«حوارات أطلسية» يناقش تحديات الجنوب في «عصر الاضطرابات»

شهد اليوم الأول من منتدى «حوارات أطلسية» في مراكش، الذي نظمه مركز السياسات للجنوب الجديد، نقاشا غنيا شمل مختلف القضايا المتفرعة عن موضوع «الجنوب في عصر الاضطرابات».
وفي مداخلة تقديمية للمنتدى، قال يونس العيناوي، رئيس مركز السياسات للجنوب الجديد إن الحوار «أصبح أكثر أهمية اليوم مما كان عليه في أي وقت مضى. نحن نقدم هنا في مراكش فقط المنصة لتعزيز قدرتنا على الجلوس معا بطريقة حضارية... ندعوكم لجمع طاقاتنا في أوقات صعبة للغاية».
وناقشت نخبة من الخبراء والباحثين والسياسيين الرهانات والتحديات الأساسية، التي ينبغي على الجنوب مواجهتها خلال «عصر الاضطرابات»، وذلك بمناسبة تقديم التقرير السنوي للدورة السادسة من «تيارات أطلسية»، وهو الإصدار الرئيسي لـ(مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد)، الذي يحمل عنوان «الجنوب في عصر الاضطرابات».
ويسلط التقرير، الذي يعتبر وثيقة مرجعية، الضوء على التحديات التي تواجهها منطقة المحيط الأطلسي، وطرح من خلال فصوله التسعة عدة أسئلة جوهرية، تتعلق بـ«نظام ما بعد أميركا»، والنظام التجاري القائم على قواعد «فرص النجاة»، و«الدبلوماسية الثقافية»، و«مستقبل الاتحاد الأوروبي»، قبل أن يتطرق إلى المشاكل المتعلقة بجنوب المحيط الأطلسي، مثل «توسع التمرد في الساحل وعلامات القلق في غرب أفريقيا الساحلية»، و«الصين وأفريقيا في عصر الاضطرابات».
وقدم المتدخلون لمحة عامة عن القضايا الاقتصادية والتجارية والجيو - سياسية الأساسية الحالية، بهدف إبراز التحديات التي تواجهها منطقة المحيط الأطلسي بشمالها وجنوبها، وذلك من خلال إيصال صوت الجنوب إلى النقاش الجيو - سياسي العالمي.
وأشارت أنابيل غونزاليس، وزيرة التجارة الخارجية السابقة في كوستاريكا، إلى تحديات منظمة التجارة العالمية، موضحة أنها تعيش منذ سنوات حالة اضطراب بسبب التحديات المتعددة التي تواجهها المنظمة، بسبب كثرة القيود التي تفرضها الإدارة الأميركية وعدم الاستقرار.
وقالت غونزاليس: «لقد انتقلنا من نظام قائم على القواعد إلى نظام قائم على السلطة، حيث أصبحت الولايات المتحدة والصين خصمين رئيسيين»، الأمر الذي أدى، في نظرها، إلى زيادة تفتيت التجارة وزيادة التوتر، لا سيما في مكافحة تشوهات السوق، وإدارة الاقتصاد الرقمي، وإعادة تعريف دور الاقتصادات الناشئة في النظام التجاري العالمي.
وبعد أن أكدت غونزاليس أن كل نزاع تجاري يثير حاليا حربا تجارية، تساءلت عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الاقتصادات الناشئة في مواجهة هذا الوضع الجديد على المستوى العالمي، والذي يتسم على الخصوص بالنمو المتسارع في الاقتصاد الرقمي والرقمنة.
ودعت غونزاليس إلى اعتماد حكامة عالمية متجددة، مشددة على ضرورة الوحدة من أجل الحفاظ على النظام التجاري العالمي، الذي سيواجه تحديات كبيرة خلال السنوات المقبلة.
من جهتها، تطرقت لين إشمايل (سانت لوسيا)، السفيرة السابقة لدول شرق البحر الكاريبي لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي، إلى تأثير تراجع الريادة الأميركية في الغرب وانعكاساته على الجنوب، مما يثير المخاوف والانشغالات بين الحلفاء التقليديين.
وقالت إشمايل إن هناك أمورا تدعو للاعتقاد بأن الجنوب يمر بفترة من الاضطراب بسبب التغيرات، التي تفرض على العديد من البلدان الاختيار بين الولايات المتحدة والصين؛ نظرا لكون التصور القائم يؤكد أنهما ليسا شريكين، بل منافسان.
من جانبه، أشار رضا ليموري (المغرب)، كبير الباحثين بمركز السياسات، إلى انتشار الإرهاب وتكاثر الجماعات المتطرفة المسلحة في منطقة الساحل. وقال إن الإرهاب الذي بدأ في أجزاء من مالي أصبح ينتشر الآن في مناطق أخرى، مثل تونس ونيجيريا، مبرزا أنه يمكن أن يصل إلى الدول الساحلية مثل غانا، في غياب أي «استراتيجية للتعامل مع هذه المشكلات، حيث تطورت قضية الإرهاب في الساحل بدلاً من إيجاد حل لها».
ورغم هذا التدهور في الوضع الأمني​​، فإن أميناتا توري، رئيسة وزراء السنغال السابقة، تريد أن تبقى متفائلة، لا سيما في غرب أفريقيا، رغم وجود العديد من التحديات. بيد أنها أشارت إلى إحراز تقدم في معدلات النمو، وظهور نيجيريا كقوة اقتصادية رائدة في أفريقيا، دون أن تنسى الإشارة إلى مسألة تعليم الفتيات، التي عدتها ثورة غير مرئية.
وشكلت محاورة الرئيس النيجيري الأسبق أوليسجون أوباسانجو، محطة متميزة في «حوارات الأطلسي»، ذلك أنه ركز في حديثه على «العيش في أوقات غير مستقرة». وقال: «قبل ذلك سعى العالم للسلام والاستقرار والتنمية والنمو والتقدم. وقد تم تحقيق معظم هذه الأهداف باستثناء الإنصاف والعدالة والديمقراطية، وكذلك تعددية الأطراف». لافتا إلى أن الجنوب «يجب أن يكون قلقاً، ولكن ليس كثيراً لأن ما يحدث في الأفق هو صعود التعددية، التي نحتاج إليها لحكم العالم».
وفي جلسة أخرى من المنتدى، تتبعت ماريا أوجينيا دي أفيلا، وزيرة خارجية السلفادور السابقة، ظاهرة الشعبوية في العالم، وعزتها إلى وجود «أزمة الثقة بين المواطنين وصناع القرار». في حين يعتقد نظيرها إجناسيو ووكر، وزير خارجية شيلي السابق، أن الشعبوية «ولدت من حقيقة مفادها أن قوى السوق لم تعد تعمل من أجل المصلحة السياسية والاقتصادية للمواطنين».
في غضون ذلك، ندد باولو بورتاس، وزير الخارجية البرتغالي السابق، بالثورة الرقمية باعتبارها واحدة من أسباب صعود الشعبوية، التي يعتبرها «مرضاً غربياً وليس مرضاً متطرفاً»، مشيرا إلى أن الشعبوية توجد في اليمين واليسار. وقال: «ترمب شعبوي، وكذلك بوريس جونسون. بولسونارو كذلك، تماماً كما كان لولا دا سيلفا».
ويعتقد بورتاس أن الانتشار الهائل للرسائل المزيفة على الشبكات الاجتماعية، هو عنصر «مدمر». وقال إن «بعض الرؤساء لا يهتمون بتحسين حياة الناس، لكن لديهم أكبر عدد ممكن من الإعجابات»، التي ستقتل الديمقراطية التمثيلية، في نظره.
وفي جلسة أخرى حول التعليم، تطرق وزير التعليم السابق والشخصية النيجيرية البارزة أوبياجيلي إيزكويسيلي إلى تجربته، وقال: «لقد أصبح الحكم عقبة أمام حل المشكلات. نحن نعالج الأعراض بدلاً من أن نكون جريئين». مضيفا: «عندما التحقت بالحكومة وجدت أن هناك 6 ملايين طفل غادروا المدارس في نيجيريا. آنذاك شعرت بالصدمة من مستوى خطورة هذا التحدي». وخلص إلى القول بكلمات قوية واضحة إن رأس المال البشري والتعليم «هما البترول الجديد لبلد مثل بلدي».
من جهته، قدم غريغوري نغوين تيان هونغ، وزير التنمية الاقتصادية والتخطيط الفيتنامي السابق، بعض الحلول لإشكالية التعليم، وقال: «أولاً إنشاء قسم للتعليم الفني في الوزارات لرصد التقدم المحرز... ثم إنشاء مكتب تنمية اقتصادية قوي، بما يكفي لتشجيع التغيير التكنولوجي. وأخيراً، قام بإنشاء منهج فني في التعليم الثانوي والعالي، مع عامين في المدرسة وسنتين في الأعمال».
أما وزيرة التعليم السابقة في فرنسا، نجاة فالود بلقاسم، فقالت إن إحدى أهم القضايا المطروحة في فرنسا تتعلق بعدم المساواة. وأضافت موضحة: «الأصل وظروف الميلاد، والفئة الاجتماعية للوالدين كلها عوامل تؤثر على النجاح الأكاديمي للأطفال». وخلصت إلى القول إن المزيج الاجتماعي مهم لتشجيع الطموح ورفع التقدير.
من جانبه، قال ديدييه أكويتي، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «أفريكا سيرش» الاستشارية للتوظيف، إن «الزراعة في أفريقيا تمثل ما بين 15 في المائة إلى 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، و70 في المائة من العمالة، لكن 2 في المائة فقط من الطلاب. إضافة إلى ذلك، فإن انخفاض عدد الطلاب بين التعليم الابتدائي والثانوي بنسبة 70 في المائة يعد دراماتيكياً لأفريقيا، حيث يتابع 9 في المائة فقط من الطلاب دورة التعليم العالي. وهؤلاء الأفارقة الشباب متعلمون، لكنهم عاطلون عن العمل لأن شهاداتهم لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل».
وأضاف متسائلا: «ماذا نفعل مع 70 في المائة من الطلاب غادروا على الطريق؟... يجب أن نفكر بطريقة مختلفة، وأن نجلب المهارات حيث يكون العمل، أي في الشارع وفي القطاع غير الرسمي».