دمشق تطلق حملة «العصا والجزرة» مع القامشلي

«الادارة الذاتية» تريد ضمانة روسية لمفاوضات من دون شروط

عنصر من الشرطة الداخلية الكردية خلال مظاهرة في القامشلي رفضاً للهجوم التركي شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
عنصر من الشرطة الداخلية الكردية خلال مظاهرة في القامشلي رفضاً للهجوم التركي شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
TT

دمشق تطلق حملة «العصا والجزرة» مع القامشلي

عنصر من الشرطة الداخلية الكردية خلال مظاهرة في القامشلي رفضاً للهجوم التركي شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
عنصر من الشرطة الداخلية الكردية خلال مظاهرة في القامشلي رفضاً للهجوم التركي شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

زيارة وفد الأحزاب المرخصة من الحكومة السورية إلى القامشلي، جزء من مقاربة ثلاثية الخطوط تفتحها دمشق بـاسلوب «العصا والجزرة» مع شرق الفرات، أسفرت مبدئياً عمّا تريد: موافقة الأحزاب والقوى السياسية في الجزيرة على مفاوضات من دون شروط مسبقة وبضمانة وتسهيل من روسيا... مع بقاء رهان رسمي بنسخ تدرجي لتجربة «جنوب سوريا» في شرقها.
منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب قواته من شمال شرقي سوريا وحصر المهمة في «حماية النفط» وفتح الباب مشرعاً أمام الجيش التركي وفصائل موالية للتوغل بين رأس العين وتل أبيض، فتحت دمشق 3 خطوط مع شرق الفرات:
الأول: مذكرة تفاهم بين قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، ورئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، لنشر قوات حرس الحدود السورية شرق الفرات على حدود سوريا عدا خط تل أبيض - رأس العين، إضافة إلى استمرار اللقاءات العسكرية لتسيير دوريات وإقامة نقاط مراقبة في مفاصل مهمة وقرب الطريق السريعة بين الحسكة وحلب. وبقي الخلاف حول مصير «قوات سوريا الديمقراطية» بين «الانصهار» في الجيش السوري حسب رغبة دمشق، والاكتفاء بـ«التنسيق مع الحفاظ على خصوصية هذه القوات» حسب موقف الأكراد، إضافة إلى تأجيل البحث السياسي في مستقبل الإدارة الذاتية.
الثاني: رهان دمشق على إمكانية «تفكيك» القوى العسكرية الموجودة شرق الفرات التي تدعمها قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا، واللعب على التوتر العشائري – الكردي، واستثمار شعور كثيرين بـ«خيانة أميركية» وأن الوجود الأميركي «ليس دائماً».
الثالث: اختبار استئناف دمشق المفاوضات مع الإدارة الذاتية، التي تضم أحزاباً كردية وعربية وآشورية، بعد فشل جولتين سابقتين. جولتان سابقتان عقدتا في دمشق بمشاركة القيادية إلهام أحمد مع مملوك، وباءتا بالفشل لأسباب عدة؛ بينها رفض دمشق الضمني التحاور مع «كيان الإدارة الذاتية»، والخلاف حول الفرق بين «الإدارة الذاتية» و«الإدارة المحلية». تضاف إلى ذلك، حوارات بين أحزاب سياسية مرخصة في دمشق وأخرى فاعلة في القامشلي. الواضح أن دمشق تميل إلى هذا الخيار لأسباب عدة؛ بينها خفض سقف التوقعات من الأطراف الأخرى وعدم الاعتراف بشرعية الإدارة الذاتية.
وكان لافتاً أن دمشق زامنت قبل أيام بين زيارتين - خطين: اللواء مملوك، والأحزاب السياسية المرخصة، إلى القامشلي؛ أي الحوار والضغط.
