كانوا جميعهم هناك ما عدا هو، وكان الجميع بانتظار الرجل العجوز مرة أخرى. كانت الساعة الثانية إلا دقيقتين، ما يعني أن الوقت قد حان لدخول ممر اللاعبين في استاد بينيتو فيامارين، حيث اصطف 21 لاعباً بجانب الحكم، فالنتين بيزارو غوميز وأحد مساعديه. عند السلالم، وقف الحكم المساعد الآخر بجوار غرفة تغيير الملابس، حاملاً علماً بيده وبدا أن صبره بدأ ينفد. وبالفعل، ارتفع صوته قائلاً: «خواكين لم يحضر بعد». وأجابه مدرب بيتيس، خوان فرنشسكو فيرير: «نعم أعلم»، بينما علت وجهه نظرة تقول: «ماذا تريدني أن أفعل؟» وعليه، اتخذ الحكم المساعد خطوة نحو الداخل وصاح: «هيا يا خواكين! دعنا ننطلق. نحن في انتظارك هنا». ونظر المدرب فرنشسكو فيرير الشهير بروبي في ساعته ثم خبط رأسه في الباب وبدا عليه التوتر.
في المرة التالية التي تطلع فيها بعينيه نحو الساعة كانت عقاربها تشير إلى الثانية ودقيقة، بينما حملت الشاشات حول الاستاد 01.28، وبدأت أرجاء المكان تعج بالصيحات والهتافات. وأخيراً، غادر خواكين غرفة تغيير الملابس وحيا مدربه، بينما وقف الحكم المساعد يصيح «هيا بنا»، وقادهم باتجاه ضوء الشمس. بعد ذلك، صافح خواكين جميع لاعبي أتلتيكو بلباو، ومع انطلاق نشيد بيتيس وقف خواكين لالتقاط صورة جماعية مع الفريق على جانب الملعب، ثم صورة أخرى مع عشرات الأطفال، كان الكثيرون منهم يجلسون على مقاعد متحركة. ووقف دقيقة للحداد تكريماً لذكرى اللاعب الراحل فرنشسكو أباريسيو. ومع أول تصويبة للكرة باتجاه المرمى سكنت الشباك! كان قد شارك في اللعب مدة سبعة دقائق فقط ولمس الكرة مرتين فحسب، بل ولم يكن مشاركاً في اللعب مدة 90 ثانية ـ ورغم ذلك سجل هدفاً بالفعل.
وبعد تسعة دقائق وثلاث ثوان، سجل خواكين هدفاً ثانياً، وبعد تسعة دقائق و19 ثانية، سجل الهدف الثالث.
استغرق تسجيل الأهداف الثلاثة جميعاً 19 دقيقة. أما على مستوى مسيرته الكروية، فقد استغرق تسجيل هذا «الهاتريك» 19 عاما، ما يزيد من خصوصية وقيمة هذا الإنجاز.
من جهته، لمس خواكين الكرة خمس مرات، وصوبها باتجاه المرمى ثلاث مرات، وتميزت جميع هذه الكرات بلمسات مثالية. عندما سجل الهدف الأول خبط صدره بيده عند شارة النادي الذي بدأ فيه مسيرته ويملك 2 في المائة من أسهمه، ويطمح لتولي رئاسته يوماً ما. وبعد دقائق، جاءت خبطته على صدره أقوى، بينما تسارعت دقات قلبه ووقف أمام الجماهير فاتحاً ذراعيه. وفي وقت لاحق قال عن هذه اللحظة: «تملكتني سعادة غامرة، ولم أستطع تصديق الأمر». ويبدو أن الجميع عجزوا عن التصديق كذلك، خاصة أن بلباو يتمتع بأفضل خط دفاع ببطولة الدوري الإسباني الممتاز، واخترقت شباكه تسعة أهداف فقط. الآن، وفي غضون أقل عن 20 دقيقة، اخترق شباكه هدف ثالث، لتظهر على الشاشات 19:50 و3 - 0.
كانت تلك مجرد البداية، لتظهر مع مرور الوقت أرقاماً جديدة كل واحد منها أغرب من سابقه، لتتركك في النهاية تختار ما يحلو لك. أما خواكين، فاعترف بأنه «لم تتوقف بناتي عن البكاء، فهن غير معتادات على رؤية والدهن يحرز أهدافاً. وقلن لي: كم كان رائعاً رؤيتك وأنت تسجل الأهداف. لم نكن نعتقد أنك ستفعل ذلك أبداً. وأجبتهن: ولا أنا».
بتلك الأهداف الثلاثة، بلغ إجمالي الأهداف التي سجلها خواكين على امتداد مسيرته 100 هدف، بمعدل يزيد قليلاً على هدف واحد كل ثماني مباريات على امتداد مسيرته، إضافة إلى أنه لم يسبق له تسجيل «هاتريك» قط، ولا حتى على مستوى الناشئين. أما استاد بينيتو فيامارين، فلم يشهد إحراز أي من أبنائه ثلاثة أهداف بمباراة واحدة منذ فينيدي جورج، منذ 22 عاماً ماضية. كما تشير الإحصاءات إلى أن ستة لاعبين فقط سبق وأن سجلوا «هاتريك» في غضون 20 دقيقة في أي ناد بأي مكان. ومع هذا، جاء خواكين لينسف هذه الأرقام جميعها في غمضة عين.
ومع أن هذا الإنجاز تحقق بسرعة، فإنه في جانب منه كان بطيئاً أيضاً، فقد استغرق الأمر من خواكين حتى بلغ 38 عاماً و140 يوماً حتى يسجل «هاتريك»، أي بعد فترة طويلة من السن التي يعتزل ببلوغها معظم اللاعبين. وخلال مباراة الأحد، كان خواكين أكبر الحاضرين داخل الملعب ـ بما في ذلك الحكم ـ وأصبح أكبر لاعب في تاريخ الدوري الإسباني الممتاز يسجل «هاتريك» في مباراة، متفوقاً بذلك على ألفريدو دي ستيفانو الذي سجل «هاتريك» في سن الـ37 و255 يوماً عام 1964. ويعتبر هذا الموسم الـ20 لخواكين في الدوري الممتاز، وقد سجل أهدافاً في جميع هذه المواسم.
في اليوم الذي شارك خواكين للمرة الأولى في صفوف الفريق الأول بداية موسم 2000 - 2001 أخفى كابتن بيتيس، خوان ميرينو، حذاءه. ورد خواكين على ذلك بأن قال له: «يوماً ما، ستنظف هذا الحذاء». الآن، سيتعين على ميرينو الوقوف في الصف للحصول على تحية من خواكين، الذي فاز ببطولة كأس ملك إسبانيا، واحدة من بين ثلاث نسخ فقط فاز بها النادي طوال تاريخه. وحرص خواكين على وضع الكأس على منضدة أثناء مراسم زفافه بعد أيام قلائل. في ذلك الوقت، توقعت غالبية الآراء أن يصبح خواكين «سوبر ستار» في ناد ما. وعندما ثارت تلميحات حول أن والده يتفاوض بخصوص انتقال نجله لناد آخر، رد عليها خواكين بقوله «إنه في المنزل يجلس على الأريكة كالعادة».
وظهر تشيلسي بقيادة مورينيو، وتودد إليه فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد علانية، لكنه انضم نهاية الأمر إلى فالنسيا بعد ستة مواسم قضاها في ناديه الأصلي.
انتقل خواكين بعد ذلك إلى ملقة وفيورنتينا الإيطالي، ثم عاد إلى ناديه الأول من جديد وكان حينها في الـ34. ورأت الغالبية أنه سيكون محظوظاً إذا تمكن من المشاركة لموسم كامل مع النادي. اليوم، من المتوقع أن يعلن بيتيس قريباً عن إبرام عقد جديد مع خواكين يمتد لما وراء عيد ميلاده الـ40، من جانبه نجح خواكين في أن يثبت ليلة الأحد أن باستطاعته الاستمرار لفترة أطول قليلاً. ولا يتعلق الأمر بـ«الهاتريك» الذي سجله في المواجهة الأخيرة فحسب، وإنما مجمل أدائه على امتداد ثلاث مباريات متتالية، والدور الذي يلعبه داخل وخارج الملعب في اجتذاب بيتيس بعيداً عن منطقة الهبوط وإنقاذ المدرب من الطرد، بجانب الأسلوب المتألق الذي يلعب به. الآن، مرت 12 عاماً منذ مشاركة خواكين في المنتخب الإسباني حيث كان أفضل لاعب في خلال بطولة كأس العالم 2002. ومع هذا، ربما لا نكون مبالغين إذا قلنا إنه ربما يعاود الانضمام للمنتخب قريباً.
عندما تفوه ميسي باعتراف صعب الأسبوع الماضي أحبط الجميع بقوله إن لحظة الاعتزال باتت قريبة منه اليوم بالنظر إلى أنه في الـ32، علق خواكين قائلاً: «حسناً، هو لا يتمتع بقوتي البدنية، أليس كذلك؟» ورغم أنه كان يمزح، حملت عبارته شيئا عميقاً بها يمنح الأمل للجميع، بل وربما لميسي نفسه.
خواكين المتألق انتظر 19 عاماً ليسجل «هاتريك»
المدير الفني الإسباني عمل مع 3 أندية بالدوري الإنجليزي ولم ينجح في بناء فريق قوي واحد
خواكين المتألق انتظر 19 عاماً ليسجل «هاتريك»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة