أفلام العرب اللافتة توزعت بين قضايا الموت والحياة

بينها أعمال ممولة من الخارج

فيلم «لأجل سما» لوعد الخطيب
فيلم «لأجل سما» لوعد الخطيب
TT

أفلام العرب اللافتة توزعت بين قضايا الموت والحياة

فيلم «لأجل سما» لوعد الخطيب
فيلم «لأجل سما» لوعد الخطيب

خلال السنوات القليلة الماضية، وفي مدار سنة 2019 أيضاً، ارتفعت نسبة الأفلام التي تتحدث عن الموت. ليس ذلك الناتج طبيعياً من بلوغ الفرد سنوات عمر مديد من المستحيل تجاوزها، بل عن موت يحدث لمن هم دون ذلك بكثير أو لموتهم وموت أشياء أخرى في الحياة لجانبهم.
هو موت البهجة في صدر امرأة في «أخضر يابس»، وموت الآمال في «ورد مسموم»، وموت الذكريات في «طرس... الصعود إلى المرئي»، كما الموت الناتج من الرحيل بعيداً عن الوطن كما في «قصص العابرين» و«بنزين»، بل رحيل الوطن بأسره إلى مستقبل مجهول كما في أفلام المخرج جود سعيد المتوالية وسواه من مخرجين سوريين على ضفتي الوضع الماثل.
في عام 2019 استمر هذا المنهج في بضعة أفلام لافتة.
في الفيلم السعودي - الإماراتي - العراقي «سيدة البحر» شهد أمين حكاية تقاليد يتخيلها الفيلم كانت تحدث فوق جزيرة تقع في بلد عربي ما (لا يحدده) مفادها أن على كل عائلة تسكن تلك الجزيرة القاحلة التي تعتاش على الصيد أن تضحي بفتاة من أولادها لكي ترضى ملكة البحر عن الصيادين وتزيد من نسبة صيدهم. الموت الماثل هنا هو التهديد المستمر لفتاة اسمها «حياة» حاول والدها تقديمها قرباناً وهي طفلة، لكنها طافت في ماء البحر وعاشت حتى بلغ عمرها 12 سنة عندما تكررت المحاولة، لكن حياة عادت للحياة فعلاً.
هذه التقاليد (المبتدعة في طقس أسطوري هنا) توازي تقاليد يحرص المخرج السوداني أمجد أبو العلا على توفيرها في فيلمه «ستموت في العشرين».
إنها السودان بالتحديد هذه المرّة والعادة المتبعة في إحدى قراها أن يردد الصوفيون أرقاماً وهم يرقصون إلى أن يتهاوى أحدهم حين يصل إلى رقم معين. هذا الرقم هو الذي سيموت عند بلوغه المولود الجديد. «ستموت في العشرين» هو عن نبوءة تصيب فرداً وتصاحبه إلى أن يصبح في العشرين من عمره، حيث تقع معظم الأحداث.
في الفيلم التونسي «بيك نعيش» لمهدي برصاوي الحياة والموت كل على كتف صبي أصيب بطلق ناري في معدته. هذا الصراع ينجلي عن صراع أكبر بين أب اعتقد طوال اثنتي عشرة سنة بأنه الأب الشرعي لهذا الولد، وأم كانت تعتقد ذلك بالفعل إلى أن اكتشفت أن والده هو صديقها الذي تركته عندما تزوّجت.
على ضعف المادة العلمية في هذا الوضع صنع برصاوي فيلماً مثيراً للاهتمام يتضمن مشاهد ناجحة بمحاور عدة، بينها الموت المجاني الذي يقع في ليبيا ويحصد حياة الصغار هناك أيضاً.

