لا مستقبل للناتو من دون موسكوhttps://aawsat.com/home/article/2036011/%D9%84%D8%A7-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%84%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%88-%D9%85%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88
أثبتت قمة الناتو التي جرت في 3 و4 من هذا الشهر في بريطانيا أن أحد العوامل التي تساهم في الحفاظ على وحدة صفوف هذا الحلف هي روسيا. تنظر هذه المنظمة إلى موسكو كـ«تهديد للأمن الأوروبي - الأطلسي»، وذلك وفقاً للبيان الختامي. ولكن تشير تصريحات بعض الدول من أعضاء الناتو حول روسيا وأيضاً الأحداث ما قبل القمة إلى خلافات عميقة داخل الحلف.
قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتصريح المخلص للغاية قبل القمة عندما وصف الناتو بأنه في حالة «موت دماغي»، مشيراً إلى عدم وجود تنسيق بين أعضاء الناتو. لم يوافق معه الأمين العام للحلف الشمالي الأطلسي ينس ستولتنبرغ وقادة بعض الدول، وهاجمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وقال لماكرون: «توجه بنفسك إلى طبيب لفحص حالة الموت السريري لديك قبل كل شيء».
ولا يقتصر الأمر على التصريحات والاتهامات فقط. هناك أيضاً نقاط الخلاف بين دول الناتو. وما يلفت النظر هو أن من أثار أكثرية هذه الخلافات هي الولايات المتحدة، أي الدولة التي تترأس حلف شمال الأطلسي، ومن المفترض أن تقوم بإطفاء التناقضات.
طبعاً قبل كل شيء هناك خلافات عميقة بين أميركا وتركيا في اﻵونة الأخيرة، وهناك كثير من المشاكل بينهما. لا ننسى أن واشنطن تقدم الدعم العسكري والسياسي لأكراد سوريا، وهذا خط أحمر بالنسبة لتركيا التي ردت على ذلك مؤخراً بالعملية العسكرية «نبع السلام» ضد مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد). ومن جديد استعملت الولايات المتحدة ضد أنقرة لغة العقوبات وحتى هددت بتدمير الاقتصاد التركي. أكثر من ذلك، بدأ النقاش في الولايات المتحدة حول احتمال استثناء تركيا من الناتو. وقد تدعم ذلك وفقاً لاستطلاعات الرأي بعض الدول الأوروبية. فقد أجرت شركة YouGov الاستطلاع في ألمانيا الذي أشار إلى أن 58 في المائة من مواطنيها يؤيدون طرد أنقرة من الناتو. وجدير بالذكر أيضاً مسألة تسليم منظومة إس - 400 الروسية لتركيا. وهذا ما أدى إلى توتر إضافي ليس فقط في العلاقات الأميركية التركية بل أيضاً في صفوف الناتو. واﻵن هناك أصوات متزايدة داخل الحلف للرد على تصرفات أنقرة.
ولكن ليست تركيا هي الوحيدة التي تحصد التداعيات السلبية للسياسة الأميركية على الساحة العالمية. انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران أدى ليس فقط إلى التوتر الحالي في الخليج، بل إلى رد حاد من قبل بعض الدول الأوروبية. وهذا لأسباب مفهومة. فقد حطم الرئيس الأميركي دونالد ترمب في لحظة واحدة الجهود التي بذلتها خلال 10 سنوات، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بالتعاون مع روسيا والصين.
يمكن القول الشيء نفسه عن الانسحاب الأميركي من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. شعرت الدول الأوروبية بالأمن والأمان قبل هذه الخطوة، والآن على ما يبدو ستجبر واشنطن بعض هذه الدول على نشر صواريخ من هذا النوع على أراضيها، وقد أبلغت روسيا أنها سترد على هذه الإجراءات بالخطوات نفسها، لذلك تقع المسؤولية جميعها على واشنطن بهذا التطور الخطير. والسؤال يطرح نفسه: أليس من الأفضل أن تكون لدى الدول الأوروبية السياسة المستقلة والقرارات السيادية بدلاً من تلقي الأوامر من قائد الناتو؟ خاصة أن للتعاون الأوروبي - الأميركي تداعيات سلبية، ليس فقط في المجال الأمني بل أيضاً الاقتصادي والتجاري، مثلاً حول «السيل الشمالي - 2». ومن المعروف أن واشنطن تحاول عرقلة دخول هذا المشروع حيز التنفيذ، بغض النظر عن أن أنابيب الغاز هذه ستساهم في تأمين الدول الأوروبية في مجال الطاقة. مثال آخر هو التناقضات بين الولايات المتحدة وفرنسا حول الشركات الإلكترونية الأميركية. باريس تود أن تفرض ضرائب عليها وواشنطن تهدد برفع التعريفات الجمركية على بضائع فرنسية.
