بعد مرور شهرين من الهجوم التركي على مناطق شمال شرقي سوريا، لا يزال سكان الرقة يواجهون صعوبات في فهم الاتفاقيات الدولية لتحديد مصير المنطقة، إذ تباينت الآراء والمواقف حول مجريات الأحداث المتسارعة، وتداخل المصالح الدولية وتناقضها، فالبعض منهم لم يخفِ خشيته من عودة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، بينما يرى آخرون أنّ الحرب ستكون «كارثية على الجميع وستجلب الفوضى والدمار». وشكك آخرون بدور روسيا وسعيها لإعادة قبضة الحكم والأراضي للرئيس السوري بشار الأسد.
«جاءت القوات الروسية لالتقاط الصور، وخداع الناس بوجودهم بالرقة، لكن الحقيقة كانوا في مزرعة على أطراف المدينة»، بهذه الكلمات بدأ عبد الرحمن ويبلغ من العمر أربعين سنة يتحدر من الرقة، ويعمل ناشطاً مدنياً في منظمة محلية، أكد أن روسيا تعمل عبر المصالحات المحلية: «الناس داخلة في حالة من التشويش والحيرة، فالكثير من النشطاء والمعارضين ملاحقون من الأجهزة الأمنية، والجميع يخشى من التجنيد والجميع لا تعلم مصير المنطقة، وأين تذهب الأمور».
وجالت دورية روسية، قبل يومين، في مزرعة الأسدية الواقعة على أطراف مدينة الرقة، وتبعد عنها نحو 7 كيلومترات بالجهة الشمالية، وحسب شهود وسكان من أبناء المنطقة، أكدوا أن الدورية لم تصل إلى مركز الرقة، وعادت إلى مقر اللواء (93)، حيث تنتشر القوات النظامية والروسية في بلدة عين عيسى بريفها الشمالي، ومدينة الطبقة الواقعة جنوب نهر الفرات، وعلى طول الطريق الدولية السريعة (M4).
وعند تقاطع دوار الدلة بمركز الرقة، حيث تنتشر محال ومتاجر لبيع شتى أنواع المواد الغذائية والأجهزة الكهربائية والخضار والفاكهة، وقف عدنان، الشاب الثلاثيني، أمام بسطة يبيع البزورات والموالح والسكاكر، كان يحمل هاتفه الجوال طوال الوقت يتابع عبر شاشته الأخبار المتسارعة، بدت علامات الحيرة على وجهه، ليقول: «الحرب ستكون كارثية على الجميع، وستجلب الفوضى والخراب، والرقة لا تحتمل معركة ثانية، فشوارع المدينة منهكة، ولا يزال الخراب والدمار سيد المشهد».
ونقلت هيفاء، التي كانت تتبضع في سوق الدلة، بأن أهل الرقة، لا سيما الشباب والنساء الذين خرجوا مظاهرات بداية الحراك المناهض لنظام الحكم ربيع 2013: «طالبت بأسقاطه بكل رموزه وأركانه، نحن لا نرحب برجعته بعد كل الدماء والضحايا والخراب الذي طال الرقة وأهلها. كثير فقدوا بيوتهم وممتلكاته وأرزاقهم، فقدوا أبناءه وأحباءهم ومصيرهم مجهول».
غير أن التفاهمات التركية - الأميركية من جهة، والتركية والروسية من جهة ثانية، لم ترشح عنها أي تفاصيل حول مصير مناطق مهمة شرق الفرات كمدينة الرقة والمدن والبلدات التابعة لها، على الرغم من إعلان الولايات المتحدة الأميركية إبقاء بعض من جنودها لحماية حقول النفط، كما لم تتطرق التفاهمات بين الإدارة الذاتية وجناحها العسكري «قوات سوريا الديمقراطية» مع روسيا والحكومة السورية لمصير هذه المناطق.
وفي متجره الكائن بشارع الدلة الاقتصادي، كان يتابع التاجر عبود شريطاً إخبارياً عاجلاً عبر شاشة مسطحة وضعت في زاوية محله، فالمعارك الدائرة بغرب سوريا كانت تدور رحاها قبل أيام بالقرب من مسقط رأسه، لم يخف خشيته من عودة النظام، وقال: «كل التجارب التي وقعت مصالحات مثل درعا وغوطة دمشق وحمص شاهدة على الانتهاكات والتجاوزات التي نسمع عنها يومياً، النظام لا يريد مصلحة السوريين، ويتمسك بالحل العسكري»، ولفت لأنه وعائلته وضبوا أمتعتهم وجهزوا حقائب السفر: «لن أبقى هنا كحال الكثيرين، لن أعيش تحت حكم هجر نصف الشعب السوري وقتل مئات الآلاف».
وحمل رياض درار الرئيس المشرك لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، المظلة السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) العربية الكردية، مسار آستانة واتفاقيات خفض التصعيد بشمال وغرب سوريا، وقال: «كانت وراء التصعيد التركي على المنطقة لإخراج الوجود الأميركي، ومن ثم دفع الإدارة المدنية (مسد) ومجلس وقوات (قسد) للارتماء في حضن النظام»، منوهاً بأن روسيا وتركيا تنسقان بهذا الاتجاه، واتهم إيران «بالشريك الصامت»، وأشار إلى أنّ قادة الإدارة طلبوا من روسيا التوسط لدى الحكومة السورية بغية الوصول إلى تفاهمات: «لكنها لم تحاول ذلك، وتعمل على نشر قواتها بعد الانسحاب الأميركي لفرض رؤيتها للوصول إلى شكلٍ يفضي إلى تسليم المناطق لحضن النظام».
مدنيو الرقة قلقون بعد وصول قوات روسية إلى أطراف المدينة
«الشرق الأوسط» تستطلع أراء الأهالي في «عاصمة» تنظيم «داعش» السابقة
مدنيو الرقة قلقون بعد وصول قوات روسية إلى أطراف المدينة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة