حملة لمقاطعة ميانمار مع بدء جلسات «العدل الدولية» للنظر في جرائم الحرب

محكمة «العدل الدولية»
محكمة «العدل الدولية»
TT

حملة لمقاطعة ميانمار مع بدء جلسات «العدل الدولية» للنظر في جرائم الحرب

محكمة «العدل الدولية»
محكمة «العدل الدولية»

وصلت زعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، الحائزة على «جائزة نوبل للسلام»، إلى هولندا، لتواجه احتجاجات مجموعات حقوقية أممية تنادي بمقاطعة بلدها التي تواجه اتهامات بارتكاب الإبادة الجماعية بحق أقلية الروهينغا المسلمة. وستوجد سو تشي في لاهاي للدفاع عن بلادها أمام المحكمة الجنائية ضد الاتهامات باقتراف جرائم حرب، خلال ثلاثة أيام من جلسات الاستماع، بعد أن أقامت غامبيا دعوى قضائية أمام المحكمة في نوفمبر (تشرين الثاني). وقال مكتب سو تشي، الشهر الماضي، إنها ستقود فريق بلادها في لاهاي «للدفاع على المصلحة الوطنية».
ونشر مكتب سو كي صورة لوصولها لمطار سخيبول في أمستردام، حيث كان سفير بلادها في هولندا في استقبالها، ثم اتجهت إلى لاهاي، حيث مقر المحكمة.
ومن المتوقع أن تشهد المدينة احتجاجات في الأيام المقبلة لجماعات تضم ناجين من الروهينغا، وأخرى ينظمها مؤيدون لحكومة ميانمار. وعبر نشطاء في جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان عن دعمهم لأقلية مسلمي الروهينغا في ميانمار، أمس الاثنين، ودعوا إلى مقاطعة عالمية للبلد الآسيوي قبل يوم من بدء جلسات محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية.
كانت غامبيا، وهي دولة صغيرة تسكنها أغلبية مسلمة في غرب أفريقيا، قد أقامت الدعوى التي تتهم ميانمار ذات الأغلبية البوذية بارتكاب الإبادة الجماعية بحق أقلية الروهينغا المسلمة. والإبادة الجماعية هي أخطر الجرائم الدولية.
وفر أكثر من 730 ألفاً من الروهينغا المسلمين من ميانمار عام 2017 بعد حملة وحشية قادها الجيش، وقالت الأمم المتحدة إنها تمت بـ«نية الإبادة الجماعية»، وشملت عمليات قتل جماعي واغتصاب. وترفض سلطات ميانمار هذا التصور تماماً، وتصف العملية العسكرية بأنها رد مشروع على هجمات نفذها مسلحون من الروهينغا، وأسفرت عن مقتل 13 من أفراد قوات الأمن.
وخلال الجلسات التي ستعقد على مدى ثلاثة أيام، سيطلب الفريق القانوني التابع لغامبيا من لجنة قضاة الأمم المتحدة، المؤلفة من 16 عضواً، اتخاذ «تدابير مؤقتة» لحماية الروهينغا قبل النظر في القضية بشكل كامل.
وقال «تحالف الروهينغا الأحرار»، في بيان، إنه بدأ «حملة مقاطعة ميانمار»، بالتعاون مع 30 منظمة في 10 دول. ودعا التحالف «الشركات والمستثمرين الأجانب والمنظمات المهنية والثقافية إلى قطع علاقاتها المؤسسية مع ميانمار». وأضاف، كما نقلت عنه وكالة «رويترز»، أن المقاطعة تهدف إلى «الضغط السياسي والاقتصادي والثقافي والدبلوماسي على الحكومة الائتلافية لميانمار بقيادة أونغ سان سو كي وعلى الجيش».
وفي المخيمات مترامية الأطراف في بنغلاديش، حيث يعيش الروهينغا، حياة اللاجئين، قال بعضهم إنهم يتوجهون بالدعاء حتى تتحقق العدالة. وقرأ أحد اللاجئين مقالاً صحافياً عن القضية أمام مجموعة من الناس بصوت عالٍ. وقال نور العالم البالغ من العمر 65 عاماً، الذي قال إن جنود ميانمار قتلوا ابنه بالرصاص خلال الحملة، «يوماً ما كانت أونغ سان سو كي أيقونة للسلام، وكانت لدينا آمال عريضة في أن الأمور ستتغير عندما تصل إلى السلطة. دعونا لها لكنها أصبحت الآن أيقونة للإبادة الجماعية... عار عليها».
وذرفت لاجئة تدعى ممتاز بيجوم، تبلغ من العمر 31 عاماً، الدموع في خيمتها، وهي تسترجع ذكريات حبس الجنود لها في منزلها بولاية راخين الشمالية، وإشعالهم النار في السقف. وتقول إنها تمكنت من الهرب، لكن أبناءها الثلاثة قتلوا، وضُربت ابنتها، وكانت تنزف. وفي ميتكينيا عاصمة ولاية كاتشين بشمال ميانمار قرب الحدود مع الصين، تظاهر المئات دعماً لسو كي. وسار حشد المتظاهرين، وحمل البعض لافتات تقول «نقف مع زعيمتنا» و«نقف مع الأم سو». ومن المزمع خروج المزيد من المظاهرات في مدينتي يانجون وماندالاي الرئيسيتين عند بدء جلسات القضية أمام محكمة العدل الدولية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