محتجو جنوب لبنان يتحدون الاعتداءات والتهديدات

TT

محتجو جنوب لبنان يتحدون الاعتداءات والتهديدات

قبل 5 سنوات، لم يجد المختار السابق لبلدة القليلة في جنوب لبنان محمود صالح، من يتكفل بعلاجه عندما أصيب بمرض سرطان الكلى، فتكبّد فوق طاقته كلفة عملية استئصال إحدى كليتيه، التي بلغت 18 ألف دولار آنذاك.
تلك المعاناة تمثل أحد أبرز الأسباب التي دفعته للاستمرار بالتظاهر منذ 54 يوماً. وحال المختار صالح يشبه حال كثيرين في مدينة صور وضواحيها، واظبوا على الاعتصام في ساحة العلم، مطالبين بأبسط حقوقهم المعيشية، إلى جانب المطالب الموحدة التي تتلاقى مع مطالب جميع الساحات، وأهمها في الوقت الراهن تشكيل حكومة من اختصاصيين لإنقاذ البلد من الانهيار الاقتصادي.
وتوصف مدينة صور بأنها مدينة التنوع الطائفي والسياسي وتحظى العائلات الكبيرة فيها بنفوذ، وتحيط بها قرى وبلدات يحظى فيها الثنائي الشيعي بأغلبية. ومع ذلك، ركن بعض المعتصمين من المدينة والقرى المحيطة الولاءات السياسية جانباً، وتظاهروا مطالبين بحقوقهم الاجتماعية.
ويقول المختار صالح لـ«الشرق الأوسط»: «نزلنا إلى الساحة بسبب الوجع والضيقة الاقتصادية التي نعيشها بفضل السياسيين في لبنان. وما زلنا في الساحات لأنهم لم يبادروا إلى تحقيق أي طلب من مطالب الناس المحقة»، لافتاً إلى أن «المسؤولين في السلطة الذين جلسوا على كراسيهم منذ سنوات طويلة، لم يفكروا بإعطائنا أبسط حقوقنا، أقله في الطبابة وضمان الشيخوخة، وعوضاً عن ذلك أغرقونا بالديون، رغم أننا خرجنا من الحرب الأهلية من دون أي دين عام». وأضاف: «نحن باقون في الساحات حتى تحقيق مطالبنا التي أوجعتنا على مدى الأعوام الماضية».
منذ اليوم الأول للتحركات الاحتجاجية في لبنان، شارك المحتجون في مدينة صور في جنوب لبنان بفاعلية، وتعرضوا لمضايقات أبرزها الاعتداءات عليهم من قبل مناصرين حزبيين، وتكسير خيامهم في مرحلة لاحقة في ساحة العلم.
ويشير أحد المعتصمين إلى أن صور مدينة صغيرة، والناس يعرف بعضهم بعضاً، وعلى دراية بما آلت إليه الأوضاع المعيشية من تدهور لدى غالبية الناس هناك. ورغم ذلك ما زال البعض يزعجه انتفاضة الناس من أجل تحصيل حقوقهم، في حين يواظب المعتصمون على الاحتجاج في الساحة بعد مرور أكثر من 50 يوماً على بدء الانتفاضة الشعبية.
ويقول محمد حيدر إن «الضغط الحاصل علينا غربل الناس المترددة التي خرجت من الساحة، وهكذا بات الخطاب أكثر نضجاً. والباقون يستحيل أن يتركونها لسبب أساسي، هو أنهم لن يقبلوا بمثل هذه الهزيمة ولا يمكن أن نتخلى عن ثورتنا ببساطة. يمكن أن نختلف على آلية التغيير لكن المطالب تبقى واحدة». ويضيف: «أتنقل يومياً بين عملي والساحة التي أعطيها أولوية أكثر. وغيري كثر. سنبقى ورقة ضغط قوية حتى تحقيق أهدافنا، لا سيّما في ظل لا مبالاة أهل السلطة، وقد أثبت الحراك إمكانية التغيير في أكثر من أمر».
في المقابل، لم يتبدل مشهد الساحة في الأيام الماضية، بفارق وحيد، هو زيادة عدد الخيم الموجودة هناك. إذ تمّ تشييد خيمة كبيرة تقي من أمطار الشتاء، لتمكن المعتصمين من المبيت واستكمال اللقاءات الحوارية والنقاشات في الساحة. وتحتوي الخيمة على مقاعد بلاستيكية وبعض الأسرة المتنقلة، وموقد غاز صغير لتحضير القهوة والشاي.
