الاتحاد الأوروبي يستعد لقطع إمدادات الغاز الروسي في الشتاء

وسط معركة «كسر عظم» مع موسكو بشأن أوكرانيا

الاتحاد الأوروبي يستعد لقطع إمدادات الغاز الروسي في الشتاء
TT

الاتحاد الأوروبي يستعد لقطع إمدادات الغاز الروسي في الشتاء

الاتحاد الأوروبي يستعد لقطع إمدادات الغاز الروسي في الشتاء

نشرت المفوضية الأوروبية تقريرا، أمس، يتضمن الإجابة على أسئلة تتعلق بالاستعدادات لدى الدول الأعضاء في حال توقفت إمدادات الغاز الروسي شتاء العام الحالي، ويجيب التقرير على الأسئلة التي تتناول موقف الشركات والمنازل من توافر الطاقة اللازمة لها في الشتاء، وهل يمكن استمرار وجود المزيد من الغاز ليجري تسليمها للمنازل والشركات، وتحقيق التعاون بين الدول الأعضاء لكي تعمل الأسواق بقوة أطول، وإمكانية التدخل الحكومي من جانب الدول الأعضاء الأكثر ضعفا والدول المجاورة؟
وفي تعليق على هذا الأمر، قال غونتر أوتينغر، المفوض الأوروبي لشؤون الطاقة، أن «صدور هذا التقرير يؤكد أننا لا ننتظر، بل نفعل كل ما بوسعنا لنكون على استعداد لمواجهة الأمر، وللمرة الأولى تكون الصورة كاملة بالنسبة لنا حول المخاطر والحلول الممكنة، وفي حال تعاوننا معا وتضافر كل الجهود وتضامننا لتنفيذ توصيات التقرير، لن يكون هناك منزل يعاني من البرد في فصل الشتاء».
وأشار تقرير المفوضية الأوروبية إلى أن النزاع الروسي - الأوكراني يضع إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في خطر كما حدث في 2009. ومن أجل أن تكون الصورة واضحة؛ من حيث، أين النقص سيحدث، وكيف يمكن التخفيف من التداعيات، جاء هذا التقرير الذي يعرض تفاصل لإمكانية التحرك في 38 دولة بما فيها 28 في الاتحاد الأوروبي، ويحلل التقرير السيناريوهات المتعددة، ولا سيما فيما يتعلق بحدوث وقف كامل لواردات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي لمدة 6 أشهر. ويشير التقرير إلى أن انقطاع الإمدادات لفترات طويلة يكون له تأثير كبير في الاتحاد الأوروبي، ودول في شرق أوروبا، والدول الأعضاء فيما يعرف بمجموعة «مجتمع الطاقة»، ومنها: فنلندا، واستونيا، ومقدونيا، والبوسنة والهرسك، وصربيا، سوف يعانون من غياب 60 في المائة من الغاز الذي يحتاجونه، وإذا عملت الدول معا بدلا من اعتماد تدابير وطنية بحتة، سيجري قطع أقل لإمدادات الغاز للمستهلكين، ولن تتأثر المنازل.
وتشير التقارير الوطنية إلى أن الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة تعمل على مجموعة تدابير استباقية للتخفيف من الآثار الناجمة عن قطع الإمدادات، وذلك من خلال تنويع إمداداتها واستخدام الاحتياطيات والمخزونات الاستراتيجية لتقليص الطلب، والتحول إلى الوقود حيثما أمكن. ويتضمن تقرير المفوضية توصيات محددة بشأن التدابير قصيرة الأجل للدول الأعضاء الأكثر ضعفا والدول المجاورة، ويعمل التقرير على تحليل النتائج الإجمالية لاختبارات في هذا الصدد، جرت في الدول الأعضاء والدول الشريكة في تجمع «مجتمع الطاقة»، وكذلك جورجيا، وتركيا، والنرويج، وسويسرا، وأيضا تقارير من شركاء في مجموعة الـ7، ودول أخرى.
