ما الخطوة التالية أمام جوشوا؟

كان من المفترض أن تكون التجربة السعودية رحلة اكتشاف للجميع، رغم أننا اليوم لا نبدو قريبين من تحديد أفضل ملاكمي الوزن الثقيل عالمياً، ولا ضبط البوصلة على النحو المناسب.
لقد استطاع البريطاني أنطوني جوشوا من الفوز على آندي رويز (الأميركي من أصول مكسيكية) بالنقاط ليستعيد الألقاب التي خسرها لصالح منافسه في مفاجأة يونيو (حزيران) الماضي.
لكن النزال الذي كان على جميع ألقاب الاتحادات الدولية للملاكمة أثار الشكوك حول قوة الملاكمين وأن الوزن الثقيل بات في حاجة لمواجهات أكثر ندية وسخونة كما كان قبل عشر سنوات.
من المؤكد أن الحديث عن مواجهة ثالثة بين جوشوا ورويز، لكن يكون جيدا للعبة، والمطلوب من البريطاني أن يدافع عن ألقابه أمام أبطال من المصنفين بالمستوى الأول.
ديونتاي ويلدر، بالتأكيد هو الأكثر خطورة. تايسون فيوري هو الأكثر دهاءً وشراسة. أولكساندر أوسيك يريد أن يثبت مهاراته وقدراته. آندي رويز أظهر أنه بدين لكنه خطير. ما نعلمه على وجه اليقين أن جوشوا، الذي يملك من جديد ثلاثة أرباع كعكة الوزن الثقيل، لن يقضي باقي حياته في ثراء فاحش في شمال لندن.
لو أن رويز نجح في هزيمة جوشوا الذي فقد بعضاً من وزنه، للمرة الثانية في غضون ستة شهور، كان ذلك كفيلاً بتدمير حياة الملاكم البريطاني المهنية. ربما لم نكن حينها لنعايش أياماً من الحديث عن الأموال التي حصل عليها في السعودية، والألقاب التي لا ينازعه عليها أحد، واستادات كرة القدم التي امتلأت بـ90 ألف متفرج. ولم يكن أحد ليطلب منه المشاركة فيما يطلق عليه «بيغ ميكس». وهنا تكمن طبيعة الملاكمة الحديثة «قوية ومعيبة بشكل واضح للجميع ومحبطة وقاسية».
عندما تمكن جوشوا من هزيمة رويز بعد 12 جولة في المباراة المعادة بينهما في الرياض، نجح البريطاني بذلك في إنقاذ مسيرته المهنية على نحو مذهل وملحمي، وبعد 36 دقيقة من الهجوم المتواصل تمكن أخيراً من استعادة ألقابه وأحزمته وسمعته، بجانب بنائه ثروة تقدر بـ90 مليون دولار ونجاحه في إسعاد الكثيرين.
ومع هذا، فإن التساؤل الآن: هل بإمكان هذه النسخة من جوشوا هزيمة ويلدر؟ فقط إذا تمكن من ممارسة الملاكمة مثل أسد يريد اقتناص غزالة تريد الهرب منه. المطلوب أن يظهر جوشوا أنه قادر على أن يطلق لكمة كل ثانية، ويتمكن من كبح جماح ميل منافس يتجاهل قواعد اللعبة، مثلما فعل على مدار ست جولات ونصف الجولة أمام لويز أورتيز قبل أن يطلق العنان لقبضته اليمنى المدمرة لتدق ذقن خصمه الكوبي في لاس فيغاس منذ أسبوعين ليسجل الفوز الـ41 له بالضربة القاضية من إجمالي 43 مواجهة خاضها ـ رقم مثير للرهبة والفزع.
وهل بمقدور جوشوا هذا هزيمة تايسون فيوري؟ من حيث القوة، يشكل الملاكم القادم من مانشستر تهديداً أكبر من ويلدر. يملك فيوري من المهارات والثقة بالذات والهدوء اللازمين لأي شخص كي يكون في حالة مناسبة ومتحفزة، مثلما أظهر أمام ويلدر منذ عام. وستكون مواجهته لجوشوا بمثابة إعادة اكتشاف نفسيهما في الوزن الثقيل.
