حكومة السودان تسعى لتفكيك «قنبلة الدعم» بأقل الخسائر

مقترحات بتطبيق سياسات موازية لتحجيم آثار رفعه

حكومة السودان تسعى لتفكيك «قنبلة الدعم» بأقل الخسائر
TT

حكومة السودان تسعى لتفكيك «قنبلة الدعم» بأقل الخسائر

حكومة السودان تسعى لتفكيك «قنبلة الدعم» بأقل الخسائر

تواجه الموازنة العامة في السودان للعام 2020 تحديات اقتصادية تمثل عقبة كؤود أمام الحكومة في تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، وإعادة هيكلة الدولة، ويمثل دعم السلع الاستراتيجية أكبر المعوقات التي تواجهها الحكومة الانتقالية.
وتدرس الحكومة السودانية مقترحات في الموازنة بإبقاء الدعم على الجازولين، ورفعه عن البنزين. وكان وزير المالية إبراهيم البدوي قد ذكر أن حكومته تحتاج إلى نحو 5 مليارات دولار لدعم موازنة 2020، وتنفيذ برنامج إصلاح الاقتصاد والدولة.
وقال الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» إن رفع الدعم أصبح مسألة مهمة وضرورية لإصلاح الاقتصاد السوداني، وأضاف: «الإبقاء على الدعم نشأت عنه ضريبة تضخمية بلغت 200 في المائة خلال الفترة بين 2017 و2019».
وأشار إلى أن دعم «القمح والمحروقات» تسبب في عجز الموازنة، ودفع الحكومة للاستدانة من الجهاز المصرفي، وتضخم الكتلة النقدية التي تجاوزت 600 مليار جنيه (13.3 مليار دولار)، نتيجة لطباعة النقود دون وجود تغطية لها، مع توقف عملية الإنتاج بالبلاد.
وعد عبد المنعم رفع الدعم من أهم واجبات الإصلاح الاقتصادي في المرحلة الانتقالية، واقترح رفع الدعم عن المحروقات بنسبة 100 في المائة، وأن يتم رفع جزئي لدعم القمح بنسبة 50 في المائة.
واشترط الخبير الاقتصادي أن ترافق رفع الدعم سياسات متكاملة، أهمها إيقاف عمليات الاستيراد للسلع غير الضرورية، وتحسين عجز الميزان التجاري، وتشجيع الصادرات، وإيقاف تهريب السلع.
ووفقاً لعبد المنعم، تبدو المعضلة في رفع الدعم عن السلع الأساسية ليس في بعدها الاقتصادي فقط، بل ببعدها السياسي للحكومة الانتقالية التي تكونت بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام المخلوع عمر البشير، وكانت شرارتها رفع الدعم عن السلع وانعدام الخدمات.
ويرى اقتصاديون أن رفع الدعم عن السلع يمكن أن يخفف من وطأة الضرائب المفروضة على المنتجين، لتغطية عجز الموازنة الناتج عن دعم السلع، وأنه يمكن أن يمثل البداية الصحيحة للإصلاح الحقيقي للاقتصاد، واستعادة قيمة الجنيه السوداني، ومعالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد.
ودعا الخبراء لاتباع سياسات موازية لرفع الدعم للتقليل من آثاره، ومنها تحرير سعر صرف الجنيه، ومعالجة زيادة مرتبات العاملين في الدولة، وتقديم دعم مالي للشرائح الضعيفة. وحذروا من أن زيادة أسعار البنزين ورواتب العاملين في الدولة من دون معالجات كلية حاسمة، قد تنتج تضخماً تعود بموجبه «أزمة السيولة» مجدداً، لفقدان الجنيه لقيمته بصورة أكبر.
وقال المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن إقرار الإصلاحات الاقتصادية على حساب الشرائح الضعيفة في المجتمع»، وتابع: «هي معادلة بالغة الحساسية، تصلح الاقتصاد دون إلحاق الأذى بالفئات الأكثر هشاشة»، واستطرد: «التحدي الأكبر هو العمل على تحسين الاقتصاد، وتلبية توقعات المواطنين في مجالات التنمية والوظائف والرعاية الصحية والتعليم».