واختتمت المفوضية تقول إن «اختبار مواجهة النقص في إمدادات الطاقة أو توقفها، هو أول إجراء ملموس بشأن تدابير أمن الطاقة»، وهو أمر يدخل في إطار استراتيجية أمن الطاقة الأوروبي الذي اعتمدته المفوضية في مايو (أيار) الماضي. ويتضمن التقرير توصيات أخرى بشأن استكمال سوق الطاقة الداخلي، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، وتنويع مصادر التوريد، واستغلال المصادر الأصلية للطاقة. ويستورد الاتحاد الأوروبي 53 في المائة من الطاقة التي يستهلكها، ويتعلق الاعتماد على الطاقة من النفط الخام بنسبة 90 في المائة، وعلى الغاز الطبيعي بـ66 في المائة، وبدرجة أقل على الوقود الصلب بـ42 في المائة، والوقود النووي بـ40 في المائة، وما يقرب من نصف استهلاك الطاقة الأولية في الاتحاد الأوروبي بـ48 في المائة يستخدم لمساحة وتسخين المياه.
وفي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي انعقدت اجتماعات وزارية ثلاثية في برلين، بشأن أمن إمدادات الطاقة، بحضور روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي، وسبق ذلك بأيام قليلة اجتماع وزاري لدول مجلس مجتمع الطاقة في أوكرانيا التي تتولى حاليا الرئاسة الدورية للمجموعة، وركز الاجتماع على سير العمل في مجلس مجتمع الطاقة مع إعطاء أهمية خاصة للخطوات المستقبلية في ظل تحديات تواجه أمن إمدادات الطاقة في أوروبا، وحسب معاهدة إنشاء المجلس التي صدرت في 2006. مهمة الاجتماع الوزاري التأكد من الأهداف المحددة التي قام المجلس من أجلها، وسبل التنفيذ، ومن بين هذه الأهداف توفير مبادئ توجيهية للسياسات العامة، واتخاذ التدابير، واعتماد القوانين الإجرائية، هذا بالإضافة إلى اعتماد أمور تتعلق بتمديد المكتسبات وتكييف التشريعات القائمة، وإنشاء فرق عمل جديدة، والموافقة على الموازنات البرنامجية، وكذلك اتخاذ قرار بشأن انضمام دول جديدة للمجلس سواء بشكل مراقب أو متعاقد، ويضم مجلس مجتمع الطاقة دول الاتحاد الأوروبي، ودول أخرى مرتبطة بتعاقدات مع الاتحاد الأوروبي، في جنوب شرقي أوروبا والبحر الأسود، وهي 8 دول: أوكرانيا، وألبانيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، ومقدونيا، ومولدوفيا، وجمهورية الجبل الأسود، وصربيا، وأخرى تحمل صفة مراقب ومقر المجلس في فيينا بالنمسا، وهي منظمة دولية تتعامل مع سياسات الطاقة بموجب معاهدة دولية صدرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2005، ودخلت حيز التنفيذ في منصف 2006. وشارك الاتحاد الأوروبي في الاجتماع الـثلاثي على المستوى الوزاري في برلين وبحضور وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، والأوكراني يوري برودان، وحسب المفوضية كان اجتماعا بشأن أمن إمدادات الطاقة، وضمان استمرار عبور إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وفي نهاية أغسطس (آب) الماضي قالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، إن المفوض الأوروبي لشؤون الطاقة، غونتر أوتينغر، التقى مع وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، في موسكو، وخلال اللقاء كرر المسؤول الأوروبي اقتراحه بإيجاد حل مؤقت للقضايا العالقة بين موسكو وأوكرانيا بشأن إمدادات الغاز، ويتضمن الحل أسعارا مؤقتة للغاز، وقال المسؤول الأوروبي من خلال بيان: «اتفقنا على حل يحتوي على 4 عناصر، وهي؛ أولا: سعر مؤقت، وثانيا: خطة لسداد الفواتير المتأخرة في الأسابيع القليلة القادمة، وثالثا: استخدام