وعلى ما يبدو أصبح الناتو بالنسبة للولايات المتحدة قبل كل شيء مشروعاً مدراً للأموال، وليس حلفاً لمواجهة التحديات المشتركة. هذا الاستنتاج واضح في ضوء الطلبات الأميركية المستمرة والمتكررة لترفع الدول الأعضاء في الناتو إنفاقها الدفاعي بنسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبطبيعة الحال فإن المستفيد الرئيسي من ذلك هي الشركات الأميركية المنتجة للأسلحة. وهنا من جديد يتصرف دونالد ترمب كرجل أعمال وليس كسياسي، ويدرك ذلك أعضاء الناتو الآخرون.
ولكن هناك أيضاً الخلافات بين الدول المتحالفة الأخرى. وقعت تركيا مذكرتي تفاهم أمني وبحري مع حكومة الوفاق في طرابلس، وهذا قبل أيام فقط من قمة الناتو، وأدى ذلك إلى رد متشدد من قبل اليونان، وأيضاً مصر وقبرص، وطلبت أثينا نص الاتفاق حول التعاون التركي - الليبي في البحر، وبعدما لم تحصل عليها طردت اليونان السفير الليبي، وقام الاتحاد الأوروبي بالطلبات نفسها، والآن يدرس خيارات رد فعل على تركيا.
وتشير كل هذه الخلافات داخل حلف شمال الأطلسي إلى أن الدول المتحالفة لا تريد تلبية الأوامر الأميركية دون تحفظات كما لبتها في أيام الحرب الباردة. لديها المصالح الوطنية. وتتناقض تلك المصالح مع المصالح الأميركية ومصالح دول الأخرى. طبعاً هذا لا يعني أن الناتو على وشك الانهيار أو سيتفكك في المستقبل القريب. هذا السيناريو وارد فقط في حال التغيرات الجذرية على الساحة العالمية المشابهة لانهيار الاتحاد السوفياتي ومعاهدة وارسو، ولكن سيتحول الناتو بالنسبة لأعضائه إلى الرمال المتحركة أكثر وأكثر؛ أي لا تفيد العضوية في هذا الحلف ولا يمكن الخروج منه.
هذا من جهة. ومن جهة أخرى، الناتو لا يزال منظمة قوية. والدليل على ذلك، الدور الذي لعبه الحلف في ليبيا في عام 2011، وهي تعاني من تداعيات هذا التدخل حتى اﻵن ولا يستطيع المجتمع الدولي أن يعالج الأوضاع هناك. أكثر من ذلك الناتو يتوسع، ومن المفترض أنه سيضم مقدونيا الشمالية في المستقبل، وأيضاً هناك نوايا لضم جورجيا وأوكرانيا إلى صفوفه، وأكد ذلك ينس ستولتنبرغ خلال القمة، وهذا هو خط أحمر بالنسبة لروسيا، التي لن تكون صامتة في حال تنفيذ هذه الخطط. وبشكل عام توسيع الناتو واقترابه من حدودها يقلق موسكو للغاية، ويجبر القيادة الروسية على أن ترد على هذه الخطوات.
واللافت للنظر أن بعض الدول لا تعتبر روسيا عدواً لحلف شمال الأطلسي، بل تسميها شريكاً. هذا ما أشار إليه إيمانويل ماكرون خلال القمة، ورفض أيضاً الرئيس البولندي أندجي دودا أن يسمي روسيا عدواً. ولكن عندما تحتاج الدول المتحالفة إلى شريك فهي تحتاج أيضاً إلى عدو، وهذا الشرط الرئيسي لمن يريد أن يحافظ على صفوفه ووحدته، ولكن ليس العدو الضعيف الذي يمكن أن يدمره الناتو خلال بعض الأسابيع بل العدو الصامد والقوي. ويمكن أن تلعب هذا الدور روسيا فقط، ولهذا السبب تستمر الموجة الإعلامية لشيطنة موسكو، كما تستمر الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية عليها، والكل يدرك أنه من دون موسكو لا مستقبل للناتو.
* كاتب روسي
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5088685-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.
الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.
وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟
هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً
في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.
ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.
وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».
وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».
ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.
ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.
وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.
وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.
وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».
وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».
وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.
تكتيكات «حماس» قبل وبعد
منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».
ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.
وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.
وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».
وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.
وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.
إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.
وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».
لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.
وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.
فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.
خارج التوقعات
بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.
وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».
وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».
لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.
وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.
ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».
وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».
جدل عام وتهم جاهزة
هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.
فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.
وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.
ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».
وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».
ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.
وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».
وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.
ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.
وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.
وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.
وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.
ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.
وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».
وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».
ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.
ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.
وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.
صفقات تبادل سابقة
ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.
وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.
ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.
وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.
وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.
وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».
وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.
وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.
لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.
ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.