إيران تعلن عن ميزانية تهدف إلى «تخفيف الصعوبات» الاقتصادية بدعم روسي

صندوق النقد يتوقع انكماشاً بنسبة 9.5 %... والتضخم يتجاوز 40 %

الرئيس الإيراني حسن روحاني يسلم رئيس البرلمان علي لاريجاني الميزانية الجديدة أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يسلم رئيس البرلمان علي لاريجاني الميزانية الجديدة أمس (أ.ف.ب)
TT

إيران تعلن عن ميزانية تهدف إلى «تخفيف الصعوبات» الاقتصادية بدعم روسي

الرئيس الإيراني حسن روحاني يسلم رئيس البرلمان علي لاريجاني الميزانية الجديدة أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يسلم رئيس البرلمان علي لاريجاني الميزانية الجديدة أمس (أ.ف.ب)

عرض الرئيس الإيراني حسن روحاني على مجلس الشورى، أمس، موازنة لـ«الصمود» في وجه العقوبات الأميركية التي تستهدف قطاع النفط الحيوي، مشيراً إلى استثمارات روسية مرتقبة بقيمة 5 مليارات دولار.
وقال روحاني إن الموازنة تهدف إلى التخفيف من «الصعوبات» في بلاده، حيث أدى رفع كبير لأسعار الوقود إلى اندلاع مظاهرات قوبلت بقمع دموي في أنحاء البلاد.
وتشمل العقوبات الأميركية التي فرضت العام الماضي في إطار نزاع تركز على برنامج إيران النووي، حظراً ضد قطاع النفط الذي تهدف واشنطن إلى خفض مبيعاته للصفر، في إطار حملتها لممارسة «أقصى الضغوط» على طهران؛ كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وتعاني إيران من تدهور اقتصادي شديد مع تدهور قيمة العملة الوطنية، مما أدّى إلى ارتفاع كبير في نسبة التضخم وأسعار الواردات.
وقال روحاني أمام مجلس الشورى إن الموازنة البالغ حجمها 4.845 تريليون ريال إيراني أو 36 مليار دولار بحسب سعر الصرف الحالي في الأسواق، تهدف إلى مساعدة الشعب على تجاوز الصعوبات التي يواجهها.
وأعلن: «نعرف أن الناس يواجهون صعوبات في ظل العقوبات والضغوط. ونعرف أن قدرة الناس الشرائية تراجعت».
وستدعم الموازنة «استثمارات» روسية بقيمة 5 مليارات دولار يجري وضع اللمسات النهائية عليها، بحسب روحاني. وقال: «نأمل دخول رؤوس أموال بقيمة 5 مليارات دولار للبلاد، إما عبر خطط يتم العمل على إتمامها أصلاً، أو سينتهي العمل عليها العام المقبل».
وقال روحاني إن الموازنة التي تتضمن زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 15 في المائة هي «موازنة صمود في وجه العقوبات». وأكد أن هذه الخطة المالية تأتي رداً على «الضغوط المتواصلة التي تشكّلها العقوبات الأميركية»، وتعهد بأنها «ستعلن للعالم أنه رغم العقوبات، سندير البلاد، خصوصاً فيما يتعلق بالنفط». وتملك إيران، العضو في «منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)»، رابع أكبر احتياطي للنفط وثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي عالمياً. وزعم روحاني أنّه رغم العقوبات الأميركية، فإن بلاده تنتظر تحقيق واردات بقيمة 455 تريليون ريال (3.4 مليار دولار) من العائدات النفطية.
من جهته، يؤكد صندوق النقد الدولي أن صادرات إيران من النفط الخام تراجعت بنسبة 72 في المائة هذا العام إلى أقل من 600 ألف برميل يومياً مقارنة مع عام 2016، وهو العام الذي أعقب توقيع الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات.
وأكد روحاني كذلك أن اقتصاد إيران غير النفطي سيكون في وضع «إيجابي» هذه السنة. وأضاف: «صادراتنا ووارداتنا وتحويل الأموال و(قطاع) صرف العملات... تواجه مشكلات عدة». وتابع: «نعرف جميعنا أننا نواجه مشكلات في تصدير النفط. لكن في الوقت ذاته، نسعى للتخفيف من الصعوبات المعيشية التي يواجهها الناس». وقال: «بخلاف ما اعتقده الأميركيون بأن اقتصاد بلادنا سيواجه مشكلات جراء ضغط العقوبات (...)، اخترنا المسار الصحيح (...) ونمضي إلى الأمام».
ويأتي الكشف عن الموازنة بعدما تسبب إعلان الحكومة المفاجئ في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن رفع أسعار البنزين في اندلاع مظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد، قبل أن تقوم قوات الأمن بقمعها بعنف وسط حظر شبكة الإنترنت. ولم يعلن المسؤولون في إيران بعدُ حصيلة للقتلى جراء الاضطرابات التي تخللها إحراق محطات بنزين ومراكز شرطة ونهب متاجر. لكن منظمة العفو الدولية أفادت بأن 208 أشخاص على الأقل قتلوا في حملة السلطات الأمنية ضد المحتجين، بينما نفت طهران العدد الذي عدّته «محض أكاذيب».
وبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض العقوبات في مايو (أيار) 2018، بعدما انسحب أحادياً من الاتفاق النووي الذي نص في 2015 على تخفيف العقوبات عن إيران مقابل فرضها قيوداً على برنامجها النووي. وواصلت الولايات المتحدة مضاعفة عقوباتها على طهران هذا العام في إطار سياسة معلنة لممارسة «أقصى الضغوط». وتأثّر الاقتصاد الإيراني فتوقع صندوق النقد الدولي بأن ينكمش الاقتصاد بنسبة 9.5 في المائة هذا العام. وانخفضت قيمة الريال الإيراني، بينما بلغ معدل التضخم أكثر من 40 في المائة.
ولم يتطرق روحاني في خطابه إلا لبضعة أجزاء من مسودة الموازنة للسنة المالية التي تبدأ في نهاية مارس (آذار) 2020 ويتوجب على مجلس الشورى دراستها والتصويت عليها قبل إقرارها. وقال الرئيس للنواب: «تنصب جهودنا كافة على تخفيف هذه الصعوبات إلى حد ما ليصبح من الممكن أكثر تحملها».



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.