انتشار مبادرات فردية تؤمّن خدمات مجانية لتجاوز المحنة

في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون

«ليبان تروك» صفحة إلكترونية مخصصة للحد من معاناة اللبناني في ظل الأزمة المالية
«ليبان تروك» صفحة إلكترونية مخصصة للحد من معاناة اللبناني في ظل الأزمة المالية
TT

انتشار مبادرات فردية تؤمّن خدمات مجانية لتجاوز المحنة

«ليبان تروك» صفحة إلكترونية مخصصة للحد من معاناة اللبناني في ظل الأزمة المالية
«ليبان تروك» صفحة إلكترونية مخصصة للحد من معاناة اللبناني في ظل الأزمة المالية

«كيف ممكن ساعد؟»... هو السؤال الأكثر تداولاً اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى الصفحات الإلكترونية. ففي ظلّ الأزمة المالية التي يمر بها اللبنانيون تكثفت المبادرات التي تنشد مساعدة المحتاجين في مختلف المناطق اللبنانية. وتأتي هذه المبادرات لتبلسم جروح عدد لا يستهان به من مواطنين لامسوا خط الفقر بعد تردي الحالة الاقتصادية في البلاد.
وتفاعل مع هذه المبادرات عدد من الإعلاميين والفنانين أمثال كارين سلامة وكريستين شويري. وقد أخذوا على عاتقهم نقل هموم الناس ومطالبهم عبر حساباتهم الإلكترونية على «تويتر» و«فيسبوك». وجاءت النتائج ناجحة، كما تشير تعليقات الناشطين إلى هذه الوسائل من ناحية، والمحتاجين من ناحية أخرى.
«اليوم كنت نازل بدي بيع تليفوني حتى أقدر أشتري أكل وشرب لزوجتي الحامل، ولكنّ الخيرات تدفقت علينا من دون حيث لا ندري. وأشكر أصحاب الأيادي البيضاء الذين ساهموا بذلك». كتب فادي على صفحة «فيسبوك» يشكر سلامة التي ساهمت بذلك. أمّا كريستين شويري فكتبت على صفحتها تقول: «اليوم نقوم بجولتنا الثالثة من جمع مواد غذائية وملابس وذلك في مناطق عين الرمانة، وحارة حريك، وعرسال، وبعلبك. ومن يرغب في المشاركة يرجى منه الاتصال بنا».
وفي الإطار نفسه، قرّرت مجموعات من اللبنانيين إطلاق مبادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان «ليبان تروك» (Liban troc) هدفها تأمين خدمات مجانية للبنانيين، وكذلك فرص عمل تساعدهم على تجاوز المرحلة المالية الدقيقة التي يمرون بها.
وتحت هذا العنوان الذي يطالعك على صفحة «فيسبوك»، ينشر القيّمون على المبادرة، نبذة ملخصة عمّا تستطيع أن تقدمه المبادرة للبنانيين وعن سبب تأسيسها: «نظراً إلى الأزمة المالية الحالية تمكننا محاولة العودة إلى ما قبل اختراع النقود الورقية ونتبادل منتجاتنا وخدماتنا من دون مقابل».
وتتصفح تعليقات الناشطين على هذه الصفحة لتقرأ رسائل إلكترونية ذات محتوى يدور في فلك مساعدة الآخر، في أي منطقة أو بلدة وقرية يسكنها. ومن بين المساهمين في نجاح هذه الصفحة وتأمين الخدمات فيها، أطباء مختصون، وأصحاب محطات فيول، وشركات ومؤسسات، وربات منازل، وأساتذة ومعلمو مدارس، وغيرهم من أصحاب المهن الحرة، الذين يستطيعون مدّ يد العون لكل من هو بحاجة إليها.
فمبدأ العونة (مساعدة الناس لبعضها)، هو تقليد قديم كان يُتّبع في القرى اللبنانية. وكان يمارَس من الأهل والأجداد بصورة عفوية فيتوجهون جماعات أو أفراداً لتقديم المساعدة لابن قريتهم الذي هو في طور تشييد منزل أو تحضير مواسم المونة وزراعة أرضه، وغيرها من المهمات التي تطبع أجواء القرى عادةً. واستوحى أصحاب هذه المبادرة الفكرة منها.
«في ضوء ما يمر به بلدنا الحبيب من أزمة اقتصادية يسرنا أن نعلن عن بدء استقبال أطفالكم في عيادتنا مجاناً»، و«من يحتاج إلى هذا الدواء لأمراض القلب فلدي ثلاث علب منه نظراً لارتفاع أسعاره»، و«مطلوب ناطور لبناني لفيلا في بعبدات، السكن مؤمّن مع معاش 400 دولار»، و«أنا ممكن ساعد بالتبرع بأكل وثياب وأدوية وألعاب وأستطيع أن أطبخ حصص غذائية توزع على المحتاجين في منطقة جبيل». هذه نماذج عن الخدمات التي تتلقفها هذه الصفحة يومياً، فتفتح أبواب الخدمات على مصراعيها مساهمة منها في التخفيف من معاناة اللبنانيين ومن الانعكاسات السلبية للأزمة المالية على حياتهم اليومية. وللعاطلين عن العمل تخصّص هذه الصفحة وتحت فقرة مبوبة «وظائف». وتطالع عبرها مجموعة طلبات تتوزع على اختصاصات إلكترونية وأكاديمية ويدوية وغيرها. ومعها يستطيع كل شخص محتاج إلى هذا النوع من الفرص، إيجاد ما يلائم أوضاعه الحياتية والدراسية.
ومن المبادرات التي لفتت الرأي العام اللبناني تلك التي قام بها رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري، عندما أعلن عن تخفيض راتبه مع كبار الموظفين في الجامعة تضامناً مع الأوضاع الاقتصادية الصّعبة في لبنان، والتي كما ذكر في بيان أصدره، تنعكس سلباً على أوضاع الطّلاب. وأشار خوري إلى أنّ الجامعة بدأت وبدعم من مجلس الأمناء الإعداد لخطة طوارئ للتّعامل مع حالات التعثّر المالي لدى بعض الطلاب والناجمة عن هذه الأزمة. أمّا مجلس نقابة المحامين في بيروت فلقد أعلن عن قرار يقضي بطلب زيارة 500 محامٍ في 22 الجاري جميع السجون في لبنان. وفنّد المجلس أهداف زياراته بثلاث نقاط: تحديد أسماء المساجين من ليس لديهم وكلاء محامين يدافعون عنهم، ومن قضى عقوبته ولا يزال في السجن، ومن هو بحاجة إلى مبلغ بسيط ككفالة مالية غير متوفرة معه.
وفي منطقتي بشري وزغرتا الشماليتين، قرّرت مجموعة من الأطباء والجراحين الوقوف إلى جانب أهالي هذه المناطق. فأعلنت عن فتح أبواب عياداتها مجاناً فيما يخصّ الاستشارات السريرية لكل شخص لا تشمله التغطية الصّحية.
ومن باب تأمين لقمة العيش، وتحت عنوان «نحنا لبعض»، عرض أحد أصحاب أفران المعجنات في مدينة النبطية الجنوبية يافطة أمام محله تقول: «بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة نقدم 4 ربطات خبز بسعر 3000 ليرة، ولا حرج أخي أن تأخذ الخبز مجاناً إذا لم يتوفر لديك المال». والمعروف أنّ سعر ربطة الخبز الواحدة هي 1500 ليرة.
نماذج كثيرة لا تعدّ ولا تحصى تدور في فلك المساعدة المجانية، تشغل معظم اللبنانيين المتعاطفين مع مواطنين محتاجين. وتأتي هذه المشهدية الإنسانية بامتياز في ظل غياب اهتمام الجهات الرسمية تماماً عنها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».