الغلاء يكتسح جنوب سوريا بعد تدهور الليرة السورية

مظاهرات في درعا لإطلاق المعتقلين من السجون

سوق للخضار في درعا (الشرق الاوسط)
سوق للخضار في درعا (الشرق الاوسط)
TT

الغلاء يكتسح جنوب سوريا بعد تدهور الليرة السورية

سوق للخضار في درعا (الشرق الاوسط)
سوق للخضار في درعا (الشرق الاوسط)

يعود أبو قاسم إلى منزله بأكياس صغيرة وقطعاً من الخبز تكفي ليوم واحد، ذلك أن عمل يومين يذهب في ثلاثة أكياس صغيرة لا تسد الرمق إلا ليوم واحد، فالغلاء في الأسواق يفترس المواطنين محدودي الدخل، باعتبار أن الأسعار تتضاعف بشكل يومي، ما يحمّل مسؤول الأسرة أعباء يعجز عن إيجاد حلولها، وسط الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد كافة، وندرة فرص العمل، وضعف أجر اليد العاملة، وانهيار الليرة السورية أمام الدولار الأميركي الذي وصل إلى 950 ليرة مقابل الدولار الواحد.
وأوضح أن تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار وصل إلى أعلى مستوياته في البلاد منذ بدء الحرب بها، حيث يسجل سعر تصريف الدولار مقابل الليرة السورية تصاعداً متسارعاً وشبه يومي. أسفر هذا التدهور عن زيادة باهظة في أسعار مختلف البضائع والسلع، ما شكّل عبئاً على المواطنين، بعد أن ازدادت الأسعار في السوق بنسبة 40% لكل البضاعة وحتى الأساسيات منها كالسكر والأرز وغيرها، ما يرهق معظم العائلات في توفير احتياجاتها ومنها من أجبرها الغلاء على ترك بعض احتياجاتها. كما أن أعداداً كبيرة من العائلات أُضيفت إلى الطبقة الفقيرة وبعد أن كانت قادرة على سد احتياجاتها خلال الشهر أصبحت الآن تستنزف مرتباتها الشهرية في أول أيام الشهر، نتيجة سطو الغلاء على المجالات كافة، الأمر الذي أدى إلى تراجع كل مقومات الحياة المعيشية لدى معظم العائلات.
وارتفعت أسعار الحاجات الغذائية الأساسية، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد من السكر إلى 500 ليرة سورية، ولتر الزيت النباتي الأبيض إلى 1300 ليرة سورية، وكيلو الأرز 950 ليرة، كما وصل الغلاء إلى المحروقات في السوق السوداء، حيث وصل سعر الأسطوانة الواحدة من الغاز إلى 8000 ليرة، والبنزين بات يباع بثلاثة أضعاف سعره الحقيقي ويباع اللتر الواحد بـ700 ليرة سورية، والمازوت (الديزل) كذلك للتر الواحد، أيضاً الخضار والفواكه كلها ارتفعت أسعارها بنسب كبيرة تصل إلى 50% عن سعرها السابق.
ويرى مواطن آخر أن هذه المرحلة التي تمر بها عموم المناطق في سوريا هي الأصعب من نوعها المعيشي والاقتصادي منذ بدء الحرب في سوريا، حيث تشهد الأسواق وكل المواد تحليقاً متسارعاً في الأسعار، بعد أن تضاعفت الأسعار لأكثر من أربع مرات عما كانت عليه قبل عدة أشهر من بدء تدهور الليرة أمام الدولار، خصوصاً أن الغلاء الجديد شمل كل المستلزمات الأساسية للعائلة كالمواد الغذائية والخضراوات والفاكهة واللحوم، حيث يباع الكيلوغرام من اللحم البقري بسعر 5000 ليرة، بينما لحم العواس (الغنم) وصل سعر الكيلوغرام إلى 7000 ليرة، بعد أن كان سعره 4000 قبل أشهر، بينما بلغ سعر كيلوغرام الثوم 2500 ليرة، والبندورة 500 ليرة... واختصر حديثه: «كل أصناف الخضار والفاكهة زاد سعرها بين 200 إلى 500 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد. أصبحت الحياة بالغة الصعوبة، ماذا سيأكل الناس بعد أول أيام من تسلم مرتباتها الشهرية التي لا تكفي إلا أياماً قليلة مع استمرار هذا الغلاء وتضاعف الأسعار المستمر؟».
