ساحات بيروت أحيت «أحد الغضب» مطالبة بتشكيل حكومة مستقلة

دعوا إلى أن تأخذ الاستشارات النيابية برأي الناس والاستماع إلى مطالبهم

TT

ساحات بيروت أحيت «أحد الغضب» مطالبة بتشكيل حكومة مستقلة

أحيا المحتجون اللبنانيون أمس «أحد الغضب»، بمظاهرات ومسيرات تخللتها اعتداءات على المتظاهرين، وذلك بهدف التأكيد مرة أخرى أن مطلب الناس ما زال تشكيل حكومة مستقلة من خارج المنظومة الحاكمة، بحسب ما جاء في بيان إحدى المجموعات الفاعلة في التحركات. واستبقت الاحتجاجات موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي من المقرر أن يجريها اليوم (الاثنين) رئيس الجمهورية ميشال عون لتسمية رئيس للحكومة المرتقبة. كما أفادت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام» بإطلاق دعوات للتجمع مساء أمس أمام مجلس النواب، عشية انطلاق الاستشارات النيابية. وذكرت الوكالة أن عدداً من السيارات تجمعت على جسر الرينغ للانطلاق في موكب يجوب شوارع بيروت في إطار للتأكيد على أن الاستشارات النيابية يجب أن تكون للشعب، وأن المطلوب تشكيل حكومة مستقلة من خارج المنظومة الحاكمة.
ودعا المشاركون في التجمع النواب إلى «الرضوخ لإرادة الناس واحترام تضحياتهم وتسمية شخصية مستقلة تحظى بثقتهم ورضاهم، والأهم تحمل خطة تجنبهم دفع ثمن الأزمة». وكانت الاحتجاجات بدأت في لبنان منتصف أكتوبر (تشرين الأول). وفي نهاية الشهر نفسه، قدم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري استقالته استجابة لرغبة المحتجين.
وأعدت ساحات وسط بيروت عدتها كالمعتاد، وأحضر المحتجون قهوتهم ويتنادون لارتشافها مرحبين بالعابرين وفاتحين المجال لحلقات حوارية بعيداً. وأكثر المواضيع إثارة للجدل في ساحات الوسط وخيمها هو موضوع إقفال الطرق ومنع حصول الاستشارات. ويقول أحمد وهو يعمل في قطاع البرمجة إن «لقطع الطرق سلبيات وإيجابيات، لكنه وسيلة ضغط، وإلا تخمد الثورة». وهو «لا ينتظر تغييراً فورياً. والمطلوب مواصلة العمل وصولاً إلى دولة علمانية لا تتحكم فيها الطوائف. وإزالة الفاسدين من الحكم هو الهدف الأول. ونحن لا نريد العمل وفق أسلوب الجيل الأكبر الذي فشل في كل تحركاته. هم لا يعرفون النضال الفعال ويكتفون بالتنظير لأنهم يخافون من المستقبل. لكن الشارع لا يخاف ولا يحسب حسابات هشة، لا سيما أن المسؤولين ينكرون فعالية هذا الشارع ويسعون إلى تخديرنا بوعود غير فعالة كمؤتمر سيدر والـ11 مليارا التي سيأتي بها. لذا نحن ضد الاستشارات النيابية وضد الحكومة التي ستنتجها».
ويشير بعض المعتصمين إلى «الخيم المدسوسة»، كما يصفها أحدهم، قائلاً: «إحدى الخيم التي ترفع شعار (قانون العفو حق) صاحبها ملاحق بـ35 مذكرة بحقه ومدعوم من جهات معروفة. وهناك خيم لأحزاب السلطة أو لشخصيات سياسية محسوبة عليهم. غالباً ما يندس من فيها بين المعتصمين ويمررون أفكاراً ظاهرها بريء وباطنها رسائل من السلطة التي أرسلتهم إما للتخريب والفوضى أو للإحباط والتهديد المبطن».