- فيلم برسم الحياة
كل واحد من هؤلاء المخرجين الثلاثة أنجز هنا فيلمه الأول، وكل واحد منهم أنجز مع فيلمه الأول طموحاً بعيد المدى: سعت المخرجة شهد أمين إلى أسلوب فني من الشعر البصري الداكن وصوّرت عملها بالأبيض والأسود لمزيد من تأكيد الماضي على شاشة فيلمها. بذلك أرادت فيلما فنياً، وكان لها نصيب مما سعت إليه.
مهدي برصاوي سعى إلى إنجاز فيلم يصيب الهدف محلياً وعالمياً. أسلوب الحكاية الفرنسي مع الموضوع الداخلي البحت. وهو بذلك حقق بعض هذا الهدف.
لكنه أمجد أبو العلا هو من بلغ بطموحه مستوى ضمن أعلى نسبة من ثمار هذا الطموح. فيلمه «ستموت في العشرين» واقعي وخيالي وشعري في وقت واحد. وهو حكاية تمر بسلاسة وعمق في الوقت ذاته.
في المقابل، هناك أفلام أقل عن الحياة وحبها، ولن نجد بين هذه الأفلام القليلة أفضل من فيلم حميد بن عمرة «تايم لايف» التجريبي، حيث تقوم زوجته (الممثلة الفرنسية ستيفاني بن عمرة) بالحديث عن اختياراتها منح الحياة لجنينها من دون مساعدة من أحد وفي عقر دارها. هو فعل من العزيمة والتحدي مغلف بفلسفة العيش ضمن تقاليد لا تموت في ربوع الأرض كافة. المختلف هنا هو الموقع الفرنسي؛ كون النساء في فرنسا، كما في باقي الدول الغربية، يعمدن إلى المستشفيات لوضع مواليدهن. المخرج حميد بن عمرة جزائري، لكن التمويل بكامله فرنسي، أما الحوار المستخدم فغالبه عربي وفرنسي، وقليل منه روسي.
في مقابل الحياة التي تزمع ستيفاني بثها بمفردها كأم، هناك موت الأشياء في البال المنهك، كما يعبر عنه المخرج محمد ملص الذي يستضيفه المخرج في منزله فيتحدث ويقرأ ويمثل حاجته إلى التعبير... تلك التي يجدها غير متاحة في بلده (سوريا) بالطريقة التي يريد.
ليست الحرية وحدها غير المتاحة، بل التمويل أيضاً. محمد ملص، الذي هو موضوع فيلم تسجيلي لبناني عنه بعنوان «فتح أبواب السما» لنزار عنداري، هو من أولئك الذين رفضوا الهجرة وبقي في دمشق من دون أن يوالي أي جهة في تلك الحرب الضارية التي شهدتها البلاد.
الصرخة التي يطلقها «بدّي حرية... بدّي فيلم» خلال أحد مشاهد «تايم لايف» تتردد بجناحيها: هو فعلاً يريد حرية قول، لكنه يريد أيضاً تمويلاً لا يأتي. لا الحرية من دون تمويل ممكنة، ولا التمويل من دون حرية كاف.
أفلام الوضع السوري تتحدث كلها عن الحياة والموت سواء أكانت من تلك التي يتم إنتاجها داخل سوريا أو يتم تصويرها في الداخل وصنعها في الخارج. بكلمات أخرى، هناك أفلام تنتمي إلى السلطة وأخرى للمعارضة. وهذا وحده - ومن منطلق سينمائي بحت - لا يعني تفضيل جانب على آخر.
ما تبدّى خلال 2019 في هذا الشأن قدرة المخرج الشاب جود سعيد على تحقيق أفلامه واحداً تلو الآخر. وفي حين أن بعض أفلامه السابقة (وبالأخص «مطر حمص» و«رجل وثلاثة أيام») عرفت قدراً كبيراً من الفرادة وهي تتحدث عن السوري داخل أتون الحرب، شملت أفلامه اللاحقة، وبينها «دروب السماء» و«نجمة الصبح» في هذا العام، تكرار مواقف وتكرار حبكات وشخصيات كما لو كانت فيلماً واحداً يختلف عن سابقه باختيار مكان تصوير مختلف بأسماء شخصيات متغيرة إنما فحوى هذه الشخصيات وما تبحثه وتطرحه أو تدل عليه واحد.
على أن مسألة الحياة والموت في أفلام جود سعيد مطروحة بثبات وتعكس تلك النظرة التي تدعو لتواؤم الجميع ونبذ الخلافات في الوقت الذي تتحدث فيه عن انتماءات شخصيتها. بعضها مع النظام وبعضها الآخر ضده.
ولا تختلف الأفلام المصوّرة في الداخل والممولة من الخارج بالنسبة لهذا الوضع. فيلم «لأجل سما» لوعد الخطيب وإدوارد ووتس نموذجي بالنسبة لموضوع الحياة والموت. هي الحرب الطاحنة والدمار المتواصل وفي مرماها وتحت وقعها الطاحن تلد المخرجة طفلة تسميها سما وتحقق فيلمها لأجلها وباسمها.
هل فات الأوان أمام المخرجين العرب لتقديم أفلام تزخر بالحياة كما شأن «ستموت في العشرين» و«تايم لايف» وبطموحهما؟ لا لم يفت. لكنها طينة الحياة الحاضرة التي يتداولها الإنسان في هذا الزمان والمكان والتي يجد المخرجون (حتى المبتعدون عن دروب الفن باختيارهم) منساقون لطرحها في معالجات شتّى نابعة من الأوضاع على نحو أو آخر.


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).