واقترح فتحي اتباع سياسات انكماشية تحقق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، أو اتباع سياسات توسعية تدفع معدلات النمو الاقتصادي، بما يستجيب لمطالب المواطنين في تحقيق نمو يضمن توفير فرص عمل جديدة تسهم في رفع مستوى معيشة الأفراد، وتخرجهم من حالة الفقر المدقع، وتحويلهم لقوة دافعة للإنتاج والسوق والحركة التجارية.
ودعا فتحي لإعداد دراسة لقياس مستوى الفقر في السودان، وتحديد الفقراء المستحقين للدعم، استناداً إلى «تحقيق العدالة والتكافل الاجتماعي، بتوفير الموارد من الأغنياء، وتحويلها لصالح الفقراء، عن طريق الإصلاح الضريبي».
وتتسق خطة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية مع توجيهات صندوق النقد الدولي الذي طالب في تقاريره بتعديل نظام الدعم المعمول به في السودان بسبب تأثيراته السالبة على اقتصاد البلاد.
وأعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك نية حكومته إجراء حوارات موسعة مع قطاعات المجتمع السوداني، يتم خلالها بحث قضية الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية في الموازنة العامة للدولة، وقال لدى مخاطبته ورشة عمل «أولويات الفترة الانتقالية»: «النقاش حول دعم السلع الاستهلاكية سيكون مع كل قطاعات المجتمع، وسيكون الخيار للشعب في رفض الدعم أو استمراره».
وتشمل السلع الاستهلاكية المدعومة في الموازنة العامة للدولة المحروقات (البنزين - الجازولين - غاز الطبخ)، إضافة إلى القمح والأدوية.
وحسب تقرير وزارة المالية السودانية، فإن قيمة دعم المحروقات في موازنة العام الحالي بلغت نحو 2.25 مليار دولار، فيما بلغ دعم القمح وحده 365 مليون دولار، في وقت بلغت فيه إيرادات الدولة نحو 162.8 مليار جنيه سوداني (3.6 مليار دولار)، بعجز قدره 3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال وزير المالية إبراهيم البدوي إن حكومته ستبقي على دعم السلع الاستهلاكية في الموازنة حتى يونيو (حزيران) 2020، لتقليل الآثار المترتبة على توازنات الاقتصاد الكلي، وأضاف: «ستطلق الحكومة مشروعات محددة في موازنة العام المقبل، لإضافة قيمة لقطاعات اللحوم والحبوب الزيتية».
وأوضح أن برنامج الموازنة يشمل تثبيت الاقتصاد الكلي، وتعبئة الموارد والتوظيف الأمثل لها، وفقاً للأولويات لخدمة أهداف الاقتصاد.
ويعد غلاء المعيشة، وارتفاع معدلات التضخم، ودعم السلع الاستهلاكية، من أكبر التحديات التي تواجه حكومة الفترة الانتقالية، إذ ارتفع معدل التضخم في البلاد لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 57.7 في المائة، وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء.
وتعاني العملة الوطنية من تدهور لافت، انخفض بموجبه سعر صرف الجنيه متجاوزاً 80 جنيهاً مقابل الدولار الواحد في السوق الموازية، فيما بقي السعر الرسمي المحدد من قبل بنك السودان المركزي 45 جنيهاً للدولار.
وقالت الحكومة الانتقالية إنها تدرس تقديم دعم نقدي مباشر للمواطنين في موازنة العام المقبل، وذلك لتقليل أي آثار لرفع الدعم عن السلع الاستهلاكية، وحددت أولويات تنفيذها ضمن برنامج إصلاح الاقتصاد وإعادة هيكلة الدولة، ومحاربة الفساد، والالتزام بمبدأ الشفافية والمحاسبة، واسترداد الأموال المنهوبة من قبل منسوبي النظام السابق.
وأدت تداعيات رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية إلى اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، التي اندلعت شرارتها بسبب ارتفاع أسعار الخبز، قبل أن تتحول لحراك سياسي أفلح في إسقاط حكم الرئيس المعزول عمر البشير.



