شبح التدخل الدولي يخيم على العراق بعد فشل الحكومة في حماية المظاهرات

TT

شبح التدخل الدولي يخيم على العراق بعد فشل الحكومة في حماية المظاهرات

في العراق دائماً تأتي الإصلاحات والإجراءات متأخرة. فرضية أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي، لا تنطبق على الوضع العراقي. بل باتت تزيد الأوضاع المعقدة أصلاً تعقيداً إضافياً. حكومة عادل عبد المهدي، التي سميت حكومة «الفرصة الأخيرة»، أضاعت بإصرارها على عدم الاستقالة في وقت مبكر، بعد بدء الاحتجاجات في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة الأخيرة تماماً. فالحجج التي كان يسوقها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، بأن الأوضاع يمكن أن تذهب إلى الفوضى في حال قدم استقالته لم تقنع المتظاهرين. ففيما كان شرطهم الأساس هو استقالة الحكومة عند بدء الاحتجاجات تحول هذا الشرط إلى محاسبتها بأثر رجعي بعد قمع الاحتجاجات.
لم تسمع الحكومة صوت المتظاهرين، على الرغم من توالي سقوط الضحايا، قتلى بالمئات، جرحى بعشرات الآلاف، معاقون بعدة آلاف. لكن عبد المهدي نفذ فوراً أمر المرجعية الدينية العليا التي طالبت البرلمان بإقالته. لم يكن أمر التنفيذ يقتصر على تقديم استقالة فقط، بل كان بمثابة إطاعة إلى حد الاستعداد للذبح حين استعان بالآية القرآنية «يا أبتِ افعل ما تؤْمر ستجدني إن شاء اللَّه من الصابرين».
الاستقالة المتأخرة بقدر ما أججت الأوضاع في البلاد، فإنها فتحت بابين في آن واحد؛ الأول باب التصعيد الداخلي الذي بدأه المتظاهرون حين راحوا يرفعون سقوف مطالبهم، بعد أن أدركوا أن الاستقالة كانت بسبب إصرارهم وثباتهم، والثاني شبح التدخل الدولي بدءاً من تقرير ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، وصولاً إلى العقوبات الأميركية ضد أربع شخصيات عراقية توصف بأنها مقربة من إيران.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي آلا طالباني، تقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «المجتمع الدولي لم يعد يقف مكتوف الأيدي حيال ما يجري في العراق، وقد بدأت مؤشرات ذلك خلال اليومين الأخيرين»، مبينة أنه «بالإضافة إلى ما أعلنه سفير الاتحاد الأوروبي في العراق، فإن دولاً مثل بريطانيا وفرنسا دعت إلى محاسبة الجهات المسؤولة عن قتل المتظاهرين السلميين في بغداد، وهو أمر يتزامن مع التصعيد الأميركي الأخير، فضلاً عن تقرير الأمم المتحدة الذي كان صدمة بحد ذاته».
وفيما تتوقع طالباني أن «يكون هناك عنف أكبر خلال الفترة المقبلة»، فإنها ترى أن «كل المؤشرات تؤكد أن رئيس الوزراء المقبل سيتم فرضه من الخارج، لكن الغربي هذه المرة»، في إشارة إلى عدم قدرة إيران على إحكام سيطرتها على الأوضاع في العراق حالياً.
في السياق نفسه، يرى الدكتور ظافر العاني نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «استقالة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة لن تعفيه من المساءلة القضائية عن عملية القتل الممنهجة التي تحدث في ظل حكومته، بل ولن تمنع عنه المساءلة الدولية فيما لو عجز القضاء العراقي عن القيام بواجبه تجاه هذه الجرائم».
ويضيف العاني أنه «في الوقت الذي يتوجب على المتظاهرين السلميين الاستمرار في حراكهم، فإنه يتوجب على الحكومة التوقف عن التمادي في استخدام العنف، لأن ذلك ليس في مصلحة البلاد». في سياق ذلك، وصف سفير الاتحاد الأوروبي لدى العراق مارتن هوث، أحداث ساحة الخلاني وجسر السنك وسط بغداد، التي حصلت أول من أمس، بـ«جرائم قتل». وقال في تغريدة له على «تويتر»، إن «ما حدث أمس (الأول) وسط العاصمة العراقية بغداد هو جرائم قتل». وأضاف: «غاضب وأشعر بالحزن العميق على جرائم القتل ضد أعداد من المتظاهرين والقوات الأمنية من قبل عناصر مجرمة من طرف ثالث». وتساءل سفير الاتحاد الأوروبي عمن وصفهم بالمخربين: «من هم المخربون الحقيقيون؟»، في السياق نفسه تساءل السفير الكندي لدى العراق، أولريك شانون، «كيف نعيد استقرار العراق، والدولة تسمح بوجود مجموعات مسلحة تمثل أجندات خاصة؟». وقال شانون في تغريدة له، إنه «لا يجوز في أي بلد ذي سيادة أن تسمح الدولة بوجود مجموعات مسلّحة تمثّل أجندات خاصة. بعد أحداث أمس (الأول) الشنيعة، أدعو السلطات إلى أداء مسؤولياتهم بمحاسبة المجرمين، الذين هاجموا المتظاهرين بشكل مخطّط»، وأوضح قائلاً: «على الدولة حماية مواطنيها في سياق القانون. وإلا فكيف نعيد الاستقرار». أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور خالد عبد الإله، فإنه في الوقت الذي يستبعد «تدخلاً دولياً مباشراً في الشأن العراقي حالياً، نتيجة تعقيد العديد من الملفات في المنطقة والحاجة إلى التهدئة في ملفات أخرى»، فإنه يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك شعوراً أميركاً بدأ يتصاعد بأهمية أن يكون العراق أميركياً بامتياز، لا سيما أن المحافظين الجدد يقولون إننا خسرنا الكثير من أجل العراق وقدمناه لإيران»، مبيناً أن «الرئيس الأميركي ترمب بدأ يلمح لأن العراق لم يعط تميزاً للشركات الأميركية النفطية أو غيرها، وهو أمر لن تقبل به الإدارة الأميركية، التي بدأت تفكر بإعادة هيكلة وضعها في العراق، وبدأت تعطي رسائل قوية لإيران بأن تتخلى عن العراق».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».