مارسيل راشد، وهي ربة منزل، نصبت خيمتها منذ بداية «الانتفاضة»، وفق توصيفها للتحرك الشعبي، وتقول: «لم نصل بعد إلى مرحلة الثورة، لكني هنا من أجل أولادي». وهي تأمل أن تؤدي «الانتفاضة إلى نتائج إيجابية، (لذا أنام على الأرض منذ أكثر من شهر. لكننا لا نتوقع أن يتحول لبنان إلى سويسرا. فنحن ننتظر حكومة إنقاذية وانتخابات على قياس الوطن لإيصال ممثلين لنا إلى المجلس النيابي. نحن اليوم ننتزع حقنا ونعمل للوصول إلى دولة مدنية)».
ولا تجد مارسيل في القوى السياسية الحالية من يمثلها قائلة: «هناك الكثيرون ممن تسلقوا الانتفاضة ليستغلوها. الثوار في الوسط وحولهم قوى من 8 و14 آذار يركبون الموجة على ظهورنا. فالأحزاب الكبيرة اكتشفت أن جمهورها يتسرب إلى الساحات فاضطرت إلى اللحاق بهم». وهي لا تريد أن تحاكم أحداً من الطبقة السياسية الحالية، لأن «الوصول إلى دولة يسيطر عليها القانون ستتولى هذه المحاكمة وتعيد الحقوق إلى المواطنين».
العميد المتقاعد محمود طبيخ من «تجمع العسكريين المتقاعدين»، يقر بأن مطالب اللبنانيين أياً كانت انتماءاتهم هي ذاتها، لكنه يقسم الثوار إلى 3 فئات. يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفئة الأولى ممن نزلوا إلى الساحات تريد إسقاط النظام، وهي على يمين الحراك. والفئة الثانية تحركها مجموعة يسارية، ويغلب عليها طابع المثقفين والنخب أكثر من الطابع الشعبي الجماهيري، ويطالبون بإلغاء الطائفية السياسية وإجراء انتخابات مبكرة وفصل القضاء عن السياسة من دون إسقاط النظام. أما المجموعة الثالثة فهي مستقلة عن اليمين واليسار، ومطالبها اقتصادية واجتماعية، وتركز على استعادة الأموال المنهوبة. ونحن نمثل هذه المطالب لأن الانتفاضة لن تنجح إلا بخطاب وسطي ووطني وواقعي، وليس بقطع الطرق ومنع الاستشارات».
رئيس التيار النقابي المستقل جورج سعادة قال لــ«الشرق الأوسط» إن «المطلوب أن تعطي الاستشارات فرصة لما يخدم الانتفاضة المميزة في تاريخ الوطن، تأخذ برأي الناس في منازلهم ويستمعون إلى مطالبهم. لكن الاستشارات الحالية ستؤدي إلى استمرار هذه السلطة التي أفسدت ونهبت وسرقت منذ 30 عاماً. ما نحتاجه هو حكومة بصلاحيات استثنائية لمدة سنة، مهمتها وقف الانهيار الاقتصادي وإقامة سلطة قضائية مستقلة لمحاكمة السارقين ووضع نظام انتخابي».
ويعتبر سعادة أن «الاستشارات الملزمة مهزلة، إذ يكفي استشارة رؤساء الكتل، لأن النواب المنضوين في هذه الكتل لا رأي لهم وينفذون الأوامر». الطبيب خليل سلوم لا يأمل حتى بإجراء الاستشارات، وإن جرت، فهي لن تؤدي إلى تسمية رئيس للحكومة. فتصريحات السياسيين تشير إلى ذلك. وأهمها تصريح رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد عندما قال إن الأفضل العودة إلى حكومة تصريف الأعمال وتفعيلها ومحاسبة الوزراء. فالسلطة تتجاهل الحراك منذ 51 يوماً ولا تهتم بمطالبه وتتهرب منها. وتحميل الحراك مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي بدأت ملامحه تتبلور منذ سنوات أمر معيب».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.