5 تحديات اقتصادية تنتظر الفائز في الانتخابات الأميركية

العلم الأميركي يرفرف بينما يغادر أحد الناخبين مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في ديربورن بولاية ميشيغان (أ.ب)
العلم الأميركي يرفرف بينما يغادر أحد الناخبين مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في ديربورن بولاية ميشيغان (أ.ب)
TT

5 تحديات اقتصادية تنتظر الفائز في الانتخابات الأميركية

العلم الأميركي يرفرف بينما يغادر أحد الناخبين مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في ديربورن بولاية ميشيغان (أ.ب)
العلم الأميركي يرفرف بينما يغادر أحد الناخبين مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في ديربورن بولاية ميشيغان (أ.ب)

من طبيعة الحملات الانتخابية أن يتحول السياسيون، بغض النظر عن مواقفهم الأولية، إلى الخطاب الشعبوي، حيث يقدمون وعوداً كبيرة ويتجنبون التطرق إلى التفاصيل السياسية الدقيقة.

ولم تكن الانتخابات الرئاسية الأميركية لهذا العام استثناءً من هذه القاعدة. ولكن، مهما كان الفائز في هذه الانتخابات، فلن يكون بمقدوره الوفاء بتلك الوعود ما لم يقدم تفاصيل ملموسة لمعالجة خمسة مجالات أساسية تؤثر بشكل مباشر على رفاهية الاقتصاد في المستقبل، وفق رئيس كلية كوينز في كامبريدج، محمد العريان.

مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب يلقي خطاباً خلال تجمع انتخابي في ساحة فان أندل بميشيغان 5 نوفمبر 2024 (أ.ب)

وأدلى مرشحا الرئاسة هذا العام كثيراً من التصريحات الطموحة بشأن السياسة، بل واتفقا في بعض القضايا الجوهرية، مثل: خلق فرص العمل، والقضاء على التضخم، وحماية الشركات المحلية، وإلغاء فرض الضرائب على الإكراميات، وتحسين القدرة على تحمل تكاليف السكن. بالإضافة إلى ذلك، اختار المرشح الجمهوري دونالد ترمب فرض مزيد من التخفيضات الضريبية، وتبني سياسات تنظيمية أقل تشدداً، وزيادة التعريفات الجمركية، وتقليص الإنفاق الفيدرالي، وتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، وتقليص المبادرات البيئية. في المقابل، ركزت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على خفض تكاليف الرعاية الصحية وتحسين الوصول إليها، ومكافحة استغلال الشركات للأسعار، وتوسيع الائتمانات الضريبية، وإنشاء صندوق لدعم الابتكار.

ومع ذلك، يفتقر كل من هاريس وترمب إلى التفاصيل اللازمة لتحويل هذه الوعود إلى واقع عملي. وهذه مسألة لا يمكن تجاهلها، حتى في ظل اقتصاد يواصل التفوق على اقتصادات الدول المتقدمة الأخرى. وعليه، يجب اتخاذ خطوات فعالة في خمسة مجالات لضمان وجود فرصة حقيقية لتنفيذ هذه الوعود، وفقاً لما ذكرته «فاينانشيال تايمز» نقلاً عن العريان.

أولاً: يجب على الرئيس المقبل أن يجد آلية للحفاظ على النمو الاقتصادي مع إعادة توجيه الاقتصاد للاستفادة من محركات الازدهار المستقبلية. يتطلب هذا إزالة القيود المفروضة على المحركات الاقتصادية الحالية، مثل التصنيع والخدمات، ودعم المصادر الجديدة للنمو من خلال تشجيع الابتكارات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وعلوم الحياة، والطاقة المتجددة، والدفاع، والرعاية الصحية، وأمن الغذاء. ومن المهم أيضاً تقييم قانون «الحد من التضخم»، وقانون «الرقائق» لمراجعة ما إذا كانت التعديلات ضرورية لتحقيق الأهداف الهيكلية المرجوة. ويجب أن يصاحب ذلك تبني سياسات تنظيمية أكثر مرونة لدعم الابتكار، وفهم المخاطر المرتبطة بتوازن فقدان الوظائف مع تعزيز المهارات.

