ما موقع «الإسلاميين» الجزائريين عشية الانتخابات الرئاسية؟

في سنة 1990 احتل «الإسلاميون» الشارع الجزائري باعتبارهم القوة الرئيسية لمعارضة النظام، ثم فازوا بأول انتخابات بلدية بعد إقرار التعددية السياسية، وبعدها بالدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، قبل أن يلغيها الجيش.
لكن اليوم، وفيما تعيش البلاد حركة احتجاج غير مسبوقة، يبدو من الواضح أن الإسلاميين، وأكبر حزبين بينهم «حركة مجتمع السلم» و«جبهة العدالة والتنمية»، لا يلعبون فيها دوراً كبيراً. علماً بأن الإسلاميين يحوزون في المجلس الشعبي الوطني 48 نائباً من أصل 462، ينتمون لتحالفين من أحزاب عدة.
وعن موقع الإسلاميين اليوم في الانتخابات الرئاسية المصيرية التي ستشهد على الأغلب مقاطعة واسعة، يقول الكاتب احميدة العياشي، الذي كان من أوائل من كتبوا عن الحركة الإسلامية في الجزائر، لوكالة الصحافة الفرنسية: «دور الإسلاميين السياسي لا يزال منحصراً على مستوى بلورة الخطاب النقدي، من خلال شعارات يرفعونها، والوقوف ضد أئمة المساجد الموالين للسلطة، والحدّ من تأثير السلفيين الذين كانت لهم بالأمس القريب مكانة متعاظمة. لكنها باتت تتراجع أمام سلبيتهم من الحراك، وميلهم نحو الحلول التي يقترحها النظام». مبرزاً أن «جزءاً من الإسلاميين يستعدون لدعم المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة في حال فوزه، ويأملون (...) بحلف موسع يضمّ الإسلاميين، وقسماً من الحراكيين بدينامية جديدة، شبيهة بدينامية الإخوان المسلمين في مصر عندما تولى محمد مرسي الرئاسة».
وتنتهج الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية «الإخوانية»، مثل «حركة النهضة» و«حركة الإصلاح»، و«حركة مجتمع السلم»، و«حركة البناء الوطني»، التي يرأسها بن قرينة، في تعاطيها مع السلطة النهج نفسه الذي انتهجه «إخوان» مصر وإسلاميو المغرب وتونس. لكن «حركة النهضة» التونسية تمكنت من تطوير خطابها من خلال رسملة التجربة الجزائرية في التسعينات، ذلك أن رئيسها راشد الغنوشي، الذي عاش في نهاية ثمانينات القرن الماضي وبداية التسعينات في الجزائر، راقب عن كثب التجربة الجزائرية، وكان شاهداً على انتكاساتها، وهذا ما أدى به عند إقامته في بريطانيا إلى القيام بمراجعات فكرية وجوهرية، فيما يتعلق بقضايا لم يتمكن الإسلاميون الجزائريون من حسمها على الصعيد الفكري والسياسي، مثل قضية المرأة والحريات الدينية، والعلاقة مع التيارات العلمانية، والعلاقة المنسجمة مع الثقافة الغربية، والأهم من ذلك التعامل مع الحكم، بعيداً عن النزعة الطوباوية الإسلامية، المتمثلة في الشعار الفضفاض «الإسلام هو الحل».
وبخصوص مكانة الإسلاميين داخل «الحراك»، يوضح الكاتب العياشي أن الإسلاميين «لا يمثلون اليوم القوة الشعبية، التي كانوا يحظون بها في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، لأسباب عدة، منها التحول داخل المجتمع الجزائري بعد حقبة الحرب الأهلية (1992 - 2002)، وتداعيات الربيع العربي، وظهور جيل جديد لا علاقة له بصراعات التسعينات».
ورغم غيابهم سياسياً بوصفهم حزباً في ساحات المظاهرات، فإنهم اندمجوا تياراً وأشخاصاً في دينامية حراك 22 فبراير (شباط) الماضي، وأثبتوا تغيّرهم، وذلك بتكييف خطابهم، وانفتاحهم على التيارات العلمانية التي كانوا يعادونها في السابق، بحسب تعبير العياشي. كما تخلى الإسلاميون عن شعار «الدولة الإسلامية»، وتبنوا شعار «الديمقراطية والدولة المدنية». وقد ظهر ذلك في خطاب زعيمهم علي بلحاج (نائب رئيس حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي حلّته السلطة)، وانخراط عدد من قياداتهم المحلية في مسيرات يوم الجمعة، وهم يحملون الشعارات نفسها، التي يرفعها الحراكيون، والمتمحورة حول رحيل النظام والحرية والتعددية. كما يلعبون دوراً في التجنيد الخفي للجيل البادئ عمره من الأربعينات فما فوق، وتظهر مكانتهم أيضاً في عدد من المدن الداخلية المحافظة. كما يجد خطابهم النقدي تجاه «عصابات» النظام صدى عند المترددين على المساجد ومعلمي المدارس، بحسب العياشي.
وبخصوص تأثيرهم المحتمل في الانتخابات الرئاسية، وعلامَ يعولون بعدها، أجاب العياشي موضحاً: «الإسلاميون يقفون اليوم موقف الرقيب، لأنهم لا يتصورون أن النظام يسمح بصعود إسلامي إلى الحكم. لكنهم يقدمون دعماً صامتاً إلى بن قرينة، أي عدم معاداته. وقد يخرج دعمهم إلى العلن إذا وصل بن قرينة إلى الدورة الثانية. وفي هذه الحالة، فقد يلعب الإسلاميون دور القاطرة للقوى المحافظة والإسلامية المشتتة، التي تعاني من مشكلة ضياع البوصلة»، مبرزا أنه «في حال أصبح بن قرينة رئيساً، فسيؤدي ذلك إلى صدمة لدى المعارضين، خصوصاً العلمانيين والديمقراطيين، مما قد يضعهم في وضع حرج، يضطرهم ربما إلى التحالف مع السلطة. وهذا قد يؤدي إلى سيناريو (انقلاب) ضد الإسلاميين، يسمح بعودة مشروعة وشرعية للجيش للواجهة».