حسب المعلومات، التقى اللواء مملوك إلى القامشلي قادة عشائر عربية. العرض كان إصدار عفو عام عن المقاتلين العرب في «قوات سوريا الديمقراطية» وانضمامهم إلى الجيش السوري. وهناك من فسر ذلك بدعم العشائر لـ«مقاومة الاحتلال الأميركي». هنا، يمكن الإشارة إلى تزامن ذلك مع أنباء عن توسيع إيران جهودها لتجنيد شباب سوريين في تنظيمات تابعة لها في ريفي دير الزور والعسكر وتمسكها بإقامة قاعدة عسكرية ضخمة في البوكمال. وهنا إشارة أخرى إلى «التنسيق» بين طهران ودمشق بدعم فصائل قاتلت ضد أميركيين في العراق بعد حرب 2003.
أما بالنسبة إلى زيارة وفد الأحزاب المرخصة، وهي الثانية خلال أشهر، كان لافتاً مشاركة ممثلين من جميع الأحزاب المرخصة؛ بما فيها «البعث» الحاكم، وإصرار الوفد على حضور الرئيس السابق لـ«الاتحاد الديمقراطي» الكردي صالح مسلم. ونقل عن الأمين العام لـ«حزب الشعب السوري» الشيخ نواف طراد الملحم قوله: «الأحزاب تتوسط بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية. وقد ينجم عن ذلك حوار سوري - سوري، مع وجود ضامن دولي، وتم ترشيح روسيا لتلعب هذا الدور». وتم بحث «القضايا المتعلقة بنظامي الإدارة الذاتية والإدارة المحلية»، حيث حمل الوفد معه نسخة من القانون «107» الخاص بالإدارة المحلية.
في المقابل، فإن قراءة وفد أحزاب الجزيرة كانت مختلفة عن ذلك. حسب قول قيادي كردي لـ«الشرق الأوسط»، فإن الوفد أرسل 3 رسائل إلى الضيوف القادمين من المركز:
الأولى: «لسنا عملاء لأميركا، ولسنا انفصاليين»، حيث قال ممثلو الوفد إن المنطقة الشرقية «حررت بالدم من (داعش) على أيدي مقاتلين عرب وأكراد». وقال أحدهم: «إذا تعتقدون أن العرب موالون لكم؛ فأنتم مخطئون: العرب قلقون من عودة قوات الحكومة، وهم يقاتلون الجيش التركي حالياً». وحضّ على ضرورة نقل رسالة إلى دمشق بضرورة «تصحيح أوضاع خاطئة ومجحفة منذ 70 سنة. الحل هو بأن يشعر جميع السوريين بالمواطنة لبناء سوريا جديدة لا تكرر فيها أخطاء الماضي، بحيث يدافع كل شخص عن دمشق وكوباني (عين العرب)». وأشار متحدثون إلى أن المفاوضات الجدية يجب أن تكون بين دمشق و«مجلس سوريا الديمقراطية» وليس مع الأحزاب السياسية المشمولة في «المجلس»... هم يراهنون: «تجربتنا الديمقراطية نموذج لكل سوريا. في السويداء وغيرها...».
الثانية: «نريد التنسيق العسكري وليس الانصهار»؛ إذ أبلغ ممثلو أحزاب الجزيرة ضيوفهم بأن «قوات سوريا الديمقراطية» تضم ما بين 70 و80 ألف مقاتل تدربوا على أيدي التحالف الدولي، وأصبحت لديهم خبرة عملية بعد هزيمة «داعش». وقال أحدهم: «إن هذه القوات مكسب لسوريا ومستقبلها، ويجب أن يكون لهم وضع خاص في المستقبل وعلاقة تنسيق مع الجيش السوري لحماية الحدود». وتابع: «القوات ترفض اقتراح الانصهار في الجيش أو الانضمام فيه في شكل فردي، ولا بد من الحفاظ على خصوصيتهم ضمن تركيبة الجيش».
الثالثة: «لنتوقف عن خداع بعضنا بعضاً»؛ إذ قال قيادي كردي للوفد القادم من دمشق: «كلما يحصل ضغط أو أزمة تعطى وعود لنا من دمشق ثم يجري نسيانها، كما حصل مع وعود إعطاء الجنسية لمحروميها ومكتومي القيد. وهناك من لديه وهْم بتكرار تجربتي غوطة دمشق وجنوب سوريا شرق الفرات، وهذا لن يحصل». واقترح متحدثون رعاية روسيا للحوار بين دمشق والقامشلي لسبيين؛ الأول: تجربتها؛ إذ إن لديها نحو 82 كياناً بعلاقات مختلفة في روسيا الفيدرالية. الثاني: وجود الروس العسكري القوي وعلاقتهم مع جميع الأطراف. وقال قيادي كردي تحدث باسم الجميع: «لسنا انفصاليين، ونريد سوريا جديدة، ونريد أن تكون روسيا ضامناً وميسراً لمفاوضات من دون شروط مسبقة، وهذه رسالتنا لدمشق».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.