ثانياً: يجب مواجهة العجز الكبير في الموازنة والديون الزائدة بسرعة. لم يكن من المتوقع في الماضي أن تشهد الولايات المتحدة ثلاث سنوات متتالية بمعدل بطالة منخفض يبلغ نحو 4 في المائة، وفي الوقت نفسه تعاني من عجز في الموازنة يتراوح بين 6 إلى 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما قال الرئيس جون ف. كينيدي: «هذه هي أيام الشمس»، ويجب على الحكومات «إصلاح السقف» بدلاً من خلق مزيد من الثقوب. لكن سواء كان العجز الحالي يتجاوز 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أو الدين الحكومي الذي بلغ 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن كلاهما يتجه نحو مسار غير مستدام.

فالمسألة لا تتعلق فقط بحجم الفجوات المالية، بل أيضاً بضرورة بناء مرونة أكبر في الإدارة المالية العامة التي تفتقر إلى القدرة على التكيف. وهذا يتطلب إصلاحات شاملة في النظام الضريبي، بما في ذلك إزالة الإعفاءات الملتوية وتحسين كفاءة الإنفاق، إضافة إلى تخصيص مزيد من الموارد للاستثمار في المستقبل واحتياطيات الطوارئ.

مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس تلقي خطاباً خلال تجمع انتخابي خارج متحف فيلادلفيا للفنون 4 نوفمبر 2024 (أ.ب)

ثالثاً: يجب على كل من هاريس وترمب تجنب الاستخدام المفرط للأدوات الاقتصادية التي يفضلونها. بالنسبة لهاريس، يجب تجنب الإفراط في التنظيم والسياسات الصناعية الصارمة التي قد تعيق النمو. أما بالنسبة لترمب، فيجب توخي الحذر في استخدام التعريفات الجمركية والتخفيضات الضريبية بشكل مفرط.

رابعاً: يتعين على الإدارة الجديدة استعادة القيادة الأميركية الموثوقة في قلب النظام الاقتصادي والمالي العالمي. هذا لا يتعلق بآيديولوجية العولمة، بل بالتصدي للتشرذم الذي يهدد النمو والأمن الوطني. كما أن المشاركة النشطة للولايات المتحدة ضرورية لتطوير استجابات مشتركة للتحديات العالمية الزائدة. والبديل هو مزيد من الانكشاف أمام الصدمات الاقتصادية المتكررة والعنيفة.

وأخيراً، يبقى التواصل الفعّال عاملاً أساسياً في نجاح أي برنامج اقتصادي. لقد تعلمت إدارة بايدن - هاريس ذلك بالطريقة الصعبة عندما اتبعت في عام 2021 نهج بنك الاحتياطي الفيدرالي في وصف التضخم بأنه «مؤقت»، فقط لترى التضخم ينفجر بعد ذلك إلى أكثر من 9 في المائة. بينما نجح ترمب في التعامل مع الوضع بشكل أفضل بعد فوزه في انتخابات 2016، عندما حولت نبرته التوافقية حول الاقتصاد خسائر أسواق الأسهم إلى مكاسب، وخلق سرداً اقتصادياً يخدمه على المدى الطويل.

ووفق العريان: «الإفراط في الوعود خلال الحملات الانتخابية ليس أمراً جديداً أو مفاجئاً. والتحدي الأكبر أمام الفائز هو تحويل تلك الوعود إلى حكم اقتصادي فعّال وواقعي. إذا لم ينجح في ذلك، فقد تخسر الولايات المتحدة استثنائيتها الاقتصادية، ويخسر العالم المحرك الرئيسي لنموه».