ملك المغرب لم يلتق بومبيو... وأوساط تتحدث عن قدومه للرباط بـ«أجندة ضغط»

علمت «الشرق الأوسط» أن اللقاء، الذي كان منتظرا أن يجمع العاهل المغربي الملك محمد السادس بوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لم يتم.
وقالت أوساط دبلوماسية غربية في الرباط لـ«الشرق الأوسط» إن أسباب إلغاء استقبال العاهل المغربي لبومبيو تعود إلى كون رئيس الدبلوماسية الأميركية جاء إلى الرباط بـ«أجندة ضغط» لجهة فرض إقامة التطبيع بين المغرب وإسرائيل، ولم يصدر عن الخارجية المغربية أي توضيح بخصوص عدم الاستقبال.
وحسب معلومات «الشرق الأوسط» فإن بومبيو جاء حاملا في جعبته طلبا للمغرب بإقامة علاقات مع إسرائيل بمستوى العلاقات نفسه، التي أقامها معها عام 1994، حينما فتحت تل أبيب في الرباط مكتبا للاتصال، والشيء نفسه قامت به الرباط حينما فتحت مكتبا للاتصال في تل أبيب. وترى الرباط أن الوضع في عام 1994 يختلف كليا عن الوضع في 2019.
ونظر المغرب بريبة شديدة إلى اللقاء، الذي أجراه بومبيو مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأربعاء في العاصمة البرتغالية لشبونة، قبيل قدومه إلى الرباط. وتعتبر الولايات المتحدة المغرب شريكا في تحقيق أهدافها في المنطقة، بما في ذلك تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بحسب ما قال مسؤولون في الخارجية الأميركية نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وأجرى بومبيو، أمس، في الرباط لقاء مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بحضور وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، والقائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة بالرباط، ديفيد غرين. كما أجرى لقاء مع نظيره المغربي وزير الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ومع عبداللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني والمدير العام للمخابرات الداخلية.
في غضون ذلك، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج في تصريح وزع على الصحافيين، إن وزير الخارجية الأميركي يقوم بزيارة عمل إلى المغرب «في إطار تعزيز العلاقات القوية والتاريخية والمتجددة، التي تربط بلدينا الصديقين والشريكين»، مشيرا إلى أن هذه الزيارة «تكتسي طابعا متميزا على أكثر من مستوى. فهي الزيارة الأولى له إلى المغرب وإلى منطقتنا كوزير لخارجية أميركا».
وقال بوريطة أيضا إن زيارة بومبيو للرباط تؤكد الدينامية الإيجابية التي تعرفها العلاقات الثنائية، بإرادة من الملك محمد السادس، مشيرا إلى أن تلك الدينامية الإيجابية أبانتها زيارة كل من جاريد كوشنر وإيفانكا ترمب، المستشارين الخاصين لرئيس الولايات المتحدة.
وأضاف بوريطة أن زيارة بومبيو للرباط «بمثابة تجديد لمتانة العلاقات الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة، وتجسد نوعية هذه العلاقات، المترسخة في أسسها والواضحة في معالمها».
وزاد بوريطة قائلا إن العاهل المغربي حرص على تعزيز الشراكات التاريخية للمملكة، في إطار تنفيذ الرؤية الملكية لسياسة خارجية دينامية وفاعلة، مكنت العلاقات المغربية - الأميركية من تحقيق قفزة نوعية في السنوات الأخيرة، وتفعيل آليات التعاون التي أثبتت فاعليتها، وقدرتها على فتح آفاق أرحب للشراكة الثنائية. مذكر بأن إرادة الولايات المتحدة في تعزيز علاقاتها مع المملكة المغربية «تشكل اعترافا بما يميز المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس من استقرار ومصداقية وإصلاحات، وهو ما أكده البيان المشترك للدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة، الذي حيّا ريادة الملك محمد السادس في إرساء إصلاحات قوية وبعيدة المدى»، وأثنى على دعم ملك المغرب الموصول في قضايا ذات اهتمام مشترك، منها السلام في الشرق الأوسط، والاستقرار والتنمية في أفريقيا، وكذا الأمن والسلم في المنطقة.