زياد، خبير اقتصادي سوري وهو عامل في إحدى المؤسسات الحكومية، يقول: «إن الحكومة السورية عملت على تنفيذ عدة إجراءات لمواجهة هذه الأزمة حيث أصدرت قراراً يقضي بزيادة رواتب العاملين في مؤسسات الدولة المدنيين والعسكريين، اتخذت مجموعة إجراءات منها زيادة في رواتب العاملين لديها، بالإضافة إلى توفيرها المواد الغذائية الأساسية في المؤسسة التجارية التي تسمح لموظفي مؤسسات الدولة بالشراء بأسعار الجملة كالمواد التموينية الأساسية (السكر والرز والزيت) وحتى القرطاسية والملابس، بأسعارٍ منخفضة عن السوق الحرة، كما عملت على تفعيل (البطاقة الذكية) التي أصدرتها الحكومة للعائلات للحصول على مخصصاتها من المحروقات (البنزين والمازوت والغاز)، وفق أسعار محددة وأرقام وجداول دورية».
لكنه عدّ الزيادة لا تتماشى مع ارتفاع الأسعار وتسلط التجار، «فالراتب الشهري لموظفي الدرجة الأولى أصبح 60 ألف ليرة سورية بعد الزيادة الأخيرة، أي ما يعادل 65 دولاراً، ومع هذا الغلاء ومحاولة الترشيد في المصروف فهي لا تكفي لأول عشرة أيام في الشهر لسد الرمق». ورغم المحاولات التي تسعى لها الحكومة لمواجهة الغلاء ومكافحته بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، فإنها تدابير غير كافية لمساعدة المواطن، فالمحروقات غير متوفرة دائماً في المراكز الحكومية ولا نستطيع الحصول عليها إلا في فترات محددة مع استمرار أزمة المحروقات في البلاد. يضاف إلى ذلك الازدحام الشديد عند مراكز المؤسسة السورية للتجارة للحصول على المواد التموينية كبيرة.
ويرى أن «سبل العيش ضاقت على الناس كلها، ولا بد من الحل السريع ومراقبة الأسواق والتجار من قِبل الجهات الحكومية المسؤولة، التي وعدت بمراقبة الأسعار ومحاسبة المخالفين، وتحديد الأسعار، لكن الأسعار ترتفع بشكل يومي دون رقيب، مع تصاعد يومي لسعر صرف الدولار الذي سجل 950 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد».
وعلى صعيد آخر، قال الناشط مهند العبد الله من مدينة درعا إن «مناطق الجنوب شهدت خروج متظاهرين في عدة مناطق من محافظة درعا الخاضعة لاتفاق التسوية مع النظام السوري طالبت بالإفراج عن المعتقلين، وضد وجود الميليشيات الإيرانية و(حزب الله) ومحاولاتها التمدد في المنطقة الجنوبية، كما رفعوا شعارات مناهضة للنظام السوري، ونصب مجموعة من عناصر المعارضة سابقاً حواجز على طريق آليادودة – الضاحية في ريف درعا الغربي، بحثاً عن عناصر من قوات النظام، وقاموا باعتقال أحد عناصر النظام». وجاء ذلك «إثر كثرة عمليات الاغتيال والتصفية التي تعرض لها عناصر من المعارضة سابقاً في المنطقة خلال الفترة الماضية». وأضاف أن الجانب الروسي سيّر دوريات من الشرطة العسكرية الروسية في المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية جنوب سوريا والتي خرجت بمظاهرات مؤخراً، بهدف تهدئة الوضع وسماع شكاوى الناس وإنهاء التوتر الأمني، وقدم الأهالي شكاوى بضرورة الإفراج عن المعتقلين خصوصاً الذين تم اعتقالهم بعد إجراء اتفاق التسوية في المنطقة، لا سيما أن الجانب الروسي تعهد وفقاً لاتفاق التسوية في المنطقة بالحفاظ على استقرار المناطق وإنهاء التوتر الأمني ومنع تجاوزات قوات النظام السوري، والكشف عن مصير المعتقلين.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».