خط أنابيب أويال، ورابعا: الالتزام بجميع التزامات التوريد والنقل». وفي مؤتمر صحافي مشترك مع الوزير الروسي قال أوتينغر: «علينا أن نتفق على سعر الغاز المؤقت للأشهر القليلة المقبلة، وفي انتظار قرار محكمة التحكيم في استوكهولم لاتخاذ قرار بشأن تحديد السعر النهائي، وبالإضافة إلى ذلك على أوكرانيا أن تدفع حساب الغاز حتى يجري تسليمه إليها في الأشهر المقبلة»، وأضاف بالقول إن «الهدف الأساسي هو ضمان إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي ومواطنيه، وأيضا للمواطنين في روسيا وأوكرانيا ومنطقة البلقان».
وقال المسؤول الأوروبي: «جئت إلى موسكو للإعداد لمحادثات الغاز الـثلاثية التي تجمع أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي، بناء على اتفاق جرى التوصل إليه في قمة مينسك بجمهورية بيلاروسيا أخيرا، وبمشاركة أوكرانيا وروسيا».
وفي مطلع يوليو (تموز) الماضي، توقع رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف «أزمة غاز واسعة النطاق في الخريف» نظرا للنزاع بين روسيا وأوكرانيا. وكتب مدفيديف على صفحته على الفيسبوك أن «أوكرانيا لا تدفع ثمن الغاز، وديونها ضخمة، إنهم يسحبون الغاز من خزانات تحت الأرض. ستحصل في الخريف أزمة غاز واسعة النطاق»، وفي تعليقاته التي نشرت على موقع التواصل الاجتماعي، ذكر باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي وقعته أوكرانيا في 27 يونيو (حزيران)، رأى مدفيديف أن ذلك «كان حق أوكرانيا»، لكن «حق روسيا» يتمثل في الانتقال: «إلى طريقة جديدة من العمل معها»، وخصوصا «عبر حماية سوقها». وقطعت روسيا شحنات الغاز إلى أوكرانيا في 16 يونيو بعد فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات؛ الأمر الذي قد يؤثر على إمدادات أوروبا من هذه المادة في غضون بضعة أشهر. ويأتي ثلث الغاز المستهلك في أوروبا من روسيا، ويمر نصف هذه الصادرات الروسية تقريبا بالأراضي الأوكرانية، وهكذا حصلت اضطرابات في إمدادات أوروبا إبان «حروب الغاز» السابقة بين أوكرانيا وروسيا في 2006 و2009.
وفي منتصف العام الحالي، جرى الإعلان عن زيادة في صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا في النصف الأول من العام، رغم الأزمة الأوكرانية التي تدفع الأوروبيين إلى البحث عن تنويع مصادر إمداداتهم، بحسب ما أعلنت المجموعة الروسية غازبروم، وارتفعت هذه الصادرات إلى 82.88 مليار متر مكعب في الأشهر الـ6 الأولى من العام؛ أي 2.8 في المائة أكثر مما كانت عليه قبل عام، كما أوضح رئيس مجموعة «غازبروم» أليكسي ميلر في بيان، وقال ميلر إن هذه الزيادة سُجلت «في حين كانت سنة 2013 سنة قياسية»، وأضاف: «هذا يظهر أن المستهلكين الأجانب مستمرون في اختيار الغاز الروسي». ولا تتوقف «غازبروم» عن التشديد على أرقامها الجيدة للصادرات إلى أوروبا في حين تراجعت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوياتها بسبب التوتر حول الأزمة الأوكرانية. وهذه السنة قطعت «غازبروم» الغاز عن كييف في 16 يونيو. ويبقى الترانزيت في الوقت الحاضر مؤمنا دون مشاكل كبرى، لكنه قد يشهد اضطرابات بسبب عدم التوصل إلى اتفاق قبل الشعور بالحاجة إلى التدفئة فــي الخريــف.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.