طوال الشهرين الماضيين وبالذات منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بدا المشهد مختلفا في العراق. الطبقة السياسية التي تحكمت على مدار 16 عاما بكل شيء في البلاد بدءا من التلاعب بصناديق الانتخاب تزويرا مرة وحرقا مرة أخرى وتلاعبا في كل المرات وجدت نفسها أمام وضع غير مألوف. شبان بعضهم ولد مع بداية التغيير الذي جاء بالطبقة السياسية الحالية بدءا من الآباء المؤسسين، ومن بين من تبقى منهم رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، أشعلوا الشارع غضبا برفضهم لكل ما جاء به التغيير بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 من مخرجات.
ومع استمرار الاحتجاجات ومعها تصاعد الغضب والعنف معا الذي أدى إلى مقتل نحو 400 شاب وجرح أكثر من 20 ألفا وغالبيتهم العظمى من أبناء الطبقات الشيعية الأكثر فقرا، بدأت الهوة تتسع بين المتظاهرين والسياسيين. ومع محاولات بعض الجهات الحزبية والسياسية ركوب موجة الاحتجاجات فإنها اصطدمت بجدار صد صلب من قبل المحتجين الذين وجدوا أنفسهم في حالة قطيعة تامة مع الطبقة السياسية العراقية وهو ما تعبر عنه الشعارات والأهداف المرفوعة في ساحات التظاهر.
المشهد بدا مختلفا أمس. فللمرة الأولى منذ شهرين وجد السياسيون والمنتفضون هدفا مشتركا يمكن أن يتفقوا عليه أو يجمعهم ولو إلى حين وهو «تنظيم داعش» الإرهابي. فقبل ثلاث سنوات في مثل يوم أمس الثلاثاء (عام 2017) أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي النصر العسكري على «داعش». وأعلن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي يوم أمس عطلة رسمية في كل أنحاء البلاد احتفالا بيوم النصر. ولكون العام الماضي مر يوم النصر بلا عطلة فإن هناك من عد أن سبب إعلان الثلاثاء عطلة رسمية هو توافد أعداد كبيرة من المتظاهرين من المحافظات الوسطى والجنوبية إلى ساحة التحرير في بغداد عبر ما عرف بـ«ركضة طويريج».
وبصرف النظر عن الأسباب فإن المتظاهرين احتفلوا وسط ساحات التظاهر بينما عبر السياسيون عن مشاعرهم عبر برقيات التهاني التي قدموها بهذه المناسبة والتي تحمل كلها في طياتها رسائل سياسية. الرئيس العراقي برهم صالح المضغوط بالمهلة الدستورية لاختيار رئيس وزراء عبر عن فرحه بالنصر من جهة وعن قلقه حيال التأخير في حسم المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة. صالح وفي برقيته بهذه المناسبة أكد قائلا: «إننا جميعاً نعيش الآن أيضا يوميات تاريخ جديد، تاريخ يكتبه شبابنا وبناتنا في ساحات الاعتصامات والمظاهرات السلمية مطالبين بالعيش الكريم بشعارات ومطالب تستعيد كرامة العيش بعد استعادة كرامة الوطن». ودعا صالح الكتل السياسية إلى التعاون جميعاً «من أجل تسمية من نرتضيه ونتفق عليه لتكليفه برئاسة مجلس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة ضمن المدد والسياقات الدستورية تتكفل بحل المشكلات وتعيد إعادة إعمار البلد والمؤسسات».
بدوره، شدد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على «وجوب الحفاظ على هذا المنجز من خلال استمرار التكاتف والتعاون بين المواطنين والقوات الأمنية»، داعيا إلى «قطع الطريق أمام كل المحاولات التي من شأنها زعزعة الثقة بإخواننا من القوات الأمنية في هذه الظروف». كما أكد الحلبوسي على «أهمية إنصاف عوائل الشهداء والجرحى، الذين شاركوا في عمليات التحرير وصنعوا النصر وعودة جميع نازحي نينوى وقراها وكركوك وديالى وصلاح الدين وجرف الصخر ومناطق غرب الأنبار إلى مدنهم، ورفع كلِّ المعوقات التي تقف أمام عودتهم، وغلق ملف النزوح».
في مقابل ذلك، وبشأن ما إذا كان «داعش» لا يزال يشكل خطرا على العراق برغم مرور ثلاث سنوات على هزيمته العسكرية يقول الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» أن «إعلان النصر العسكري على (داعش) دون مكافحة فكره الإرهابي ليس نصرا»، مبينا أن «النصر العسكري على (داعش) لم يكتمل، ولا يجب أن تكتفي البرامج الحكومية بمجرد الاحتفاليات المثالية». وأضاف: «لا بد من استراتيجية شاملة قابلة للتنفيذ وكان ينبغي أن يكون موعدها اليوم الذي يلي إعلان النصر على (داعش)».
من جهته يرى الدكتور حسين علاوي، رئيس مركز أكد للدراسات الاستراتيجية وأستاذ الأمن الوطني، لـ«الشرق الأوسط» أن «(تنظيم داعش) لم يعد خطرا استراتيجيا في مسرح العمليات العراقي وإنما خطر تكتيكي تحت السيطرة، هو يعاني من الأرض ومسكها وملاذاته للمقاتلين المحليين في الصحاري وهو لا يقوى عليها وإنجازات جهاز مكافحة الإرهاب الأخيرة في ضرب الأهداف التكتيكية لقدراته التي حاول تنميتها كانت محط إحباط لأنصار كيان (داعش) الإرهابي».
وأضاف علاوي «لذلك فإن (داعش) يعاني من ثلاث عقد استراتيجية أثرت على تكوينه البنيوي في العراق تتمثل بعدم قدرة التنظيم على إيجاد الملاذ الآمن وانخفاض فاعل بنسبة تصل إلى 95 في المائة من التجنيد للمقاتلين المراهقين أو الشباب وانخفاض كبير في خطاب الكراهية والتكفير والطائفية بواقع 80 في المائة نتيجة لتصاعد الروح الوطنية العراقية في خضم الاحتجاجات الشعبية». وأوضح أن «(داعش) المنهار لا يستطيع استثمار المظاهرات في البلاد كون الهوية العراقية أكبر وأسمى من هويات التطرّف والإرهاب لا سيما أن العراقيين مشدودون اليوم نحو أولويات الوطن والهوية الوطنية وتراجع حاد للهويات الفرعية التي مزقت البلاد على مدى 16 عاما»، مبينا أن «(داعش) لن يقوم أو يستطيع إلا بعمليات تكتيكية سريعة كالقنص ونصب العبوات الناسفة في الطرق والاغتيالات لممثلي السلطة المدنية في المناطق المحررة وخارج مراكز المدن المحررة».
8:17 دقيقة
ذكرى الانتصار على «داعش» توحد الطبقة السياسية وساحات التظاهر
https://aawsat.com/home/article/2030301/%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%C2%AB%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4%C2%BB-%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1
ذكرى الانتصار على «داعش» توحد الطبقة السياسية وساحات التظاهر
الاحتجاجات الشعبية شدت العراقيين نحو أولويات الوطن والهوية الوطنية
ذكرى الانتصار على «داعش» توحد الطبقة السياسية وساحات التظاهر
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة