ملفات حارقة تنتظر الرئيس الجزائري المنتخب

سيواجه الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، تحديا كبيرا يتمثل في تلبية مطالب مظاهرات شعبية كبيرة، مستمرة منذ قرابة 10 أشهر، والتي تجددت أمس بالعاصمة وغالبية المدن للأسبوع الـ43. وكان شعارها الأبرز: «يسقط... يسقط نظام الفساد ونظام التزوير».
ويرى عدد من المراقبين السياسيين، أن الرئيس الجديد سيرتقي كرسي الحكم في الجزائر، محاطا بأشواك أزمة سياسية لم تشهد البلاد لها مثيلا منذ عقود، وأوضاع اقتصادية عاصفة وهجمات شرسة للانتقاص من شرعيته، بعد الفوز في انتخابات شهدت إقبالا ضعيفا، في ظل معارضة حركات احتجاجية ضخمة. ولذلك تأمل السلطات في أن ينهي انتخاب رئيس جديد الاضطرابات المستمرة على مدى عدة أشهر، منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 عاما في سدة الرئاسة، في أبريل (نيسان) الماضي، وذلك عندما سحب الجيش دعمه له إثر مظاهرات حاشدة. لكن المشكلة الكبرى بالنسبة للرئيس الجديد هي أن المتظاهرين يرفضون الانتخابات برمتها، ويعتبرونها «خدعة مدبرة» من قبل سلطات يلفها الغموض، ويدعمها الجيش لإخماد الانتفاضة المستمرة منذ أشهر، واستعادة النظام السياسي القديم.
وبينما يقول مسؤولون إن 40 في المائة من الناخبين أدلوا بأصواتهم، وهو ما يعتبر كافيا لإضفاء الشرعية على العملية، يرى بعض المحللين السياسيين أن المتظاهرين والمتعاطفين معهم، الذين قاطعوا الانتخابات، يمكن أن يطعنوا في التفويض، الذي حصل عليه تبون. ونظرا لغياب قيادة واضحة للحركة الاحتجاجية، يبقى السؤال المحير: مع من سيتفاوض تبون على مسار يحظى بالقبول على نطاق واسع للمضي قدما؟
وبالإضافة إلى الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، يواجه الرئيس الجديد تبون أصعب وضع اقتصادي تشهده الجزائر منذ عقود، في ظل تراجع عائدات الطاقة، والتخفيضات الصعبة في الإنفاق الحكومي، حيث انخفضت صادرات الطاقة، التي تعتبر مصدر 95 في المائة من عائدات الدولة، بنسبة 12.5 في المائة هذا العام. كما استنفدت الحكومة أكثر من نصف احتياطياتها من العملات الأجنبية منذ بدء انخفاض أسعار الطاقة في عام 2014. ووافقت على خفض الإنفاق العام بنسبة تسعة في المائة العام المقبل، دون المساس بالدعم، الذي يعتبر بالغ الحساسية من المنظور السياسي. كما تم إقرار قواعد استثمار جديدة، تسمح للشركات الأجنبية بامتلاك حصص أغلبية في «القطاعات غير الاستراتيجية»، وتسهل على شركات النفط العالمية العمل مع شركة الطاقة الحكومية سوناطراك، وهو ما تسبب في إغضاب نسبة كبيرة من الشعب الجزائري، ووجه انتقادات حادة للحكومة.
وكان تبون ينظر إليه خلال سنوات عمله وزيرا في حكومة بوتفليقة على أنه من التكنوقراط. وقد شغل منصب رئيس الوزراء سنة 2017، قبل أن يُعزل بعد أقل من ثلاثة أشهر عندما تعرّض لرجال الأعمال الكبار ذوي النفوذ في الحلقة المحيطة بالرئيس، وكثير منهم في السجون الآن بتهمة الفساد. وقد حاول تبون، كغيره من المرشحين، تسخير حركة الاحتجاج واستغلالها كمصدر للتأييد من أجل الإصلاح، في الوقت الذي يرفض فيه جوهر رسالتها، أي تنحية النخبة الحاكمة برمتها وإبعاد الجيش عن السياسة.
علاوة على ذلك، يعتبر ملف منطقة القبائل من التحديات الكبيرة التي ستواجه حكومة تبون، ذلك أن منطقة القبائل عاشت عزلة سياسية لم تعرفها من قبل، بعد أن تميزت عن بقية المناطق بغياب كامل عن الاستحقاق. وسيكون تطبيع الوضع في القبائل، من أصعب التحديات التي ستطرح على الرئيس الجديد. وكان بوتفليقة، تمكن إلى حد ما، من تخفيف حدة احتقان سكانها تجاه السلطة، عندما أطلق إجراءات تهدئة كانت إيجابية، بحسب مراقبين، أهمها الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية في 2016.
لكن يبدو أن الأولوية القصوى للوافد الجديد على القصر الرئاسي، تكمن في إحداث قطيعة مع ممارسات النظام القديم، وإعادة الثقة بين الشعب بمختلف مكوناته ومؤسسات الدولة، وإقناع الحراك الشعبي العازم على مواصلة التظاهر والاحتجاج، إلى جانب إعادة الحياة للآلة الاقتصادية التي أصيبت بالشلل منذ بداية العام الحالي، وتحقيق العدالة الاجتماعية بضمان تكافؤ الفرص ومحاربة الفساد واستقلالية القضاء.