فيما يخص أوسيك، يعتبر الملاكم الأوكراني الأصغر حجماً من نوعية الخصوم التي لا يود أحد الوقوف أمامها، بالنظر إلى قدرته الكبيرة على الفوز بلمسات أخيرة نافذة مثلما فعل عندما سحق توني بيليو قبل أن يتمكن من ترسيخ أقدامه في ملاكمة الوزن الثقيل بهزيمته المخضرم، تشاز ويزرسبون في أكتوبر (تشرين الأول).
وعليه، يبدو أن السبيل الأوضح أمام جوشوا اليوم العودة إلى المسار الأكثر أمناً المتمثل في الدفاع عن حزام منظمة الملاكمة العالمية الذي استعاده في مواجهة كوبرات بوليف البالغ 38 عاماً خلال الربيع أو الصيف، قبل أن يواجه المنتصر من المواجهة الثانية بين فيوري وويلدر المقررة في 22 فبراير (شباط) للمنافسة على لقب المجلس العالمي للملاكمة.
أما النتيجة المباشرة لليلة الساخنة التي خاضها جوشوا مؤخرا فتتمثل في أن نجوميته قد تعاود التألق من جديد في خضم حرب نفوذ بين عاصمتي الملاكمة العالمية في لاس فيغاس والسعودية بلد الثروة الهائلة، بعيداً عن المليارديرات المتناحرين في نيفادا. وقد أعرب إيدي هيرن متعهد المباريات الكبيرة عن أمله في النجاح في تنظيم لقاء آخر بالعاصمة السعودية.
ولا يخفى طموح مسؤول الدعاية المعاون لجوشوا على أحد. وبعدما غامر وخسر عندما نقل البطل إلى نيويورك منذ ستة شهور على أمل إطلاق الفصل الأميركي من حياة جوشوا، يبدو الآن على استعداد للبدء من جديد. ومن الواضح أن روح المغامرة لا تزال حية بداخله. ويحظى هيرن بدعم «سكاي سبورتس» و«دا زون» ورجال أعمال بالسعودية، بكل ما يحمله هذا من مزايا. كما أنه يتعاون مع جوشوا، حامل أحزمة كل من رابطة الملاكمة العالمية والاتحاد الدولي للملاكمة ومنظمة الملاكمة العالمية.
ومع هذا، تظل الحقيقة الثابتة أنه لا يوجد شيء مؤكد في عالم الملاكمة، وإنما هو مجال أشبه بنهر متدفق باستمرار من الشائعات غير المؤكدة والأكاذيب والحقائق الحارقة والشجاعة والاستسلام والاتفاقات والوعود الزائفة.
وفي ظل هذا المجال المحموم، يمكن للملاكمين أن يسحقوا على جميع المستويات، وقد يجابهون صعوبة بالغة في التعبير عن أنفسهم على هامش الرياضة. ومن بين الوجوه التي ربما مرت دونما يلاحظها أحد ملاكمي الوزن الثقيل صاحب الرأس الأصلع من أذربيجان الذي يخوض ثاني مباراة احترافية له في عمر الـ33.
منذ ثماني سنوات في باكو، فاز موغامدراسول ماجيدوف بقرار مشكوك فيه باحتساب 22 - 21 نقطة أمام جوشوا ليفوز بالثاني من بين ثلاثة ألقاب عالمية للهواة في الوزن الثقيل. وفي طريقه، نجح ماجيدوف في وقف زحف الكوبي إريسلاندي سافون. وبعد عام، خلال دورة الألعاب الأوليمبية في لندن، اعتبر الكثيرون أن سافون تعرض لظلم بخسارته أمام جوشوا بـ17 - 16 نقطة في الجولة الأولى. ومضى جوشوا نحو الفوز بالميدالية الذهبية والكثير من ملايين الدولارات، أما ماجيدوف فقد خرج من الدور قبل النهائي وعاد لباكو.
وها هنا نعود من جديد لمشاهدة ماجيدوف وجوشوا اللذين لعبا داخل الحلبة ذاتها على طرفين متقابلين مقابل مبلغين مختلفين تماماً من المال. وقد استغرق ماجيدوف أقل من جولتين لوقف واحد من زملاء جوشوا في التدريب هو توم ليتل.
أما سافون، فإنه يشارك حالياً في ملاكمة لأشباه الهواة في كوبا. وفي آخر مواجهاته، خسر للمرة الـ31 فقط بين إجمالي 192 مواجهة خاضها، عبر سلسلة من مباريات الملاكمة في يكاترينبورغ في روسيا.