وإلى جانب الزخم الذي تعرفه العلاقات على المستوى السياسي، قال بوريطة إن الشراكة بين المغرب والولايات المتحدة استطاعت أيضا أن تحقق تعاونا اقتصاديا وثيقا، حيث تخطى حجم المبادلات التجارية الثنائية عتبة 51 مليار درهم (نحو 5 مليارات دولار)، أي بزيادة قدرها 28 في المائة بالمقارنة مع 2017. موضحا أن الولايات المتحدة هي ثالث مستورد للسلع المغربية، ورابع مورِد للمغرب. كما تأتي الاستثمارات الأميركية في المرتبة السابعة ضمن الاستثمارات الخارجية المباشرة في المغرب، علما بأن نحو 160 شركة أميركية اتخذت من المغرب مقرا لها. إضافة إلى ذلك، فإن المغرب زاره هذه السنة أكثر من 300 ألف سائح أميركي، أي بزيادة قدرها 20 في المائة بالمقارنة مع 2017.
وتأسيسا على هذه المكتسبات، قال بوريطة إن المغرب يعمل وفق رؤية العاهل المغربي مع الولايات المتحدة كشريك وحليف، في إطار تعاون وثيق في العديد من القضايا الثنائية والاستحقاقات الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، ذكر بوريطة أن المغرب سيحتضن الدورة 13 لقمة الأعمال الأميركية - الأفريقية، في يونيو (حزيران) 2020 بمراكش؛ والنسخة 17 لمناورات الأسد الأفريقي 2020 (في النصف الأول من 2020)، وهي الأكبر في أفريقيا مقارنة بما عرفته مناورات السنوات الماضية. كما سيحتضن المغرب اجتماع فريق العمل المعني بمكافحة الإرهاب في إطار مؤتمر وارسو (نهاية بداية شهر مارس (آذار) 2020).
وشكلت زيارة بومبيو للرباط، حسب بوريطة، فرصة للتباحث وتبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، انطلاقا من الدور الريادي للملك محمد السادس على المستوى الأفريقي، ومساهمة المغرب المعترف بها في عدد من القضايا.
وبخصوص الوضع في الساحل، قال بوريطة إنه جرى تسجيل توافق بين وجهات نظر البلدين، مشيرا إلى أن منطقة الساحل تعد منطقة استراتيجية، تستوجب تنسيقا مشتركا على العديد من الأصعدة. وذكر أن المغرب يعتبر أن المقاربات الانفرادية أثبتت عدم فاعليتها، ويدعو إلى تبني مقاربة شاملة وجماعية، قائمة على التنسيق بين بلدان اتحاد المغرب العربي، ودول الساحل والصحراء (سين صاد) (وغرب أفريقيا «سيدياو»).
وتبقى التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يضيف بوريطة، مرتبطة في الأساس بتنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة، التي تهدد الاستقرار والتنمية في المنطقة.
وفيما يتعلق بليبيا، قال بوريطة إن الطرفين تبادلا وجهات النظر بخصوص السبل والوسائل الكفيلة بتمكين هذا البلد الشقيق من إرساء أسس سلم وأمن دائمين، وذلك في إطار حل سياسي يتوافق عليه الفرقاء الليبيون، بناء على الأسس التي وضعها مسلسل الصخيرات.
وخلص بوريطة إلى القول إن الطرفين ناقشا أيضاً التهديد الذي تشكله إيران وحلفاؤها، والجهود المبذولة لمواجهة محاولات نشر النفوذ الإيراني في المنطقة، بما في ذلك شمال وغرب أفريقيا، وكذلك الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا من خلال تعزيز قدرة الأجهزة الأمنية في المنطقة، خاصة بواسطة وضع منصة مشتركة للتعاون في المجال الأمني.
ولوحظ أن تصريح بوريطة الطويل خلا من الإشارة، لا من قريب ولا من بعيد، إلى مسألة تطبيع علاقة بلاده مع إسرائيل، وهي النقطة رقم واحد، على ما يبدو، في برنامج زيارة بومبيو للرباط، الذي حضر إلى المغرب رفقة عشرة صحافيين أميركيين.
تجدر الإشارة إلى أن مؤتمرا صحافيا للوزيرين بومبيو وبوريطة كان مبرمجا عقده أمس في الساعة الرابعة ظهرا (توقيت المغرب)، لكنه ألغي في آخر لحظة دون إعطاء سبب لذلك.