ويقول لـ«الشرق الأوسط» حسن درويش، وهو أحد الشبان الذين يوجدون باستمرار في الساحة، إن «الانتفاضة في صور لا تزال على حالها، وهمة الناس أيضاً لم تضعف»، مشيراً إلى أن «أهل صور لن يتركوا الساحة ببساطة وسيكملون حتى تحقيق المطالب».
ويستدل درويش على ذلك بندوات الحوار الداخلية التي لا تزال تعقد يومياً في الخيم، وتتناول مواضيع من صلب مطالب الناس، بينها الواقع الصحي والاقتصادي والطبابة وشكل حكومة التكنوقراط، فضلاً عن تحركات متنقلة أمام الدوائر الرسمية.
إضافة إلى ذلك، لم تتوقف المبادرات المدنية، فقد انطلقت السبت الماضي «قافلة الثورة» التي «بدأنا العمل عليها قبل نحو 25 يوماً، وجابت كل ساحات الثورة من الجنوب إلى الشمال»، بحسب ما يقول درويش، لافتاً إلى أن «هدفنا من خلالها كسر الحاجز الطائفي والقول إن ساحات لبنان واحدة، فمثلما استقبلنا في صور زواراً كثيرين من اعتصامات طرابلس والنبطية وبيروت وكفررمان، أتوا ليدعمونا، نحن اليوم من خلال هذه القافلة قمنا برد الزيارة والدعم».
ويشير حسن إلى خيمة سيتم افتتاحها قريباً في قلب الساحة، «دعماً لكل محتاج وستكون مفتوحة للجميع، تحتوي ألبسة ومواد غذائية». وأوضح أن «الفكرة الأساسية منها أنها من كل بيت ولكل الناس... فكرنا بهذه المبادرة انطلاقاً من الوضع المعيشي المزري الذي وصل إليه البعض في صور، إذ يبلغ متوسط الدخل نحو 600 ألف ليرة لبنانية ليس أكثر، لا يمكن أن تكفي لتلبية حاجات الناس الأساسية».
عند ساعات الصباح الأولى، بدا لافتاً في الأيام القليلة الماضية، خلو الخيم إلّا من بعض المارة الذين يلقون التحية على من في الخيمة. ويقول المعتصمون إن أعداد الناس تتزايد في ساعات ما بعد الظهر، وينجز الناس أعمالهم اليومية قبل النزول إلى الساحة.
ويقول نبيل، وهو أحد المشاركين في الساحة منذ بداية التحركات، إن «مطالب المعتصمين في صور لا تزال على حالها، وفي مقدمتها مكافحة الفساد»، لافتاً إلى أن «الناس نزلت إلى ساحات الاعتصام بسبب الفقر المتفشي والبطالة المرتفعة وتردي الوضع المعيشي... البعض يتّهمنا بأنّنا السبب وراء أزمة النقد والدولار، في حين نحن نزلنا إلى الشارع لتحسين الواقع الاقتصادي، والحقيقة أن سبب الأزمة هو نظام المصارف وسياسة مصرف لبنان».
وأضاف: «لن نترك الساحة. ربما تضرر عملي في الوقت الراهن، لكن يوجد ما هو أهم اليوم، وهو التغيير وتحسين الاقتصاد».
ولفت إلى «أهمية إعادة تفعيل الحراك لجهة التوجه نحو مؤسسات الدولة، أي بمعنى تطوير العمل الاحتجاجي».
ويعبر علي، وهو أحد المعتصمين الذين يبيتون لياليهم في الساحة، عن امتعاضه مما آلت إليه الأمور في السياسة أخيراً، رغم وجود الناس في الشارع. وتساءل: «لماذا لم يتم تشكيل حكومة من اختصاصيين؟ ولماذا لم يسقط المسؤولون بعد؟ لا تراهنوا على تعبنا مع مرور الوقت، فالنفس لا يزال طويلاً».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.