مؤتمر «حوارات أطلسية» بمراكش يبحث «أزمة الديمقراطية ومآسي اللاجئين»

شكلت قضايا الطاقة والمناخ والتكنولوجيات وأزمة الديمقراطية واللاجئين، عناوين رئيسية تمحورت حولها آراء ووجهات نظر المشاركين في الجلسات الأربع لثاني أيام الدورة الثامنة من مؤتمر «حوارات أطلسية»، الذي ينظمه «مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد»، حول موضوع «الجنوب في عصر الاضطرابات»، وذلك بمشاركة أزيد من 500 شخصية من 66 دولة.
وبقدر ما أكد النقاش ارتباط قضايا الطاقة والمناخ والتكنولوجيا بأسئلة التنمية، تأكد حجم الحيرة والخوف بشأن أزمة الديمقراطية ومآسي اللاجئين، حيث ركزت جلسة «الطاقة والمناخ» على النقص، الذي تعاني منه أفريقيا على صعيد التعاطي مع الوضع.
وبالنسبة لثيون نيانغ (السنغال)، ممثل «أكون لايثين أفريكا»، فإن أفريقيا تمتلك 30 في المائة من موارد العالم، لكن سكانها ما زالوا يحاولون تدبر كيفية تشغيل الأنوار في منازلهم، مع إشارته إلى أن «النقص في الطاقة هو حالة يومية من حيث جئت. اليوم لا يستطيع شعبنا الولوج إلى الطاقة، ولكني أريد أن أرى شبابنا يفعل ما يفعله طلاب هارفارد. عليهم أن يقودوا الاقتصاد... وإذا كنا بحاجة إلى الطاقة الشمسية، فعلينا أن نبادر إلى ذلك، أولاً. إن الملايين من شبابنا يركبون البحر لتتبع حلم غير موجود. يجب أن يتوقف كل هذا».
وفيما أشار فرانسيس بيرين، من «مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد»، إلى أن الصين أصبحت أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، قبل الولايات المتحدة وأوروبا والهند واليابان، رأى أندريه كايي (كندا)، كبير المستشارين الاستراتيجيين في «جونكس»، أننا «إذا كنا نريد الاقتراب من زيادة درجتين، فيتعين علينا أن نوقف مولداتنا عن استخدام الفحم، والانتقال إلى الغاز الطبيعي، وأن نطور الطاقات المتجددة لتوفير العديد من الشبكات، التي من شأنها مساعدة الناس في أفريقيا على التكيف مع الوضع. يتعلق الأمر بمجال للتعاون بين شمال الأطلسي وجنوبه».
وفي الجلسة الثانية، تحت عنوان «التكنولوجيا، الرفاه وعدم المساواة»، أشارت ماريا تيريزا فرنانديز دي لا فيغا، نائبة رئيس الحكومة الإسبانية السابقة، إلى أن مساهمة المرأة في المعرفة تناهز 24 في المائة في أوروبا، مقابل 11.5 في المائة في البلدان النامية، وفقا لتقرير صادر عن يونيسكو، مشددة على أن «عدم المساواة مسألة هيكلية في كل مكان»، وأن «هناك أقلية من النساء في عالم تكنولوجيا المعلومات»، مع أنه «ليس هناك تقدم أو رفاهية دون مساواة».
من جهته، أوضح سانجوي جوشي من مؤسسة «أوبسرفر» للأبحاث (الهند)، كيف أصبحت بلاده «دولة معلوميات»، مشيرا إلى أن الناس يحبون التحدث عن «الثورة الصناعية الرابعة»، مع أن «الثورات الصناعية لا تحدث فقط، بل تزحف».
وبالنسبة لسيرين جوي ديوب (السنغال)، فإن الوصول إلى التكنولوجيا يمكن أن يساعد في التقليص من الفقر، عبر الرفع من سرعة الإنتاجية في الفلاحة، ممثلا لذلك بما يمكن القيام به على مستوى بلاده.
