة من فكرة إلى أخرى، ومن تصور إلى آخر، ما يؤدي لظهور فجوات سردية في نسيج العمل، وخروج الصور والكلمات عن سياقها المعهود.
لكن يبدو الراوي متوافقاً مع نفسه. يتقبل كل شيء من حوله بصدر واسع رحب، يسعد بكل شيء ولكل شيء (آه، يا إلهي! كم هي جميلة الحياة! إلى حدّ الجنون). وهو يرى أن كل ما تنتجه الحياة صالح لكي يعاد تشكيله بالكلام، وأن الكلام أكثر واقعية من الواقع نفسه، وأن الحقيقة الوحيدة هي ما حفظه الكلام الذي لا يمكن إخفاؤه أو طمسه أو السيطرة عليه. هذا ما يفصح عنه شعار الكتاب ومقدمته، وتصبح قواعد اللعبة في هذا السرد «حيزاً وجوديّاً مترامي الأطراف وميتافيزيقيّاً بصورة مباشرة».
وتظهر في هذه الرواية السمات الأساسية التي ميزت كتابات هرابل التالية، وقيمه الفلسفية والأدبية والثقافية التي اتكأ عليها، ومنها تأثره بالمنهج الإبداعي التي انتهجه هاشيك، حيث السرد المؤسس على حكايات المقاهي، لكن تعددت مصادر الإلهام والإبداع التي نهل منها فيما بعد، من بينها كتابات الفيلسوف التشيكي، لاديسلاف كليما، وتصوراته عن «اللعبة التي بني عليها العالم»، كما تأثر بكتابات آرثر شوبنهاور. ولا يمكن تجاهل تأثره بالسريالية التي تعظم دور الفنتازيا، وبجيمس جويس وتقنية تيار الوعي، وفرنسوا رابيليه، وتأكيده على التواصل المستمر بين الأعلى والأدنى.
وقد استخدم هذا النوع من الكتابة طوال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كما في «الحزن المبهج». وفي روايته «الحلاق» طرح هرابال رؤيته عن العالم على لسان أمه، أو على لسان معزولين حالمين، كما في «خدمت ملك إنجلترا»، أو «عزلة صاخبة للغاية».
ويعتبر هرابال (1914 - 1997)، واحداً من أفضل ممثلي الأدب التشيكي في القرن العشرين، وأكثرهم ترجمة إلى اللغات الأجنبية. تخرج في كلية الحقوق بـ«جامعة تشالز» بمدينة براغ، كما تردد على محاضرات في تاريخ الأدب والفن والفلسفة، وعمل إبان الحرب العالمية الثانية كعامل ومحصل بهيئة السكة الحديد، كما اشتغل في مهنة ساعي بريد ومندوب مبيعات. تعرض أثناء عمله كمتطوع في شركة للحديد والصلب لحادث جعله يعمل في أحد مصانع تعبئة المواد الخام، ثم عاملاً في المسرح.
وبدأ هرابال نشاطه الأدبي عام 1963، وأصبح في عام 1965 عضواً في اتحاد الكتاب التشيكوسلوفاك، لكنه منع من الكتابة بعد «ربيع براغ» 1968، بدأ بعدها ينشر أعماله في دور نشر سرية أو أجنبية. وتحول كثير من كتاباته إلى أعمال سينمائية، كما حصل على العديد من الجوائز، ويعتبره البعض خليفة فرانز كافكا في الأدب التشيكي، خصوصاً بعد روايته «عزلة صاخبة للغاية». توفي عام 1997 بعد سقوطه من نافذة حجرته بالطابق الخامس بالمستشفى الذي كان يعالج فيه بمدينة براغ، ودفن في المقبرة نفسها التي دفنت فيها أمه، وزوجته، وأخوه... وضعوه في نعش من خشب البلوط، وكتبوا عليه، حسب وصيته: «مصنع بولنا للبيرة».



هل جعلت التكنولوجيا الأشخاص أكثر نرجسية؟

كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)
كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)
TT

هل جعلت التكنولوجيا الأشخاص أكثر نرجسية؟

كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)
كلما زاد التقاط الشخص لصور «السيلفي» كان ذلك مؤشراً على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسياً (رويترز)

تعد الشخصية النرجسية من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، حيث يتسم أصحابها بالتركيز الشديد على ذاتهم والشعور بالعظمة والاستحقاق الزائد والحاجة المفرطة للإعجاب، إلى جانب قلة التعاطف مع الآخرين.

ويرى الدكتور بيتر غاردنفورس، أستاذ العلوم المعرفية في جامعة لوند بالسويد، أن عدد أصحاب الشخصية النرجسية ازداد كثيرا في الفترة الأخيرة، وأرجع السبب في ذلك إلى التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

وقال غاردنفورس لموقع «سايكولوجي توداي»: «لقد كان للتكنولوجيا الحديثة تأثير عميق على صورتنا الذاتية. وبدأ ذلك بالكاميرات والهواتف الذكية التي تتيح للشخص التقاط صور متعددة لنفسه وتحسينها ومشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على إعجاب الآخرين. وكلما زاد الإعجاب بالصورة زاد خطر أن يصبح نرجسيا، حيث يمكن أن يشعر بالعظمة والاستحقاق بشكل مبالغ فيه».

وأضاف: «إن إنتاج الصور اليوم ليس سريعاً فحسب، بل إنه رخيص أيضاً. يمكننا التقاط عدد كبير من الصور لأنفسنا والتخلص فوراً من تلك التي لا نعتقد أنها تنصفنا. ويمكننا بسهولة التلاعب بالصور لتجميل أنفسنا ثم نشرها على الفور على وسائل التواصل الاجتماعي. لم تعد الصور تلتقط بالكاميرا لصنع الذكريات بل أصبحت سلعة قابلة للاستهلاك».

ولفت أستاذ العلوم المعرفية إلى أن الاهتمام بالصفات الداخلية مثل شخصية الشخص وذكائه وأخلاقه أصبح في مرتبة أدنى من الاهتمام بالشكل والمظهر وغيرها من الخصائص الخارجية.

كما يرى غاردنفورس أنه كلما زاد التقاط الشخص لصور «سيلفي» لنفسه، تأثرت طريقة تصوره لذاته وكان ذلك مؤشرا على أنه معرض بشكل أكبر لأن يصبح نرجسيا.

علاوة على ذلك، فإن كثرة مشاركة الأخبار والمنشورات السلبية على مواقع التواصل تجعل الشخص أقل حساسية تجاه هذا النوع من الأخبار في المستقبل وأقل تعاطفا مع الآخرين.

وأكد غاردنفورس أنه يرى أن «فيسبوك» و«إنستغرام» هما تقنيتان مثاليتان للنرجسيين.