أما برونو بوكارا (فرنسا - الولايات المتحدة)، المتخصص في الحوار الاجتماعي التحليلي، فيرى أن التكنولوجيا، وخصوصا وسائل الإعلام الاجتماعية «تزيد من الطلب على الإشباع النرجسي، وبالتالي زيادة الميل للعلاقة بين الأفراد، وفق هذا الدافع». مشددا على أنها «عملية ضارة»، من منطلق أن «التكنولوجيا هي قفزة في المجهول، وعدم قدرة على اعتبار الآخر موضوعاً حقيقيا. إذ لأول مرة مع التكنولوجيا، هناك شيء جديد يحدث: القلق من عدم المعرفة وعدم الانتماء، مع إمكانية أن تؤدي العواقب إلى شيء أبشع».
من جانبها، رأت ميشيل ندياي، مديرة برنامج السلام والأمن في أفريقيا، أن صعود الشعبوية «هو من أسباب الأزمة، ما دام أن العرض الليبرالي لم ينجح في العديد من السياقات، بما في ذلك في أفريقيا. بحيث نحتاج إلى الضوابط والتوازنات لمراقبة تنفيذ أركان الديمقراطية، غير الموجودة في العديد من البلدان». وقالت ندياي بهذا الخصوص: «إننا نسعى في أفريقيا إلى إعمال الديمقراطية كما يفعل الشمال، مع قوة المؤسسات التي لديه، مع أن علينا أن ننظر إلى الديمقراطية من منظور مختلف».
بدورها، تساءلت تريشا شيتي، مؤسسة ورئيسة تنفيذية لـ«شيسايز»، قائلة: «ما هي حقوق الشباب؟»، قبل أن تضيف: «عندما أسمع أنه يتعين علينا المشاركة، أقول: ما مدى استعداد مؤسساتك لإفساح المجال للشباب وسماع أصواتنا في صنع السياسة؟ إنهم يستعملون السن ذريعة للمطالبة بالاحترام وقمع أصوات الشباب».
واعتبر محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن الاحتجاج «هو مشهد عن حالتنا كديمقراطيين، ممثلا لذلك بما يحدث في العالم العربي، الذي قال عنه إنه كان يطلق عليه الربيع العربي، رغم أنه لم يكن ربيعاً على الإطلاق، كما لم يكن عربيا بشكل كلي، أيضاً».
وأضاف بن عيسى أن العنف يتولد عن مفهوم وممارسة أساسية لما يسمى بـ«الديمقراطية والعدالة الاجتماعية»، حيث يشعر الناس بالاستغلال من قبل أولئك الذين يصوتون عليهم. غير أن الإشكال الكبير، يضيف بن عيسى، يتمثل في الظروف المجتمعية، حيث تحتاج الديمقراطية إلى ديمقراطيين... إلى أناس لديهم شروط أساسية للتعايش واحترام دولة القانون. لكن في مجتمع فقير وجاهل، هذا غير ممكن. ولذلك لم يعد الناس يؤمنون بالمؤسسات.
وفي جلسة «اللاجئون: الحماية والهجرة»، بدت حساسية الموضوع أكثر حدة، حيث قال ريتشارد دانتزيغر، المدير الإقليمي لغرب ووسط أفريقيا في المكتب الدولي للهجرة، إن الوقت الراهن «ليس مناسبا لكي يكون المرء لاجئاً، في سياق يتسم بإضعاف حقوق الإنسان ونظام اللاجئين، وغياب الدولة في المناطق التي ينتقل فيها الأشخاص».
وبالنسبة لأنخيل لوسادا، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي بمنطقة الساحل، فالوضعية مأساوية في وقت لا يتم فيه التدخل بشكل مستعجل، فيما تبقى المسألة الأمنية من الأمور الأساسية، التي تدفع إلى إعادة النظر في طبيعة التعاطي مع قضية اللاجئين.
ودعا الجنرال بيرامي ديوب (السنغال)، المسؤول عن اللجنة الوطنية لإدارة اللاجئين والعائدين والمشردين، إلى دعم اللاجئين حتى يشعروا بالحماية، مع تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأساسية، من تعليم وصحة، علاوة على بث الأمل وزرع الثقة في نفوسهم.
وفيما استعرض تسفاهون جوبيزاي كينفي، وزير الدولة ومستشار رئيس الوزراء في إثيوبيا، تعاطي بلده مع اللاجئين، ختم عبد الله كوليبالي (مالي)، رئيس منتدى باماكو، مداخلته بعبارات لخصت قتامة الأوضاع التي يعيشها اللاجئون في أفريقيا بقوله: «كلنا لاجئون محتملون!».